مسائل في المرض والتداوي للطفل

جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بالتداوي واستحبابه، فقد سئل رسول الله r عن التداوي، فقال: ((نعم تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء)). وعادة يكون التداوي وطلب العلاج بعد الإصابة بالمرض، أما الوقاية فتكون قبله، لهذا جاء الأمر بالوقاية من المرض أولاً، وتجنب أسبابه، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يورد ممرض على مصح)).
وحماية الأولاد من الأمراض المعدية وغيرها أمر مطلوب، على أن لا تكون هذه الحماية من باب الوساوس والشكوك؛ بل تكون من باب أخذ الحيطة والأسباب، دون إفراط أو تفريط. فيراعي الأب نظافة الأولاد في أبدانهم، وملابسهم، ونظافة ما يأكلونه ويشربونه، وصحة المسكن، ونقاوة الهواء، ودخول أشعة الشمس إلى البيت، وتحري اختيار السكن في المناطق المتسعة المنبسطة، قليلة الازدحام، فإن اتخاذ هذه الأسباب ومراعاتها ـ بعد توفيق الله ـ له دور فعال في حماية الأطفال من الأمراض، لهذا يُلاحظ أن أطفال السواحل والأرياف أسرع نمواً من أطفال المدن، وذلك لنقاوة الهواء ووفرة أشعة الشمس وتعرضهم لها.
وعند نزول المرض بأحد الأولاد، فإن المسارعة إلى علاجه أمر هام لتدارك الخطر، على أن يكون ذلك في غير هلع وارتباك؛ بل الهدوء والسكينة في ذلك وتطمين الولد بأنه لم يصبه شيء خطير: له أثر جيد في سرعة شفائه، وإدخال الأمل إلى قلبه.
وليس من الضروري المسارعة إلى أخذ الولد إلى الطبيب عند حدوث أعراض مرض ما، بل إن استعمال الأب للأدوية المفردة دون المركبة لمعالجة الولد هو السنة التي كان عليها رسول الله r، وهذا إذا كان للأب خبرة في هذا المجال، ((وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء؛ ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب. قالوا: وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية لم يحاول دفعه بالأدوية)). والأطباء المعاصرون يميلون في العادة إلى الأدوية المركبة المصنعة، وهذه تضر بالبدن، إذا لم تكن موافقة للداء، أو كانت كميتها أكبر من المحتاج إليه. والأب يختار من الأطباء من لديه خبرة بالأدوية غير المركبة، بالإضافة إلى العلم الحديث في الطب وسياسة البدن، فإن اجتماع هذين العلمين، وتقديم أحدهما على الآخرعند معالجة المرضى، له بإذن الله الأثر في سرعة الشفاء وذهاب الداء.
وقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة تحث على المعالجة بالعسل، وتبين عظم فائدته ونفعه، يقول الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69]. ويقول الرسول r: ((الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي )).
وبناء على هذه النصوص ينبغي للأب المسلم أن يسارع إلى تأمين العسل في بيته بصورة مستمرة، خاصة الأنواع الجيدة منها، وإن كان لا يستطيع شراءه لغلائه وارتفاع سعره، اشترى منه قرصاً أو قرصين في السنة، واستعمله بطريقة اللعق ثلاث مرات في الشهر، فإن ذلك بإذن الله يكفي ويحصل به المطلوب؛ فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من لعق العسل ثلاث غدوات، كل شهر، لم يصبه عظيم من البلاء))، وبهذه الطريقة يمكن للأب الفقير، أن يستعمل العسل مع أولاده، ويحصل لهم الشفاء بإذن الله، مع حصول الترشيد في الإنفاق، ومراعاة دخل الأسرة.
وقد وردت السنة أيضاً بتعيين أنواع من المأكولات والحبوب التي فيها شفاء وفوائد للجسم، فمنها الحبة السوداء التي يقول عنها الرسول r: ((الحبة السوداء شفاء من كل داء))، كما جاء ذكر العجوة وفضلها في قوله عليه الصلاة والسلام: ((من اصطبح كل يوم تمرات من عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل)).
والمقصود أن السنة جاءت بتفضيل بعض الأدوية البسيطة المعروفة، وبيان أن لها فوائد في حماية البدن، وذهاب المرض، وحصول الشفاء، فعلى الأب أن يحرص على استخدامها بالطرق الصحيحة مع سؤال أهل الخبرة والمعرفة في ذلك.
وفي القرآن الكريم شفاء لما في القلوب من الشك والأمراض النفسية وغيرها، كما أن فيه شفاء للأبدان من الأمراض الحسية الظاهرة، باستعمال الرقى والتعاويذ.
ويكون ذلك بقراءة المعوذات والمسح على كامل البدن بها وقول: ((أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)) مع المسح باليد اليمنى سبع مرات. وإذا كان الولد صغيراً لا يعقل ولا يستطيع قراءة هذه الأذكار، فإن الأب يتولى ذلك بنفسه، فيقرأ في يده ويمسح بها على الولد كما فعلت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما مرض النبي r مرض موته، إلا أنها كانت تقرأ في يده وتمسح بها عليه لبركتها.
والرقية من العين مشروعة، فإن العين حق، وقد ورد أن النبي r أمر بها لابني جعفر بن أبي طالب عندما علم أن العين تصيبهما. وقد ورد عن ابن مسعود القراءة على المريض، فقرأ ذات مرة على مبتلى قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً …} [المؤمنون:115] إلى نهاية السورة فعافاه الله. أما تعليق شيء من القرآن على الولد فقد اختلف السلف في ذلك، والأولى تركه احتياطاً.
ولا ينبغي إجبار الولد على تعاطي الدواء وغصبه عليه وإدخاله في فمه بالقوة، لأن النبي r نهى عن ذلك في مرضه الذي مات فيه. والأفضل هو سياسة الولد وترغيبه في الدواء، بالوسائل المختلفة دون إجبار، ولا بأس بوضعه له في الطعام إن كان هذا لا يضره، مع عدم قسره على الأكل أيضاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب. فإن الله يطعمهم ويسقيهم)). وسبب النهي عن إكراههم على الأكل والشرب: لأن فائدة البدن لا تحصل في الحقيقة من الأكل والشرب؛ بل القوة والعافية من عند الله عز وجل، فهو الذي يحفظ لهم قوتهم، ويمدهم بما يماثل فائدة الطعام والشراب.