كذلك يتسم النظام الاقتصادي الرأسمالي بالتقلبات الدورية في النشاط الاقتصادي وحدوث الأزمات الاقتصادية[ر] المترافقة بظاهرتي التضخم[ر] والبطالة[ر]. ولا يحقق النظام الاقتصادي الرأسمالي عادة المستوى الأمثل للادخار كما أنه يعاني صعوبات كثيرة في توجيه الادخار نحو الاستثمار المنتج. وهو يركز على السلع والخدمات الخاصة من دون العامة لأنها أكثر ربحاً وأسرع من حيث المردود.
إن قيام التوازن العفوي في الحياة الاقتصادية في ظل النظام الرأسمالي يتطلب احترام مبدأ المنافسة الحرة؛ فآلية السوق قادرة على تحقيق هذا التوازن بتفاعل عوامل العرض والطلب في السوق. ويوضح آدم سميث آلية حدوث التوازن العفوي على أساس التفريق بين نوعين من الأسعار: السعر الطبيعي (وهو مساوٍ لكلفة إنتاج البضاعة أو مساوٍ لقيمة البضاعة)، والسعر الجاري(وهو السعر الذي يتكون بفعل العرض والطلب في السوق). ويظل السعر الجاري يحوم حول السعر الطبيعي ويقترب منه ليساويه في أغلب الأحيان عن طريق التوازن العفوي الذي يجري في السوق بين العرض والطلب، وإذا كان هناك أي اختلال فإنه زائل لا محالة لتعود حالة التوازن من دون شك في ذلك. إن هذا التوازن العفوي لا يخلخله إلا عدم تطبيق مبدأ المنافسة الحرة.
النظام الاقتصادي الاشتراكي: وفيه تعود ملكية وسائل الإنتاج للمجتمع بكامله (الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج)، والهدف الرئيسي من النشاط الاقتصادي هو السعي من أجل تلبية حاجات المواطنين المتنامية. ويترتب على ذلك انعدام التفاوت الكبير في الدخول والثروة بين الأفراد، إذ إن التفاوت الاقتصادي في النظام الاشتراكي يرتبط بتفاوت كمية العمل ونوعيته. وليس بنظام الملكية والإرث.
يعتمد النظام الاقتصادي الاشتراكي على أسلوب التخطيط المركزي والشامل في الإدارة الاقتصادية، تُرسَمُ أهداف طموحة ويُسعى لتحقيقها عن طريق حصر الموارد المتاحة وتوجيهها توجيهاً واعياً وكفياً. ويتصف التخطيط في الاشتراكية بالشمول والمركزية والإلزامية. ويتصف النظام الاقتصادي الاشتراكي بهيمنة الدولة على الاقتصاد ويكون لها الإسهام الرئيسي في عمليات الإنتاج والتوزيع بسيطرتها على وسائل الإنتاج (الملكية العامة). ويستهدف النشاط الاقتصادي عادة السعي إلى تحقيق الأهداف التي تتبناها الدولة.
إن السمة الجوهرية لتطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في النظام الاشتراكي تكمن في التنظيم المنهجي المخطط للاقتصاد الاشتراكي. ويقوم الإنتاج الاشتراكي على أساس تقسيم اجتماعي متطور للعمل، ويؤدي ذلك إلى سيادة علاقات متينة بين مختلف فروع الاقتصاد الوطني، تفترض وجود تناسب كمي صحيح بين هذه الفروع. ولتحديد هذا التناسب يجب أن يحدد مسبقاً حجم الإنتاج الاجتماعي وحجم الإنتاج في مختلف الفروع ومن كل نوع من أنواع المنتجات وفقاً لحاجات الأفراد ومتطلبات المجتمع. وبذلك يستطيع المجتمع أن يخطط ويحدد، تبعاً للموارد المادية والبشرية التي يملكها، كميات الإنتاج من مختلف أنواع المنتجات (وسائل الإنتاج أو المواد الاستهلاكية) مع المحافظة على التناسب الضروري بين فروع الإنتاج. هذه النسب تسمح بالتطور المنهجي المخطط والمستمر والمتزايد لكل فرع من فروع الإنتاج، وللإنتاج الاجتماعي بمجمله. وبسبب توقف آلية السوق عن العمل في النظام الاشتراكي تغدو عملية تطور الإنتاج بأسلوب منهجي مخطط ضرورة موضوعية في أحوال الاشتراكية.
ومن أهم عيوب النظام الاقتصادي الاشتراكي:
ـ إهمال الحوافز المادية، إذ من غير المتوقع أن يبذل الفرد الأجير عند الدولة قصارى جهده من أجل زيادة الإنتاج وتخفيض التكاليف إذا لم يُفعَّل قانون التوزيع بحسب كمية العمل ونوعيته.
