إن التفاؤل يفوق مجرد التفكير الإيجابي، بل إنه عادة من أجل التفكير الإيجابي، أو حسبما أورد قاموس في تعريف التفاؤل: " إنه عبارة عن ميل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج".

فالأطفال المتفائلون يعتبرون بهجة تتحرك، فحماسهم قابل للانتشار، ولكن طبقا لما أورده عالم النفس "مارتن" مؤلف كتاب "الطفل المتفائل"، فإن التفاؤل ليس مجرد صورة ذاتية جذابة، وإنما يمكن أن يكون التفاؤل نوعاً من الحصانة النفسية ضد مجموعة من مشكلات الحياة، وقد أشار سليجمان إلى أن أكثر من ألف دراسة- أجريت على نصف مليون طفل وشاب- أظهرت أن المتفائلين من الناس أقل عرضة للكآبة، وأكثر ميلاً للنجاح في المدارس والأعمال، بل وأفضل صحة من الناحية الجسمانية بشكل مذهل عما هو الحال عليه بالنسبة للمتشائمين، والأهم من ذلك أنه حتى وإن ولد الطفل بلا نزعة تفاؤلية فبالإمكان إكسابها إياه.

الأفكار التفاؤلية والأفكار التشاؤمية

لكي تعلم طفلك كيف يمكنه أن يصبح أكثر تفاولاً فإنه يتعين عليك أن توضح له الفرق بين الأفكار التفاؤلية والأفكار التشاؤمية، وطبقاً لما أورده سليجمان فإن الفرق الكبير بينهما يكمن في الطريقة التي يفسر بها كل المتفائلين والمتشائمين أسباب ما تأتي به الأحداث من خير أو شر.

يعتقد المتفائلون أن الأحداث الإيجابية السعيدة تفسر بالأشياء الدائمة الحدوث والانتشار، ولذا يأخذ المتفائلون على عاتقهم مسؤولية إحداث الأشياء الطيبة، وفي حالة حدوث شيء سيئ فإن المتفائلين يرون أنه مؤقت ومتعلق بموقف ما، وتكون نظرتهم واقعية من حيث إنهم كانوا هم السبب في حدوث الشيء السيئ.

قصة "خالد".. الطفل المتفائل

يعد خالد مثالاً للطفل المتفائل، فعندما اكتشف أن أسرته تعتزم الرحيل للمرة الثالثة خلال ثلاث سنوات، شعر بضيق ملحوظ، لقد أحب مدرسته وأصدقاءه ومنزله الذي لا يبعد كثيرا عن المنطقة، ولكن بعد الشكوى الأولية بدأ خالد بالتفكير في منزلهم الجديد، حيث توجد مدينة ملاهي ومساحات أخرى للعب.

كان "خالد" يعرف حتمية انتقال والده إلى المكان الجديد حيث وظيفته، وليس لأي سبب آخر، كذلك عرف أن العائلة كانت مرتاحة للتنقل. لقد كان بإمكان العائلة الاتصال بالأصدقاء القدامى، كما كان بإمكان العائلة إقامة حفل تعارف كبير لمعرفة الجيران الجدد خلال أسبوع من الوصول إلى المكان الجديد، لذا قرر "خالد" استخدام خبرته في الكتابة ليكتب مقالا بعنوان " عند الرحيل".

أما بالنسبة للمتشائمين فإنهم على النقيض من ذلك حيث يرون أن الأحداث الطيبة وقتية، أما الأحداث السيئة فإنها دائمة، كما يرون كذلك أن الأحداث الطيبة ما هي إلا نتيجة لحسن الحظ أو الصدفة، أما الأحداث السيئة فيمكن التنبؤ بها.

ويكون المتشائمون دائما على استعداد مسبق للنزعة إلى التهويل من آية واقعة، وتصويرها على أنها كارثة، فالاستعداد للنزوع إلى أسوأ السيناريوهات قد يكون ملائما بالنسبة للحوادث الأليمة المنذرة بالكوارث، ولكنه لا يمكن أن يكون مناسباً بالنسبة للأحداث اليومية العادية.

خطورة التشاؤم
يرى سليجمان أن التشاؤم ليس مجرد أسلوب سلبي للتفكير، وإنما أحد أكثر التهديدات جسامة لصحة أطفالنا في عصرنا الحاضر، حيث يقول: "إنه المرض المؤدي إلى الاكتئاب"، وقد بنى سليجمان استنتاجاته على أربع دراسات جمعت معلومات من أكثر من ستة عشر ألف شخص من مختلف الأعمار.
يفيد سليجمان بأنه مقارنة بالناس الذين ولدوا في الثلث الأول من هذا العصر، فإن طفل اليوم قد أصبح أكثر عرضة للاكتئاب بواقع عشرة أمثال ما كان عليه الحال سابقا.

ويوضح سليجمان أن نتائج مسح- تم إجراؤه على ثلاثة آلاف طفل تتراوح أعمارهم ما بين التاسعة والرابعة عشرة- قد أوضحت أن 9 في المئة من الأطفال قد أقروا بالابتلاء بداء الاكتئاب.