يعتبر مجال النمو المعرفى من أهم مجالات المعرفة وأحدثها سواء فى علم النفس أو فى علم النفس التربوى . حيث تساعدنا فى فهم عمليات نمو الأنظمة المعرفية على تجنب تعليم الأطفال مواد أو أشياء قبل أن يكونوا مستعدين لتعلمها كما تساعد مثل هذة المعرفة على تجنب فقد الفرص الذهبية لعمليات التعلم بالأنتظار حتى تمر اللحظة المناسبة لكن كيف يظهر التفكير عند الأطفال ؟ وكيف يتطور خلال المراحل العمرية المختلفة ؟ و من أين يأتى الطفل بمنطق التفكير الخاص الذى يسيطر علية من الصغر ؟ وكيف يتغير هذا النطق فى المراحل العمرية المختلفة؟ ولماذا؟
مثل هذة الاسئلة التى يجب أن نضعها نصب أعينا ونحن نستعرض النمو المعرفى عند الاطفال وأحسن طريقة لدراسة النمو المعرفى عند الطفل هو دراسة تطور التفكير عند هؤلاء الأطفال خلال المراحل العمرية المختلفة ويمثل هذا الأتجاة المدرسة المعرفية النمائية والذى يتمثل بوضوح عند رائدها الأول جان بياجية.
لقد كرس بياجية حياتة كلها التى زادت عن الثمانين عاما لدراسة النمو العقلى عند الأطفال حتى أصبح هذا الاهتمام هو المميز لة بين علماء النفس المحدثين بصفة عامة وعلماء نفس النمو بصفة خاصة وقد أهتم بياجية بموضوعات أخرى مثل الدافعية والأدراك والأتجاهات والقيم عند الاطفال ولكن اهتمامة بها كان لبيان ما بينها وبين الذكاء عن روابط وعلاقات . أى أن اهتمامة بهذة الموضوعات لم يكن اهتماما بهذة الموضوعاات لذاتها بقدر ما كان موجها لخدمة موضوعة الأساسى وهو دراسة تطور تفكير الأطفال وانشاء نظرية فى المعرفة التكوينية .
لقد اختلف بياجية فى تناولة لموضوع الذكاء عند الأطفال عن غيرة من علماء النفس سواء ابحاث سبيرمان وثرستون وغيرهم فى محاولة الكشف عن العوامل الأولية التى يتكون منها الذكاء وذلك بتطبيق مجموعات كثيرة من الأختبارات العقلية على مجموعات كبيرة من الأفراد وايجاد معاملات الأرتباط بين هذة الاختبارات اتجة بياجية فى معالجة موضوع الذكاء وجهة تختلف عن هؤلاء الباحثين جميعا فهو عالم نفس نمائى يرى ضرورة دراسة التغيرات النمائية وفهمها فى ذاتها كما أن التراكيب العقلية والعناصرالوظيفية جديرة بالدراسة أيضا وأن سلوك الكبار لايمكن فهمة الا فى اطار النظرية النمائية للكائن الحى كما أن اهتمام بياجية كان منصب على الجانب الكيفى فى الذكاء فالذكاء ليس هو السمة الغامضة التى توجد لدى كل الناس بدرجات قليلة أو كثيرة كما يبدو عند معظم علماء النفس بل الذكاء هو طريقة السلوك كما ينعكس فى تكيف الفرد فى الموقف.
