الأنظمة الاقتصادية

النظام الاقتصادي Economic System هو مجموعة العلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تحكم سير الحياة الاقتصادية في مجتمع ما في زمان بعينِه. ويركز النظام الاقتصادي على مجموعة العلاقات والقواعد والأسس التي تحكم التفاعل والتأثير المتبادل بين الحاجات البشرية من جهة والموارد الطبيعية والبشرية والمعرفية والتقنية المتاحة من جهة أخرى.


ويعدّ النظام الاقتصادي جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي العام يتأثّر به ويؤثِّر فيه. وعرّف أنتونيلي Antonelli النظام الاقتصادي بأنه مجموعة من العلاقات والمؤسسات التي تميز الحياة الاقتصادية لجماعة محددة في الزمان والمكان. وهو عند سومبارت Sompart المظهر الذي يجمع بين العناصر الثلاثة التالية:
ـ الجوهر: أي مجموعة الدوافع والبواعث التي تحرك الفعاليات الاقتصادية.


ـ الشكل: أي مجموعة العوامل الاجتماعية والحقوقية والتأسيسية التي تحدد إطار النشاط الاقتصادي والعلاقات بين جميع المسهمين في النشاط الاقتصادي كنوع الملكية ونظام العمل ودور الدولة في الحياة الاقتصادية للمجتمع.


ـ المحتوى المادي: أي المستوى التقني للإنتاج المتمثل بمستوى تطور وسائل الإنتاج التي يُحصل بوساطتها على السلع والخدمات.


وتتحدد طبيعة النظام الاقتصادي من التداخل المنطقي بين العناصر الثلاثة المذكورة. ويؤكد سومبارت أن عنصر الشكل هو المحدد الرئيسي لطبيعة النظام؛ لأنه تعبيرٌ عن الروحية التي تعكس في النهاية بالخلفية الفكرية (العقيدة) التي يقوم عليها النظام. وتتوافق الروحية أيضاً مع مستوى معين من تطور وسائل الإنتاج.


واعتمد التحليل الماركسي على المقاييس الاقتصادية أساساً للتفريق بين الأنظمة الاقتصادية، إذ يعدها، مع البنى الاجتماعية والقانونية المتوافقة معها، البنية الفوقية التي تتولد عن أسلوب الإنتاج السائد والمكون من قوى الإنتاج الاجتماعية وعلاقات الإنتاج، ويفرق بين الأنظمة الاقتصادية على أساس ملكية وسائل الإنتاج والطبقة التي تتحكم فيها.


تصنيف النظم الاقتصادية

تصنف النظم الاقتصادية استناداً إلى عدد من المؤشرات والمعايير، وأهم هذه التصنيفات:
ـ التصنيف الذي يعتمد نوع الملكية ونظام العمل وإسهام الدولة وغيرها عوامل للتفريق بين الأنظمة الاقتصادية.


ـ التصنيف الذي يعتمد نوع الملكية عاملاً وحيداً يُفرق به بين الأنظمة الاقتصادية.


ووفقاً للتصنيف الأول يلاحظ أن ثمة أنظمة اقتصادية أساسية وأخرى ثانوية (هامشية). ومن أهم الأنظمة الاقتصادية الأساسية: نظام الاقتصاد المغلق، ونظام الاقتصاد الحِرْفي، والنظام الاقتصادي الرأسمالي، والنظام الاقتصادي الاشتراكي. أما الأنظمة الاقتصادية الثانوية فمنها: نظام الطوائف، والنظام التعاوني.


نظام الاقتصاد المغلق: يقوم على مبدأ الاكتفاء الذاتي، ويتميز بتدني مستوى تطور وسائل الإنتاج والتقانة، مما يؤدي إلى قلة كميات الإنتاج.
النظام الاقتصادي الحرفي: الذي نشأ وتطور مع نشوء المدينة وتطورها، ويتميز بتزايد مهارة الحرفي الذي أجاد صناعة السلعة، ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وخضوع الحرفيين إلى قوانين غير مكتوبة بل نابعة من الأعراف والتقاليد.


ويعتمد الحرفي في عمله على استخدام المعدات اليدوية البسيطة وينتج كميات قليلة من السلع بحسب الطلب.


نظام الطوائف: يعتمد هذا النظام على تنظيمات مهنية تسمى بالطوائف، تضم كلَّ العاملين في مهنة واحدة. هدفه أن يوافق بين الطبقات التي تكوِّن المجتمع، وجمع العمل ورأس المال في بنية وظيفية واحدة. فهو يعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. ويلاحظ فيه تطور المستوى التقني لوسائل الإنتاج.


