مَن هم الأطفال المتفوقون؟
يعد الأطفال الذين يمتلكون مستوىً عالياً من الذكاء والاتجاهات والمواهب الخاصة متفوقين. فقد عرّف هاففهرست الطفل الموهوب أو المتفوق بأنه الطفل الذي يظهر باستمرار أداءً متميزاً في أي نشاط أو مجال مفيد.
يؤكد علماء النفس والمربون كثيراً أو قليلاً على الطفل المتفوق أكثر من الطفل العادي أو الطفل ضعيف العقل. وهذا صحيح في البلدان الغربية وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أحرزت التربية تقدماً كبيراً في تمييز حاجات الأطفال المتفوقين والمحرومين وصعوباتهم. فمن الواضح أن الأطفال المعوقين وضعاف العقول يجذبون انتباهاً أعظم من المربين وغيرهم بسبب العيوب التي يعانون منها نتيجة عدم قدرتهم على مجاراة الأطفال العاديين. وفي الصف يخفق الأطفال المتفوقون في جذب انتباه المدرسين، لأنهم يستطيعون أن يتجاوزوا الطفل العادي في الصف أو يسبقوه. ولذلك فإن الحاجة للاهتمام الخاص بالنسبة لهم لا يتم الشعور بها أو إدراكها بدقة. ومن جهة أخرى فإن الأطفال المعوقين دائماً يتطلبون انتباهاً خاصاً من المعلم.
في علم النفس لا توجد خطوط صلبة أو حدود حاسمة أو سريعة لفصل مجموعات عن أخرى، لأن الخصائص النفسية موزعة على مستقيم كبير ولذلك من الصعب جداً أن يحدد العدد المناسب للمتفوقين. ولكن على كل حال إن علماء النفس قد حددوا مجموعات المتفوقين جداً والمتفوقين في مجال حاصل الذكاء، علماً أن التصنيف الذي يتم اتباعه واعتماده في هذا المجال غير متفق عليه تماماً أو بشكل كامل كما هي الحال بالنسبة للحدود العليا والدنيا.
لقد ذكر التاريخ أن الاهتمام بتوجيه الأطفال المتفوقين وتربيتهم قد وجد في الفترتين اليونانية والرومانية القديمة. ولكن التحسن في هذا المجال لم يكن جاداً حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فبعد نشر غالتون لكتاب العبقرية بالوراثة عام 1869 ولومبروزو للإنسان العبقري عام 1891 جاءت دراسات الأطفال المتفوقين إلى المقدمة في الاهتمام. فسابقاً كان يظن أن العبقرية والجنون مرتبطان بشكل وثيق معاً. وفي عام 1905 أحدث بينه تطوراً خارقاً جداً بخلق اختبارات الذكاء وفي عام 1925 قدم ترمان دراسته الطولانية الشهيرة للعباقرة. وبعدئذ أصبح التركيز على المتفوقين أكثر بروزاً حيث نجد أنه بعد عام 1950 حدث تحديد للاهتمام في هذا المجال وبخاصة بعد خطاب غيلفورد في أمريكا ومطالبته بالكشف عن المتفوقين والمبدعين وتربيتهم.
ولكن مَن هو المتفوق؟ إن المتفوقين هم أولئك الأطفال الذين تضعهم قدراتهم العقلية في المستوى الأعلى لتوزع السكان. فالمتفوقون دراسياً يمتلكون حاصل ذكاء قدره 130 فما فوق وهم يمتلكون قدرة معرفية عالية وإبداعاً في التفكير والإنتاج وموهبة عالية في مجالات خاصة. بحيث يمكن أن يكونوا في المستقبل حلالين للمشكلات ومبدعين للمعرفة ومقومين للثقافة إذا تم تزويدهم بالخبرات التربوية المناسبة.
خصائص المتفوقين:
ليس هناك شك في أن الطفل المتفوق عقلياً يظهر موهبة من خلال أدائه المتميز في أي نشاط يستحق اهتمامه. ويتم تحديد هؤلاء الأطفال في المدرسة من قبل معلميهم الذين يكونون قادرين على ذلك بملاحظة أدائهم ومراقبته.
