من النعم التي لا يستطيع أن يدركها الإنسان أو يلمسها أو حتى أن يراها ، القدرة على التفكير وحل المشكلات والصعاب ، حيث أنها تتطور معه تلقائياً يوماً بعد يوم . ولولا العقل المفكر لما سارت الحياة ولما تطورنا ولا وصلنا إلى عالمنا اليوم.

والتفكير هو محرك الحياة وهوية الأفراد والشعوب . بالتفكير ترتقي الأمم وبدونه تبقى في مكانها وتتراجع ، بالتفكير تُصنع الهمم وتعلو وبدونه تضيع وتلهو.
وهناك نوعان من التفكير هما التفكير الإيجابي والتفكير السلبي ، فالسعيد من عرف الطريق الأول والشقي من تعس بسلوك الطريق الأخر ، وكلاهما سلوك موجود مع الإنسان منذ قديم الأزل.

ومن المعروف أن الأسرة هي أساس المجتمع ، وهي التي تربي الطفل وتدربه على التعلم والتفكير وتسهم في تمكين قدراته على العطاء والإنتاجية . فالطفل كائن شفاف نستطيع تشكيل شخصيته كما نشاء ، وإذا تهيئة التربية السليمة والبيئة الداعمة فقد يصبح ذلك الصغير قائداً أو عالماً ، وما إن ساءت البيئة سينتهي به الأمر لأن يكون جاهلاً أو ربما معقداً.

لا يختلف اثنان على أن تربية الطفل تعتمد على إرشاده بالحديث الإيجابي ، لنبني ثقته بنفسه ونعزز قدراته ، حيث أن للحديث السلبي دور في تحطيم وهدم تلك الثقة والاعتزاز بالنفس ، وقد يؤدي إلى إطفاء القدرات وتراجعها ، لذا وجب على الآباء والتربويون الحرص في اختيار كلماتهم وانتقاء ألفاظهم التي يخاطبون بها أطفالهم ، والعمل على توفير بيئة مليئة بالتشجيع والتحفيز والمديح.

فرب كلمة من معلم أو أب أو أم جرحت وأثرت في الطفل حتى مراحل لاحقة من العمر من شدة وقعها ، ورب كلمة ساحرة أضاءت طريقاً وغيّرت مسيرة الحياة.

ومن أمثلة الحديث السلبي الموجه للأطفال " الإهانات اللفظية " التي قد تكون مباشرة أو تهكمية كنغمة الصوت أو صراخ أو انتقاد ، وقد تكون تعبيرية بالوجه إما بغضب أو بنفاذ صبر . فقول " أنت لا تعرف شيئاً " ، " ابنتي لا تجيد شيئاً " ، " لا أحبك" " لا يعجبني شكلك " جميعها جُمل تحمل في مضامينها إساءة وإهانة لشخصية الطفل. حيث يمكن أن تُوجه الطفل بمفردات لا تمس كرامته ولا تضر بعقله وروحه ، فمثلاً : يمكن استبدال قول " لا ترفع صوتك أمامي " بقول " لا أحب هذا الأمر عند مناقشته بصوت عالي " ، و يحبذ استبدال قول " أنت لا تفعل شيئاً بالشكل الصحيح " بقول " أود لو تجرب فعل ذلك على هذه الطريقة ".
إن عدم التفرقة بين محبة الطفل وانتق
اد عمله شيء ، بينما عدم محبته وانتقاده ، فإنه شيء آخر ، لا بد أن يؤثر على نفسيته ويجعل منه طفل ذو شخصية ضعيفة تقوده إلى الاستسلام واستقطاب الأفكار السلبية حوله. لذا على البالغين مراعاة ضبط النفس وتجنب الانفعال والإساءة ، وتجنب إشعار الطفل بالحرج ، بل يستحسن توجيه الغضب نحو السلوك أو العمل نفسه " الأداء " وليس نحو الطفل كشخص.

للتفكير السلبي أسباب عديدة ومتنوعة ، ويجب معرفة طرق التخلص منها و تعويد أنفسنا على نبذها مبكراً ، وأن نتعلم كيفية التصدي لها وتحويلها إلى طاقة ايجابية مفيدة ، لنصبح قادرين على تحمل المسؤولية مواجهين لمتطلبات الحياة . فتعويد اللسان على ذكر الكلام الحسن الطيب من المسائل المهمة في تعاملات الحياة وفي تربية الأبناء قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [سورة إبراهيم:24-25].

وفيما يلي مجموعة من الإرشادات العامة للوالدين والمربين والتي يمكن مراعاتها في تربية الأبناء :
مساعدة الطفل على اكتشاف قدراته ومواهبه التي حباه الله بها وميزه عن غيره .
مدح محاسن الطفل وصفاته ، وعدم التركيز على عيوبه وتضخيمها .
تشجيع الطفل ومديحه أمام الآخرين ووصف جوانب التميز لديه .
حث الطفل على تكوين صداقات جيّدة ، وتشجيعه على المشاركات الاجتماعية .
تشجيع الطفل على الالتحاق في البرامج العلمية أو النشاطات و الرحلات الهادفة .
مساعدة الطفل على اكتساب مزيداُ من الثقافة والعلم .
مساعدة الطفل على أن يجالس أو يلعب مع أقرانه المتفائلين والناجحين والمحفزين وذوي الهمم العالية .
مساعدة الطفل وتوجيهه لقراءة أو سماع قصص الناجحين المشجعة و لخبراتهم المحفزة .
فالعقل والتفكير هما المحركان في سعادة الإنسان أو تعاسته . والتفكير الإيجابي والنظر إلى ما يمكن تحقيقه هو أصل النجاح ، لكن التفكير والحديث السلبي فيما لم يتم تحقيقه هو المدمر والقاتل للإنجاز . يقول أحد العلماء : " إننا نحن البشر نفكر فيما لا نملك وننسى أن نشكر الله على ما نملك ، فتصرفاتنا في هذا العالم هي انعكاس لنظرتنا إليه ".

لذا على الوالدين والمربين أن يُعلّموا أنفسهم طرق الاسترخاء والهدوء قبل التصرف بغضب ، ليتحكموا بسلوكهم ويضبطوا أعصابهم عند مواجهة المواقف الصعبة أو غير المقبولة ، وليكونوا متزنين نفسياً وعاطفياً ، قادرين على تربية ورعاية الأطفال بروح الإيجابية والثناء البنّاء ، متمكنين من ضبط انفعالاتهم ، متخلين عن كل حديث سلبي.

المراجع:

دجولاس بلوك. (2003). الحديث الأيجابي لتقدير الذات والسعادة العاطفية . تأليف دوجلاس بلوك ، قوة الحديث الإيجابي (الصفحات 54-58) .