فقد بدأ بياجية حياتة كعالم فى البيولوجى الا انة خلال فترة التلمذة اشتغل لفترة قصيرة فى تطور الاختبارات العقلية وكان علية فى ذلك الوقت اعطاء الأطفال بعض الاختبارات وعلية ايضا أن يعرف ما اذا كان كل طفل اجاب الاجابة الصحيحة ليست هى التى لفتت نظرة بل الاجابات الخاطئة حيث لاحظ أن الاطفال فى نفس العمر غالبا ما يقعون فى نفس الأخطاء وقد انتهى بياجية فى هذا الصدد الى مجموعة هامة من النتائج والتى منها:
اننا يجب ان لا نهتم بالكم أى بعدد ما يعرف الطفل أو كم مشكلة استطاع الطفل حلها بل يجب أن نهتم بكيفية تفكير الطفل وطريقتة لحل المشكلات وكذلك نوع المنطق الذى استخدمة للمعلومات الماثلة أمامة ... وهذا الكيف للتفكير يمكن الكشف عنة بصورة أفضل عن طريق استخدام أخطاء الأطفال وليس استخدام الاجابات الصحيحة ان الاطفال فى أعمارهم المختلفة لديهم طرقا للتفكير أى لديهم طرقا مختلفة تماما فى معالجتهم لمشكلاتهم .
وتبدو هذة المجموعة البسيطة من المسلمات مخالفة تماما لمجموعة المسلمات التى كانت نحكم سيكولوجية النمو خلال الثلاثنيات والأربعينيات والخمسينات من هذا القرن فقد أفترض علما التعلم تطبيق نفس القوانين ونفس الطرق على جميع الناس بغض النظر عن اعمارهم وأعتقد أن التعلم الشرطى البسيط يعمل بنفس الطريقة سواء بالنسبة للطفل الصغير أو الانسان الراشد وأن قوانين التعلم لا تتغير بسبب تغير العمر .
أما حركة القياس العقلى فقد اهتمت اساسا بقياس الفروق بين الأطفال كميا وليس كيفيا لكل هذا كانت افتراضات بياجية النظرية غريبة ولا تتناسب مع المجتمع الامريكى فى ذلك الوقت حتى قام فريق منهم باجراء دراسات موسعة على أطفال فى أعمار مختلفة فى مواجهة نفس المشكلات ومنذ عام 1960 اثرت أفكار بياجية ونظريتة تأثيرا عظيما فى علم نفس النمو فى الولايات المتحدة الأمريكية كما امتزجت أراؤة ببعض النظريات الأخرى واتسعت وعدلت عن طريق بعض العلماء الأمريكين .
يقدم بياجية مجموعة من المسلمات الجديدة التى تقوم عليها نظريتة والتى تبدو مخالفة لغيرة من علماء النفس والتى يمكن تلخيصها على النحو التالى
1 ) الطفل من وجهة نظر بياجية ايجابى منذ اللحظة الأولى من الميلاد يؤثر ويتاثر بالبيئة التى يوجد فيها انة ليس مجرد مرأة تنعكس عليها خبرات البيئة لأنة أكثر من ذلك بكثير... ويبدو الأختلاف فى هذة المسلمة عن غيرة من أصحاب النظريات السلوكية .
2 ) يرفض بياجية فكرة الذكاء الكمى عند الأطفال بل يرى أن الذكاء هو أسلوب للتكيف مع البيئة أو هو طرائق الطفل فى حل مشكلاتة أكثر من كونة درجة نهائية يحصل عليها الفرد كما يرى أصحاب مدرسة القياس العقلى .
3 ) عند بياجية يولد كل طفل مزودا بأمكانيات معينة . ومحددة للتفاعل مع البيئة واستكشافها فنحن نعرف أن الطفل العادى يستطيع منذ الولادة أن يمص ويرى ويسمع ويقبض على الأشياء انها شبيهة بمقولات إيمانويل كانط الفلسفية .
4 ) هذة الأمكانات البسيطة والأساسية كما أن هذة الأمكانات تنمو وتتعدل وتتغير نتيجة الخبرة مع البيئة فمثلا عندما يقبض الطفل على قطعة خشب مريعة الشكل فانة يفعل عدة تراقفات معينة فى يدة ليناسب شكل المربع الخشبى ولكن عندما يعطى هذا الطفل كرة ليقبض عليها فان علية أن يفعل توافقات أخرى فى يدة وهكذا تتحسن مهارة الطفل فى القبض على الأشياء ولكن ببطء .
