العاطفة الأسرية..ودورها في تكوين الطفـل...

تلعب العاطفة الأسرية دورا مركزيا في تكوين الطفل حيث تساهم هذه العاطفة بصورة فعالة في نمو الطفل الحركي والانفعالي والاجتماعي والمعرفي واللغوي.
، المنهج التربوي الإسلامي في طرح وصياغة المعلومات والآراء وذلك باعتبار أن المنهج التربوي الإسلامي يمتلك فلسفة تربوية شاملة ومتكاملة ما يزال المنهج التربوي الأمثل في تهذيب الإنسان وتقويمه وتكامله.
فالمنهج الإسلامي التربوي ينفرد بخصائص جوهرية تتمايز عن بقية المناهج التربوية القديمة منها والمعاصرة. ومن أهم تلك الخصائص شمولية التربية حيث أن للتكوين التربوي أبعاداً متنوعة تتجاوز الإنسان كفرد قابل للتكوين لتمتد إلى المكونات الاجتماعية من أسرة وجماعة محلية وصولاً إلى المجتمع والإنسانية.
فالمربي الإسلامي يوظف مجالات عديدة للتغيير سواء في ذات الإنسان أو في محيطه أو في بنيته الاجتماعية أو الفكرية ليكون التأثير فاعلاً ويكون الإنسان أكثر استيعاباً لمرحلة البناء التربوي التي تجعل منه شخصية فاعلة وسوية وقادرة على القيام بدورها في بناء المجتمع وتطور الإنسان.
والأسرة هي المحيط الأساسي لنمو الطفل جسدياً ونفسياً واجتماعياً وهي المؤثر الأول في شخصية الطفل وما يستوعبه من خبرات وما يكونه من اتجاهات وهي الرافد المعطاء في تغذيته بالقيم والسلوكيات المرغوبة. فالأسرة هي المؤسسة الأولى لبناء الإنسان حيث أن الطفل يعتمد اعتماداً كلياً في إشباع حاجاته على أسرته وهذا ما يجعله أكثر قابلية في التأثر بمن حوله.
والواقع إن الطفل بحكم هذه الطبيعة القاصرة لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فهو لا يملك من القوة الجسدية ولا القدرة العقلية ما يدفع به الضر عن نفسه أو يجلب لها منفعة. ومع تطور نموه الجسدي والعقلي يبدأ بالتكيـّف مع المحيط وإدراكه لكنه لا يزال يعتمد في تفكيره على تصوراته الذاتية وخصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة فهو لا يستطيع أن يقيم مفاهيمه على أسس موضوعية أو يقوم بالعمليات العقلية التي تمكنه من أن يستنتج أو يخطط بشكل منطقي. فيتعرض الطفل إلى لحظات من التوتر، وحالات من الاضطراب ويزيد من حدة التوتر الذي يعيشه الطفل في هذه المرحلة الأولية ما قد يقدمه الآباء من عاطفة أسرية قد تكون سلبية أو مفرطة أو متذبذبة تزيد من صعوبة المرحلة التي يمر بها الطفل سواء على مستوى النمو الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي.
لقد جعل القرآن الكريم العاطفة الأسرية منبعاً تتفرع منه العلاقات الأسرية، كما في قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم- 21) ففي هذه الآية المباركة إشارة إلى أن العاطفة الأسرية ليست هي محض صدفة أو التقاء عابر عبر طبيعة الخلق أو مسيرة الارتقاء بل إنها نابعة من وحدة التكوين الخلقي، وهذه الوحدة في التكوين تساهم في تقوية الأواصر بين الجنس البشري، فالأصل التكويني الواحد الذي أشار إليه القرآن هو المنبع الأول الذي تفيض منه مظاهر تلك العاطفة الأسرية من خلال المودة والرحمة والمحبة الاطمئنان والاستقرار.فكما نرى تواداً ورحمة وعاطفة متميزة بصدق الشعور ووحدة المشاعر بين التوائم نتيجة لوحدة التكوين الخلقي وتقارباً وتشابهاً وتماثلاً فيه كذلك نجد عاطفة في صورتها الطبيعية تكاد تقترب من تلك الصورة بين الرجل والمرأة.
لقد ربط القرآن الكريم بين التكوين الخلقي وبين التكوين الاجتماعي في هذه الآية حيث دلّت عبارة (خلق لكم من أنفسكم) إلى وحدة التكوين الخلقي كذلك أشار إليه القرآن في موضع آخر في قوله تعالى(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) (النساء-1)، فالخلق من النفس الواحدة يشير إلى وحدة التكوين الخلقي أما ذكر خلق الزوج منها فيشير إلى وحدة التكوين الاجتماعي والذي يحصل من خلال الزواج وبناء الأسرة والتي هي المؤسسة الأولى لبناء المجتمع ولتنشئة الإنسان اجتماعياً. وقد عبـّر القرآن عن عملية تكوين المجتمع من خلال إنتاج الأسرة للإنسان بقوله تعالى (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء).وهذا الانتقال من وحدة التكوين الخلقي (الفسيولوجي) إلى وحدة التكوين الاجتماعي (الزواج/ الأسرة) لا يتم إلا من خلال وحدة التكوين النفسي القادر على تحويل المكونات الخلقية إلى مكونات اجتماعية متوحدة.
وهذا المجال النفسي مشحون في المنهج الإسلامي التربوي بشحنات عاطفة الاحترام والحب والتعاون والطمأنينة والأمن وإلى غيرها من الشحنات النفسية التي تفيض بها عاطفة السكن والمودة والرحمة والتي أشارت إليها الآية المباركة.
فالعلاقات الأسرية التي تشتق من العاطفة تلعب دوراً كبير في توثيق والتحام عناصر الأسرة الواحدة وتعمل على تفعيل وتقوية التماسك والتعاون بين أعضائها، وت***ى الركائز المشتركة التي تتواصل من خلالها عملية التوافق والانسجام الأسري. فالعلاقة بين الزوج والزوجة هي علاقة حب وتعاون واحترام وأمن واستقرار بل إن الوحدة في التكوين الخلقي هي سبب إلهي لإيجاد هذه العلاقة بهذه الكيفية بين الزوج والزوجة.
فالاحترام المتبادل للآراء والأذواق والمشاعر، وتبادل الحب والمودة والمعاملة الرقيقة، وامتلاك مشاعر الآخر من خلال الفعل الجيد والهيئة الحسنة والعمل الصالح، واكتساب الثقة المتبادلة من خلال صيانة الحقوق والواجبات وتجديد العاطفة من خلال إذكاء مشاعر المحبة للآخر، كلها عوامل أساسية يقدمها الدرس التربوي للإمام السجاد عليه السلام لتفعيل تلك العاطفة الأسرية ولدوام تأثيرها