هناك عدد من الأفكار الخاطئة بين الناس فيما يتعلق بخصائص الأطفال الموهوبين والمتفوقين جداً. فمن الكاريكاتير والفولكلور يحصل الناس على فكرة تقول إنهم صغار جسمياً في شكلهم وضعاف في نموهم. كما أنهم يمتلكون فكرة قوية بأن الناس المتفوقين عقلياً حركيون وغير مستقرين وأحاديوا الاتجاه ومرفوضون اجتماعياً، إلا أن معظمهم يبدون بأنهم راشدون عاديون فيما يتعلق بالذكاء والتحصيل.
على كل حال ما من واحدة من الأفكار المذكورة أعلاه صحيحة، فلعقدين من الزمن تم مسح مجموعات من الأطفال ودراستهم بشكل شامل وكامل، وقد تم اكتشاف الصفات التالية في هذه الأبحاث:
1 ـ الصفات الجسمية:
تكشف الدراسات المختلفة للأطفال المتفوقين أنهم يمتلكون نمواً جسمياً فوق المتوسط فهؤلاء الأطفال أكثر طولاً، وأثقل وزناً، وأفضل بناءً ونمواً من غيرهم من الأطفال. أما صحتهم العامة فتكون فوق المتوسط وتستمر كذلك حتى الرشد. وأما نسبة وفيات الأطفال والجنون فقد وجد أنها منخفضة عند هؤلاء الأطفال المتفوقين، وأنهم يمتلكون أيضاً تناسقاً وضبطاً جيدين للعضلات. ففي دراسة بالدوين التي أخذ خلالها ماييس 594 طفلاً من مجموعة ترمان للمتفوقين (والتي كان حاصل ذكائها بين 130 و 189) بدا أولئك الأطفال متفوقين على المجموعة التي تمت مقارنتهم بها. وفي عام 1925 حصل ترمان على التفصيلات التالية عن الأطفال المتفوقين:
ـ يمتلك الأطفال المتفوقون وزناً أكبر من غيرهم عند الولادة.
ـ إنهم ينظفون بشكل مبكر أكثر من غيرهم (يتعلمون ضبط الإخراج والإطراح).
ـ إنهم حذرون.
ـ إنهم أفضل من المتوسط من الناحية الغذائية.
ـ إنهم أطول وأثقل وأقوى في قبضة أيديهم وأكتافهم، ومتفوقون في قدراتهم الحركية وأقل إصابة بعيوب السمع، والتنفس الفمي وأقل إصابة بالتأتأة...
2 ـ نمو الصفات العقلية:
تكشف الدراسات العلمية أن الأطفال المتفوقين يحققون نمواً أفضل من بقية الأطفال في جميع المجالات. فتعلمهم للكلام والمشي والقراءة يكون مبكراً بشكل متميز، وإنهم موهوبون بعدد من الخصائص في شخصيتهم وذكائهم. فلقد بينت دراسات الحالة للأطفال المتفوقين عقلياً أنهم يمتلكون معايير ومعدلات تحصيل أرفع من الأطفال العاديين، وأن استجاباتهم تكون أسرع، وأن تقدمهم يكون أوضح من الأطفال العاديين أيضاً، وأن نشاطاتهم في الصفوف واسعة ومتنوعة وأن اهتماماتهم أكثر تنوعاً أيضاً من بقية الأطفال.
لقد ذكر كيرك أن الأطفال المتفوقين عقلياً يكونون أكثر اهتماماً بالموضوعات المجردة كالأدب والحوار... الخ وأقل اهتماماً بالموضوعات الإجرائية مثل التدريب اليدوي. كما وجد أنهم ليسوا اجتماعيين إلى حد ما. وتكشف الأبحاث أن معظم الأطفال المتفوقين يقعون في الربيع الأدنى في المساحة الاجتماعية للاهتمام باللعب إذا تمت مقارنتهم بالأطفال العاديين. وقد أثبت كيرك أيضاً أن الأطفال المتفوقين يصنفون فوق المتوسط في اختبارات النضج الاجتماعي والطباع. وقد وجد أن معظم الأطفال المتفوقين مدركين لمواهبهم والاستفادة منها. كما أن عملياتهم العقلية غنية جداً، فهم يكوّنون أفكاراً إبداعية بسهولة، وهم قادرون على اكتشاف الفجوات والثغور في المشكلات وعلى ملئها بالعناصر المفقودة بشكل ذكي.