ـ إن مبدأ المركزية يضفي على العملية التخطيطية درجة عالية من عدم المرونة والبيروقراطية. وهذا يؤدي إلى تدني مستويات الإنتاجية.
ـ تؤدي مركزية التخطيط إلى عدم قدرة الاقتصاد على مواجهة التغيرات الطارئة في الحياة الاقتصادية ولاسيما تلك التي يصعب التنبؤ بها مواجهة سريعة وفاعلة.
وهذا يوضح أنَّ بنى النظام الاقتصادي الكلي ليست بنى متجاورة أو مضافاً بعضها إلى بعض إضافة عفوية وبسيطة، بل إنها تؤلف ترابطاً عضوياً وتجمعاً متوافقاً (يعبر عن علاقات مستقرة). وهذا يعني تطور مفهوم النظام الاقتصادي ليوضح العلاقات الداخلية في المجتمعات الإنسانية.
ويكون للبنى التي يتكون منها النظام الاقتصادي طابع عام وعلى عدة مستويات. لهذا فإن النظام يستلزم بنية قانونية وسياسية وبنية معنوية وهذه البنى تستلزمُ أيضاً ضرورة إظهار الجانب المسيطر في المستوى المطلوب معرفته. فإذا كانت التقنية هي المسيطرة تسيطر الآلة داخل النظام، أما إذا كانت البنية الفوقية هي المسيطرة فيظهر السعي لتحقيق الربح في النظام الرأسمالي قانوناً أساسياً، بينما يكون إشباع الحاجات القانون الأساسي في النظام الاشتراكي.
إن السمتين الرئيسيتين للنظام الاقتصادي هما ضرورة توافقه ودوامه النسبي، وتنتج هاتان السمتان من الميزتين الرئيسيتين لمكونات النظام، وهما مرونة البنى ومقدرتها على التوافق. ولأن البنى الفوقية والبنى التحتية مرنة ومتغيرة يمكن للنظام الاقتصادي أن يتطور فعلاً ويتحول. ولكن التحول يحدث على نحو لا تستطيع معه البنى التوافق فيما بينها، وهذا يؤدي إلى الانتقال من نظام اقتصادي إلى نظام اقتصادي آخر.
تظل الأنظمة الاقتصادية دائماً في حركة تطور، والعوامل المسؤولة عن هذا التطور تنقسم إلى عوامل ذاتية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالمتغيرات الاقتصادية كازدياد الإنتاجية وتطور مستوى وسائل الإنتاج التقني، وعوامل خارجية لا تتصل اتصالاً مباشراً بالظواهر الاقتصادية كالاكتشافات الجغرافية والعلمية والحروب والنزاعات السياسية بين الأنظمة المعاصرة.
النظام الاقتصادي والتنظيم الاقتصادي
لابد من التفريق بين مفهوم النظام الاقتصادي ومفهوم التنظيم الاقتصادي بتعريف كل منهما: فالنظام الاقتصادي كما سلف القول هو مجموعة العلاقات والمؤسسات التي تميز الحياة الاقتصادية لمجتمع معين في الزمان والمكان، أما التنظيم الاقتصادي فهو وسيلة يستخدمها النظام الاقتصادي لتنظيم النشاط الاقتصادي والفعاليات الاقتصادية المختلفة. وتختلف طبيعة التنظيم الاقتصادي من نظام اقتصادي إلى آخر، ويمكن على سبيل المثال ذكر نوعين من التنظيمات الاقتصادية:
ـ التنظيم الاقتصادي الحر، وهو وسيلة النظام الاقتصادي الرأسمالي في تنظيم فعاليات النشاط الاقتصادي التي تقوم على حرية النشاط الاقتصادي. ويتصف هذا التنظيم باللامركزية والعفوية، ومن أهم خصائصه أنه اقتصاد يقوم التوازن فيه على آلية السوق، ويعتمد على المشروع الخاص، ولا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي إلا تدخلاً غير مباشر.
ـ التنظيم الاقتصادي الموجّه، الذي يعتمد عليه النظام الاقتصادي الاشتراكي لتحقيق أهدافه الاقتصادية، حيث يحقق التخطيط الإلزامي والمركزي الشامل التوازن في النظام الاقتصادي وفعالياته. ومن أهم خصائص هذا التنظيم: وجود خطة مركزية شاملة تتصف بالإلزامية تُوجه مجمل الأنشطة والفعاليات الاقتصادية لتحقيق أهداف النظام الاقتصادي الاشتراكي. وتفقد آلية السوق فاعليتها في هذا التنظيم الاقتصادي لتحل محلها الخطة، وتتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي عن طريق ملكيتها لوسائل الإنتاج (الملكية العامة). ويصبح المشروع هنا وحدة اقتصادية في جسم اقتصادي متناسق، فالمشروع وحدة اقتصادية منفصلة من الناحية القانونية فقط.
