سألت من حولي عن أفضل هدية نقدمها للأبناء فاختلف الحضور في وجهة نظرهم وقال الأول تعطيهم المال وهم يتصرفون فيه وقال الثاني أعمل لهم مفاجأة بأن تضع الهدية الصغيرة في علبة كبيرة وقال الثالث خذهم للسوق وقل لهم ما تشترونه اليوم هو هديتي لكم وبدأت الأفكار تتساقط من كل مكان حول نوع الهدية وشكل الهدية وطريقة تقديم الهدية ولكني نظرت إلي الحضور وقلت لهم ولكن الهدية التى أعنيها تختلف عما تحدثتم به
فنظروا إلي باستغراب وبادرتهم بالجواب وقلت لهم سأقول لكم ما بخاطري بعد ذكر هذه القصة الواقعية فقد كان أحد الآباء ينوي الخروج من منزله فوقف أمامه عند الباب أحد أبنائه ويبلغ من العمر سبع سنوات وقال لوالده إلي أين أنت ذاهب فرد عليه الأب بعصبية هذا ليس من شأنك ثم دفع ابنه بقوة وخرج من البيت فلما ركب سيارته شعر بتأنيب الضمير فنزل من سيارته ودخل بيته فوجد ابنه يبكي في غرفته وعلي فراشه فاقترب منه يعتذر له فسأله ابنه: بابا كم قيمة ساعتك بالعمل ؟ فرد عليه الأب وهو مستغرب من سؤاله خمسة عشر دينار فقفز الإبن مسرعا إلي محفظته واستخرج منها خمسة عشر دينارا وقدمها لوالده وقال له أنا أريد أن أشتري منك ساعة حتى تأتي اليوم مبكرا وتتناول العشاء معنا لأنك لا تجلس معنا علي العشاء كل يوم فصدم الأب من ردة فعل ابنه وذرفت عيناه بالدمع ثم احتضنه وقال له دع نقودا في محفظتك واليوم سأحضر مبكرا لتناول العشاء معكم ان شاء الله ، ثم خرج من بيته وهو يفكر أثناء الطريق في حياته وعائلته

فلما انتهيت من ذكر القصة التفت علي من حولي وقلت لهم (الوقت) هو أغلي وأهم هدية نقدمها لأبنائنا ونحن غالبا نهمله ولا نفكر فيه ، فكل دقيقة تصرفها معهم تشعرهم بالأمن والأمان والراحة والإطمئنان وكلما اشتم الأطفال رائحتك معهم ولو لم تفعل معهم شيئا شعروا بالقوة والثقة والإستقرار والحب

وأذكر بهذه المناسبة أحد الأصدقاء قال لي يوما بأنه رجع لبيته مبكرا من أجل الجلوس مع أبنائه ولديه أربعة من الأبناء فلما دخل بيته شاهد أبنائه يلعبون مع بعضهم البعض فجلس بقربهم يقرأ كتابا وبعد مضي ساعتين شعر أنهم لا يحتاجون إليه فقام متجها إلي الباب وعندما وضع يده علي مقبض الباب جاءته ابنته الصغيرة مسرعة وعمرها خمس سنوات وقالت له بصوت عال إلي أين يا أبي ؟ فرد عليها أريد أن أخرج لأقضي بعض أشغالي ، فقالت له أجلس معنا فرد عليها ولكني كنت معكم ولمدة ساعتين ولم يكلمني أحد منكم ، فنظرت إليه باستعطاف وقالت له بابا عندما نلعب نحن وتكون أنت جالس معنا وننظر إليك بين فترة وأخرى نشعر بالسعادة ، فتأثر الأب من كلماتها ورجع داخل بيته وجلس بقربهم وهم يلعبون

يقول لي هذا الأب لقد عبرت ابنتي عن مشاعرها الداخلية وما كنت أعرفها وأتصورها لو لم تفصح بها وكم من طفل يكتم مشاعره تجاه والديه ، فالأطفال يربطون الحب بالعطاء فإذا خصصنا من وقتنا لهم فهم يفهمون من الوقت الذي نقضيه معهم أننا نحبهم هكذا هم يفكرون ، فالوقت يساوي حب والوقت استثمار للمستقبل فقد نجح يوسف عليه السلام في شبابه ودعوته وادارة وزارته وتجاوزه فتنة النساء بسبب الوقت الذي صرفه يعقوب عليه السلام في الجلوس معه والحوار معه وابراهيم عليه السلام يحاور ابنه في الذبح ويطلب منه المساعدة في بناء الكعبة أليس ذلك وقتا يقضيه الأب مع ابنه ولكن كانت النتيجة أن ابنه صار نبيا من بعده والقصص في ذلك كثيرة
واليوم نعيش أزمة التفويض في التربية ونترك الأطفال مع الخدم أو أمام الشاشات الفضية ثم نتمنى أن يكونوا من أهل الصلاح والإستقامة والتميز والإبداع ونحن لا نعطيهم من وقتنا إلي فضلة أوقتنا ونكون كمن يركض خلف السراب ويرجوا أن يشرب منه الماء
أعط من وقتك لأبنائك وتواصل معهم بصريا عند اللقاء وجسديا عند الجلوس وكلاميا عند الحوار وعاطفيا عند التعبير ونفسيا عند الأزمات ودينيا في كل حياتهم عندها سيكون ابنك كما تريد