3 ـ الخصائص الشخصية للأطفال المتفوقين:
تبين البحوث أن هناك علاقات إيجابية وحميمة بين التفوق والشخصية. فبدون شك يعد الأطفال الموهوبون مرغوبين ومعروفين وطموحين ومحبوبين ومجدين أكثر من غيرهم، وعادة ما يمتلكون رغبة قوية في الاكتشاف والابتكار، وهم قادرون على مقاومة الإحباط بشكل أفضل من أي شخص آخر.
وجد بعض علماء النفس أن الأطفال المتفوقين اندفاعيون ومعتدون بأنفسهم ومهتمون جداً بالتعابير الجمالية والتفكير الانعكاسي، ويمتلكون درجة كبيرة من الدافعية. وعادة إنهم حساسون، وغنيون بالأفكار المساعدة، ومرنون ومتحمسون. وتخبرنا الدراسات العديدة لهم بأن ذلك التفوق والسلوك الإبداعي لديهم يُنظر له على أنه استمرارية أو بديل للعب في الطفولة. فالأفكار الإبداعية مشتقة مندقة التخيل والأفكار المرتبطة بأحلام اليقظة والألعاب التي تهمل بحرية في مرحلة الطفولة، إذ إن الأطفال المتفوقين يقبلون الأفكار الناشئة والجديدة والمشرقة بحرية في حين يكظمها الناس العاديون.
4 ـ الخلفية الأسرية والخصائص الاجتماعية:
عموماً ينحدر الأطفال الأذكياء من آباء ينتمون للطبقة المهنية والمتعلمة، كما أنهم ينتمون للمجموعة المهنية العليا (كبار الموظفين) وأن بيئتهم البيتية تزودهم بالأجواء المتميزة والمناخ المشجع. وهم مطيعون واجتماعيون. وتكشف الدراسات أن هؤلاء الأطفال شعبيون جداً ويبحث رفاقهم ومَن هم أكبر منهم سناً عنهم. وبالإضافة لجميع الصفات السابقة فإن لديهم إحساساً جيداً بالدعابة أو حساً انتقادياً ساخراً. ويعتقد بعض المجربين والذين أجروا دراسات تجريبية أن هؤلاء الأطفال خجلون ومحبون للانفراد والوحدة، حيث يحجبون أنفسهم عن الجماعة أو منها وقليل منهم يهتمون بالجنس الآخر.
إضافةً لما ذكر أعلاه إن هؤلاء الأطفال أكثر نضجاً ممن هم في مثل سنهم من الناحية الاجتماعية والانفعالية، وإنهم يفضلون بشكل دائم الألعاب التي تتطلب محاكمة عقلية وإطلاقاً للأحكام. ويلعب هؤلاء الأطفال ألعاباً يفضلها غيرهم من الأطفال الأكبر سناً منهم، مع أنهم شعبيون ومتمركزون حول أنفسهم.
5 ـ التعلم والتربية:
يتعلم هؤلاء الأطفال الكلام والمشيء بشكل أكبر من أقرانهم وتكون مفرداتهم اللغوية جيدة جداً، وهم يمتلكون مفردات غزيرة وواسعة يستعملونها لتسريع النمو اللغوي. كما أنهم يمتلكون ذاكرة قوية واحتفاظية. وهم متفوقون في تحصيلهم، في الموضوعات المدرسية، وإن عدم الثبات والاستقرار نادراً ما تتم ملاحظته في تحصيلهم لأنهم يعملون بجدية وقوة وبشكل يتمركزون كلياً على العمل. إن حوالي 50% من الأطفال المتفوقين يتعلمون القراءة قبل دخول المدرسة، وبعد دخول المدرسة يطورون اهتماماً ذكياً بالموضوعات المدرسية المجردة ويقيمون عادة على أنهم فوق مستوى صفوفهم العادية.