أمَّا التصنيف الثاني الذي أخذت به النظرية الماركسية والذي يعتمد على نوع أسلوب الإنتاج المرتبط بنوع ملكية وسائل الإنتاج، فهو يفرق بين أنظمة اقتصادية تقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وفيها استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ونظام اقتصادي آخر يقوم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج لا استغلال فيه. ويوحد هذا التصنيف بين مفهوم النظام الاقتصادي ـ الاجتماعي ومفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية. وقد طورت النظرية الماركسية مفهوم النظام الاقتصادي حتى صار يعني تشكيلة اقتصادية اجتماعية يحددها أسلوب الإنتاج الذي يتحدد في نوع ملكية وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج. وبذلك يكون مفهوم النظام الاقتصادي قد تأثر مباشرة بمفهومات أسلوب الإنتاج والتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية. وقد فرَّقت النظرية الماركسية استناداً إلى هذا التصنيف بين خمسة أنظمة اقتصادية ـ اجتماعية تتوافق تقريبياً مع مراحل تطور تاريخ البشرية الاقتصادي. ولكن في مرحلة الانتقال من نظام اقتصادي إلى نظام آخر لابد من مرحلة انتقالية يتعايش فيها أكثر من نمط اقتصادي اجتماعي في وقت واحد. وهذه الأنظمة هي:


المشاعية البدائية: تعد المشاعية البدائية أول نظام اقتصادي اجتماعي في التاريخ، وكانت وسائل الإنتاج التي استخدمها الإنسان بسيطة وبدائية، كما كانت مهارات العمل وخبرة الأفراد ومعرفتهم قليلة جداً. لذلك لم يكن في مقدور الأفراد مواجهة الطبيعة إلا بتجميع جهودهم وتضافرها. وقد عاش الأفراد في مشاعات قبلية متوحدين على أساس قرابة الدم، تسيطر عليهم عادات وتقاليد بسيطة. وكانت المحاصيل القليلة التي لا تكاد تفي بحاجة الإنسان توزع بين أفراد المشاعة توزيعاً متساوياً، لذلك لم يكن هناك فائض من المحاصيل يمكن انتزاعه من الآخرين، ولا تفاوتٌ اقتصاديٌّ أو علاقات استغلال في المجتمع. فكانت وسيلة الإنتاج الرئيسة هي الأرض، وسيطر الاقتصاد الطبيعي(إنتاج ـ توزيع ـ استهلاك) في هذه التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية. وكان نمط الإنتاج تعاونياً وجماعياً. ومن أهم مراحل تطور النظام المشاعي البدائي:
ـ المجتمع ما قبل العشائري أو(القطيع البدائي).
ـ مرحلة المشاعية العشائرية وتنقسم إلى مرحلتين:
ـ المشاعية العشائرية الأمومية.
ـ المشاعية العشائرية الأبوية.
ـ المشاعية الزراعية، وفيها بدأ الإنسان مرحلة الاستقرار على ضفاف الأنهار وزراعة الأرض وتربية الماشية.
نظام الرق أو العبودية: يعد نظام الرق Slavery أو العبودية، الذي حلَّ محلَّ النظام المشاعي البدائي، أول نظام في التاريخ يقوم على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وعلى التناحر الطبقي. وكانت العبودية في أولى مراحلها تسمى «العبودية الأبوية» أو العبودية البيتية، وكان عدد الأرقاء قليلاً، وكان السيد مالك الرقيق يشتغل في الأرض مع أرقائه، ولم يقتصر العمل في هذه المرحلة على الرقيق وحدهم كما حدث في المرحلة اللاحقة.


استهل أسلوب الإنتاج في نظام الرق تاريخه حين صار استغلال الرقيق هو السائد في عملية الإنتاج، وحين انقسم المجتمع إلى طبقتين متناحرتين: المُسْتَغِلِّيْنَ «الأسياد» والمُسْتَغَلِّين «الرقيق». ويضمُّ مجتمع الرق إلى هاتين الطبقتين فئة الأحرار كالحِرفيين والفلاحين الصغار والتجار والمرابين. وتكَوَّن في ظل هذا النظام المجتمع الطبقي، وأضحت السيطرة السياسية مقصورة على طبقة الأسياد في المجتمع.


وظهر التناقض بين العمل الجسدي والعمل الذهني، فالعمل الجسدي، تخصص له الأرقاء للإنتاج المادي، في حين كان العمل الذهني من نصيب الأسياد الذين اختصوا بالإدارة الحكومية والسياسة والفلسفة والشعر والأدب والفن. إن التفرغ للقيام بهذه الأعمال كان له أثر إيجابي في تطور المعارف والعلوم الإنسانية وتقدم المجتمع البشري.


وظهر في ظل نظام الرق تبادل البضائع الذي تحوّل تحولاً متدرجاً إلى تجارة منظمة، ونشأت الأسواق التي تجاوزت حدود الدولة الواحدة، وظهر ما يسمى بالتجارة الخارجية. وقد أدى تزايد كميات الإنتاج من السلع المخصصة للسوق وتوسيع التبادل التجاري إلى تزايد التفاوت في الملكية والثروة على حساب عمل الرقيق، وظل الاقتصاد الطبيعي سائداً إلى حد ما، وظهر إلى جانبه الاقتصاد التبادلي (إنتاج ـ تبادل ـ توزيع ـ استهلاك). وظلت الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسة. واعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية مع ظهور الإنتاج الحرفي. ومع تطور التجارة المنظمة ظهرت النقود التي بدأت تحتل مكانة مهمة في اقتصاديات مجتمع الرق.