5 ) هذة الأمكانات والأستراتيجيات التى يمارسها الطفل تكون انعكاسية أقصد مثل الأفعال المنعكسة فى بداية حياة الطفل ثم لا تلبث أن تصبح موضوعا للضبط المقصود من الطفل فالطفل يكتشف الأشياء عن عمد وقصد كما يجوب دائما استخدا وممارسة طرق جديدة للأكتشاف وبهذا يستطيع كل طفل أن يعيد أكتشاف أن الأشياء ثابتة كما أنة يمكن تصنيفها فى مجموعات وفئات ويمكن أضافتها والحذف منها وهكذا ...
6 ) تحدث عملية اعادة الأكتشاف هذة فى تسلسل منطقى فالطفل مثلا لا يستطيع أكتشاف مبادئ الجمع والطرح حتى يدرك أن الأشياء ثابتةكما أن التقدم خلال هذة السلسلة من الأكتشافات تحدث ببطء فالطفل فى أى وقت مرحلة من عمرة لة رأى خاص عن العالم كما أن لدية منطقة الخاص لأكتشاف هذا العالم وممارستة هذا المنطق الأساسى يتغير كلما واجة الطفل موضوعات أو أحداث لا تتفق مع منطقة ولكن التغيير بطئ وتدريجى .
7 ) تؤثر البيئة التى ينشأ فيها الطفل فى معدل النمو الذى يسير فية فاذا أقتصر أسلوب الطفل مثلا على سلوك معين دون تعديل نتيجة عدم مواجهتة بأشياء جديدة فى بيئتة تتطلب مثل هذا التعديل فسيكون نمو مثل هذا الطفل بطيئا فى البيئة التى لا تشجع ولا تتطلب مثل هذة التعديلات فالطفل يحتاج غذاء للفكر ان صح هذا التعبير كما أن بعض الغذاء البيئى أكثرثراء من غيرة مثلة مثل الطعام العادى تماما وأختلاف قيمتة الغذائية بأختلاف نوعة وقد أطلق بياجية على معرفة التأثيرات البيئية على معدل النمو المعرفى بالسؤال الأمريكى وهو نفسة قليل الأهتمام بهذا السؤال ومع ذلك فهو سؤال هام خاصة فى المجتمعات التى لا توجد فيها فرص متكافئة للنمو فنحننريد أن نعرف ما أذا كانت بيئات معينة ذات تأثير هام على تقدم الطفل فى النمو المعرفى ؟
ولقد حاول بياجية بيان طبيعة العمليات الأولية التى يصدر عنها الذكاء ويرى أنها عمليات بيولوجية فىطبيعتها فالذكاء عند بياجية وثيق الصلة بعلم البيولوجى من حيث هوامتداد الخصائص البيولوجية الأولية والتى تبدأ مع الحياة وحتى أداء الوظيفة العقلية هو فى نظرة نوع من النشاط البيولوجى الخاص .
وقد اهتم بياجية ببيان العلاقة بين الذكاء وعلم البيولوجى من قال
"ان الذكاء اللفظى أو الفكرى يعتمد على الذكاء العملى أو الحسى الحركى وهذا الذكاء الأخير يعتمد بدورة على العادات وعلى ضرورب الترابط المكتسبة وهو يهدف الى التأليف بين هذة الدروب من جديد ومن جانب أخر تفترض هذة العادات وضروب الترابط مجموعة من الأفعال المنعكسة التى ترتبط ارتباطا وثيقا بالتركيب التشريحى والمورفولوجى للكائن الحى ومن ثم يوجد نوع من الأتصال التدرجى بين الذكاء والعمليات البيولوجية المحضة الى تتصل بنشأة الأشكال العضوية والتكيف بالبيئة"
المفضلات