الأنظمة الاقتصادية المعاصرة
انقسم العالم في القرن العشرين إلى دول وشعوب حرة وشعوب مستعمرة. وتراجع النظام الاستعماري بسبب نمو حركات التحرر الوطني، وحصلت شعوب كثيرة على استقلالها في آسيا وأمريكة اللاتينية وإفريقية. ومع ذلك مازال عالمنا المعاصر يشهد انقساماً من نوع آخر بين دول العالم، فثمة دول غنية متقدمة صناعياً (دول الشمال) ودول متخلفة فقيرة هي شعوب العالم الثالث (دول الجنوب). وشهد العالم المعاصر عدداً من الأنظمة الاقتصادية أهمها:
ـ النظام الاقتصادي الرأسمالي.
ـ النظام الاقتصادي الاشتراكي.
ـ النظام الاقتصادي المختلط، الذي يحاول التوفيق بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي وتجنب عيوبهما البارزة والتركيز على جوانبهما الإيجابية.
لذلك عمد الكثير من الدول النامية إلى التدخل في قطاعات النشاط الاقتصادي ومصادر الطاقة عن طريق التخطيط الاقتصادي بهدف تحقيق التنمية والقضاء على التخلف. وتقوم الدولة بوظيفة مهمة في النظام الاقتصادي المختلط، فهي تؤثر في مختلف جوانب النشاط الاقتصادي بوساطة السياسات المالية والنقدية والتجارية والتنموية التي تمارسها. وقد تقوم الدولة ذاتها بالنشاط الاقتصادي في حدود معينة إذا ما استدعت المصلحة العامة ذلك. وترغب الدول النامية في استخدام السياسات الاقتصادية العامة في توجيه النشاط الاقتصادي وإدارته بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع المبادرة الفردية واحترام حق الملكية وتعاون القطاعات المختلفة لتسهم جميعها في عملية التنمية الشاملة.
ومن الممكن القول: إن أغلب الأنظمة الاقتصادية المعاصرة هي نظم اقتصادية مختلطة. وظهرت الأنظمة الاقتصادية المتنافسة وأصبحت دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة أسلوباً يستخدمه علم الاقتصاد أكثر من كونها جزءاً منفصلاً عنه، وهذا متفق مع ما كان سائداً من قبل.
إن دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة هي استعمال أساليب التحليل المقارن، ومن الممكن تطبيق هذه الأساليب على دراسة موضوعات في أي حقل فرعي من حقول الاقتصاد (مثل أنظمة الضرائب واتحادات العمال في الدول المختلفة) ودراسة الاقتصاد في مجمله (مثل النظريات الاشتراكية، أو المنجزات الإجمالية لاقتصاديات قومية منتقاة).
النظام الاقتصادي العالمي
يتميز عالمنا المعاصر باتساع الطابع الدولي في الحياة الاقتصادية وهو ما يسمى «عولمة الاقتصاد»، وصار للمشكلات الاقتصادية الدولية أثر كبير في جوانب الحياة الاقتصادية ضمن الدولة الواحدة حتى في حياة الفرد الاقتصادية ونشاطه. وفي سياق هذا التطور العالمي ظهر مفهوم جديد يدعى النظام الاقتصادي العالمي. وهو يمثل العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الشعوب أو العلاقات الاقتصادية بين الدول بصفتها كيانات سياسية مستقلة والملاحظ أن العلاقات الاقتصادية العالمية قد تزايدت وتشابكت بقدر كبير في عالمنا المعاصر؛ ولاسيما بعد توقيع اتفاقيات الغات[ر] gatt، وظهور منظمة التجارة العالمية[ر]. ويتصف النظام الاقتصادي العالمي في مرحلته الراهنة بالاستغلال لأنه يساعد على تركيز السيطرة والقوة الاقتصادية في أيدي عدد قليل من الدول الغنية المتقدمة، وعدم التكافؤ في التبادل التجاري الدولي، كما أنه يضع قواعد للتجارة الخارجية والنظام النقدي العالمي تخدم مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية. وتجدر الإشارة إلى أن النظام الاقتصادي العالمي قد أخفق في حل المشكلات الأساسية التي تعانيها الدول النامية ولاسيما مشكلة الجوع والفقر والتخلف وعدم القدرة على التنافس مع الدول الغنية المتقدمة.