النظام الإقطاعي: [ر. الإقطاعية] حلت الإقطاعية محل نظام الرق. ويقوم النظام الإقطاعي على ملكية طبقة الإقطاعيين لوسائل الإنتاج «الأرض» واستغلال الفلاحين. وظلت الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسة. وكانت الملكية الإقطاعية على منطقة معينة، تشمل المدن والقرى وما فيها ومَنْ فيها من أقنان. ولم تكن هذه الملكية مجرد شكل حقوقي، وإنما كانت علاقة اقتصادية مضمونها استغلال الإقطاعيين للأرض والسكان المحرومين مما يضمن بقاءَهم. وقد كان هذا الشكل للملكية يحدد وضع الناس في عملية الإنتاج الاجتماعي ويحدد البنية الطبقية للمجتمع الإقطاعي كما يحدد طريقة توزيع المنتجات. إلى جانب ذلك وجدت في النظام الإقطاعي أنواع أخرى للملكية ولكنها محدودة جداً مثل ملكية الفلاحين الصغار والحرفيين لاستثماراتهم الخاصة.


وفي مرحلة تكوُّن النظام الإقطاعي بدأت تتحدد السمات الرئيسة لأسلوب الإنتاج الإقطاعي، وخاصة ظهور الملكية العقارية الإقطاعية، وظهور أنواع من الريع العقاري الإقطاعي بوصفه نوعاً اقتصادياً مميزاً لعلاقات الإنتاج في هذا النظام.


وكانت تبعية الفلاحين الأحرار للإقطاعيين تتم بأساليب مختلفة على اختلاف في درجتها. وبدأت التناقضات بين الإقطاعيين والفلاحين تتوضح أكثر فأكثر. وكان عمل الفلاحين الأساس في قيام المجتمع الإقطاعي واستمراره، كانوا ينتجون تلبية للحاجات الضرورية لأنفسهم، وللسيد الإقطاعي وحاشيته، ولجهاز الدولة.


ومع تطور أسلوب الإنتاج الإقطاعي تحوَّلَ، على نحو متدرج، من نظام الريع بالسخرة إلى نظام الريع العيني، ثم إلى الريع النقدي. وكان الإقطاعي وفقاً لنظام السخرة يستولي على العمل بشكله الطبيعي لذلك لم يُعْنَ الفلاح بالعمل أو بنتائجه. ومع ظهور الريع بنوعيه العيني والنقدي، صار الإقطاعي يحصل على نتيجة العمل ممثلاً بقسم من المُنْتَج وهو المُنْتَج الفائض. وصار الفلاح أكثر اهتماماً بنتائج العمل. وحققت القوى المنتجة في النظام الإقطاعي مستوى تطور عالياً مقارنة مع مستواها في نظام الرق.


ومن تزايد العلاقات البضاعية النقدية ونموها، أخذ النقد شيئاً فشيئاً يسهم إسهاماً فعالاً بوصفه مقياساً للقيمة، كما اتسعت علاقات التبادل والعلاقات السلعية ـ النقدية من التطور في أدوات العمل ووسائله وتقسيم العمل الاجتماعي.


النظام الرأسمالي: الإنتاج في هذا النظام من أجْلِ التبادل، وتحقيق الربح. وتعود ملكية وسائل الإنتاج فيه إلى فئة قليلة من المجتمع هم الرأسماليون، أما باقي أعضاء المجتمع وهم الأكثرية، فلا تملك سوى قوة عملها وأفرادها يشتغلون عمالاً أجراء يُشَغِّلون وسائل الإنتاج التي يملكها الرأسماليون. ويمتاز هذا النظام بحرية النشاط الاقتصادي.


تُخصص الموارد الاقتصادية في النظام الرأسمالي عن طريق آلية السوق، وتُتَخذُ القرارات الاقتصادية في إطار من اللامركزية. ولا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، الذي تقوم به المؤسسات والأفراد، تدخلاً مباشراً.


كما يفترض النظام الرأسمالي أن الوحدات الاقتصادية تسعى دائماً لزيادة كمية الربح للمنتج وزيادة المنفعة للمستهلك. فالفرد هنا يقوم بوظيفة مزدوجة في النظام الاقتصادي مرة بصفته منتجاً ومرة بصفته مستهلكاً، ولكنه دائماً مدفوع بالدافع الاقتصادي أي تحقيق مصلحته الشخصية. ويقوم النظام الاقتصادي الرأسمالي على آلية السوق التي لا يمكن أن تؤدي وظائفها بكفاية إلا إذا اتصفت بالحرية والمنافسة التامة وعدم تدخل الحكومة، عندئذ لا يكون في مقدور أي من المنتجين أو المستهلكين بصفته المنفردة التأثير في الأسعار السائدة في السوق. ومن أهم عيوب النظام الاقتصادي الرأسمالي أنه يسمح بتفاوت كبير في الدخل والثروة، بل تقود آلية السوق إلى مزيد من تركز الثروة. وتحت ضغط التطورات التقنية الحديثة وتركز الثروة تؤدي آلية السوق إلى انحسار المنافسة وانتشار الاحتكار.