تحديد المتفوقين:
يستطيع الآباء والمعلمون وعلماء النفس والأخصائيون الاجتماعيون المساعدة في تحديد الأطفال المتفوقين في مرحلة مبكرة جداً. بالطبع إن هذه العملية هي المشكلة التي جذبت اهتمام علماء النفس في كل أنحاء العالم، فقد عدوها صعبة جداً وبخاصة تقدير التفوق بمساعدة أداة أو اختبار واحد.
بناءً على رأي تولمان: إن الأطفال الذين يقعون ضمن النسبة المئوية العليا في حاصل الذكاء هم أطفال متفوقون، ولكن فيما بعد أكد على أن اختبارات الذكاء العام تمثل نوعاً ما شكلاً محدوداً من المهمات العقلية، فمثل هذه الاختبارات هي الأفضل للنوع الاستدعائي أو التحديدي من المشكلات، ولذلك استنتج أن المدى الكامل للتفوق عند الأطفال لا يمكن قياسه بواسطة اختبارات الذكاء فقط. وقد أثبت إضافةً لذلك أن الأطفال الذين حصلوا على درجات عليا في اختبارات الذكاء ليسوا بالضرورة مبدعين بدرجة عالية أيضاً.
لو انتقلنا إلى وجهة نظر أخرى حول التفوق لوجدنا أن ثرثتون قد ذكر أن كونكَ ذكياً جداً لا يعني أنك متفوق في العمل المبدع. وهذه يمكن اعتبارها فرضية إذ يلاحظ عموماً في الجامعات أن أولئك الطلاب الذين يمتلكون ذكاءً عالياً يتم الحكم عليهم ـ بواسطة المعايير المتوفرة ـ على أنهم ليسوا بالضرورة هم المنتجين فقط للأفكار الأصيلة. وجميعنا قد يعرف بضع أشخاص مبدعين ممن يمتلكون ذكاءً عالياً ولكن هذا الدمج بين الذكاء والإبداع ليس قاعدة عامة.
بشكل عام تستعمل اختبارات الذكاء والإبداع لتحديد التفوق لدى الأطفال، فالاختبارات الإبداعية تتضمن القدرة على التعامل مع أنظمة الرموز العددية واللفظية. وبجانب هذه الاختبارات صممت اختبارات التحصيل المدرسية لدراسة التفوق، ولكن أحد سلبيات وعيوب هذه الاختبارات هو أنها غير شاملة أو صحيحة بشكل كاف لتقدير الإبداعية.
لقد بذلت جهود كبيرة لدراسة التفوق من قبل علماء النفس. فقد حدد جيتترل المقاييس التالية للإبداع والتفوق:
1 ـ اختبار ترابط الكلمات: يعرض هذا الاختبار كلمات على المفحوص ولكل كلمة عدة معاني، ويسأل المفحوص أو يطلب منه أن يكتب أكبر عدد من المعاني التي يعرفها لكل منها.
2 ـ استعمال الأشياء: يطالب المفحوص بكتابته أكبر عدد من الاستعمالات المختلفة أو غير العادية لكل شيء بأقصى ما يستطيع من السرعة.
3 ـ الأشكال المخفية: يجب على المفحوص أن يحدد الأشكال المفقودة التي يظهر فيها الشكل المطلوب.
4 ـ تكملة القصص: وهنا يزود المفحوصون بنفس القصص التي يكون السطر الأخير فيها فارغاً ويطلب منهم مليء الفراغات ليعطوا نهايات مناسبة للقصة.
5 ـ وضع مشكلات: يعطى المفحوص تعليمات لتكوين أكبر عدد يستطيع تكوينه من المشكلات خلال فترة زمنية محددة.
طور كوف وديهادن وسيلة لاكتشاف قوة القدرات الخاصة أو طبيعتها، واعتبرت أعمالهم صالحة لتحديد التفوق. وقد قدم هذان العالمان معايير مختلفة لتحديد القدرات والمواهب الخاصة عند الأطفال المتفوقين وتقع معاييرهم ضمن ثلاث مجالات:
1 ـ القدرة العقلية.
2 ـ المهارات الميكانيكية.
3 ـ المهارات الجسمية.

يتبع....