لا يستطيع البعض أن يعيش بدون صديق صدوق يؤازره في أزماته ويشاركه أفراحه, ويختلف معنى الصداقة من شخص إلى آخر, فمنهم من يحب أن يجمع الأصدقاء حوله وكلما كثر عددهم شعر بالراحة, وآخر يكتفي بالصداقة مع النفس بدلاً من البحث عن صديق قد يكون وفياً أو خائناً.


الصداقة تشبه إلى حد كبير الحب, لأنها تكسر عزلة القلب ولا يشعر معها الإنسان بالغربة, والصداقة في الطفولة تأتي بلا اختيار أو جهد وفي الكبر هي اختيار وحرية.

وقال أبو الطيب المتنبي: "شر البلاد مكان لا صديق به" أما "أملي ديكنسون" فعبّر عن الصداقة بقوله: "الأصدقاء أوطان صغيرة" والقائد الفرنسي "نابليون " باح ذات ليلة بحزنه, وشجنه إلى زوجته حينما قال لها: "لقد نلت من المجد والسلطة ما لم ينله احد قط, وبالرغم من ذلك فها أنذا لا أجد حولي صديقاً مخلصا أستطيع الاعتماد عليه سواك " فالصداقة إذاً ضرورة لا يغني عنها مال أو جاه أو سلطة أو صيت ذائع فهي تمنح الذات عالما آخر من التلقائية, والعفوية, والمودة الصافية.

إذا وصف الصداقة جاء كالأكسجين في الحياة, وإكسير العلاقات الإنسانية وصدق الإمام الشافعي حينما قال: "سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا".

تقوي المناعة

ويبدو أن للصداقة ضرورة لما لها من فوائد صحية خاصة على النساء وهذا الأمر كشفت عنه دراسة حديثة للدورية العلمية "اللانست" أجريت على 61 سيدة مصابة بسرطان المبيض, وكشفت أن اللاتي لديهن صديقات وفيات وعلاقات اجتماعية سوية انخفضت عندهن نسبة بروتين "انترلوكين6" المرتبط بأشد أنواع السرطانات عدوانية, كما اتضح أيضا أن هذا الانخفاض عزز من نتائج العلاج الكيميائي.

اما النساء اللاتي ليس لديهن صديقات فكان مستوى البروتين "انترلوكين6 " عندهن مرتفعاً بنسبة 75% عمن لديهن صديقات وبتركيز أعلى بمقدار مرتين ونصف في المنطقة المحيطة بالورم.

نتائج هذه الدراسة تؤكد صحة ما جاء في ورقة بحثية ل¯"ديفيد سبيجل" أستاذ الطب النفسي بجامعة ستانفورد, الذي أكد أن المصابات بسرطان الثدي اللاتي انضممن لمجموعات تعمل على دعمهن نفسيا عشن بعد الإصابة والعلاج لفترة ضعف من لم ينضمن لتلك المجموعات بالإضافة لذلك كان شعورهن بالألم اقل.

وترجع د. أماني السيد أحمد أخصائية الطب النفسي سبب النتائج السابقة بأن الأصدقاء عندما يكونون مخلصين يمنحونك الدعم العاطفي والمساعدة والمعلومات اللازمة للتعامل مع الضغوط العصبية أو مع الأشخاص المسببين لها, كما إنهم يشجعونك على الاعتناء بنفسك ويزيدون ثقتك بها وقدرتك على إدارة شؤون حياتك.

وأكدت د. أماني بحسب جريدة "الأهرام" أن الدراسات أجمعت أيضا على أن الصداقات تقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والمناعة لأنها تنقص من مستوي هرمون "الكورتيزول" الذي يزداد إفرازه بسبب الضغوط العصبية, كما انه بإمكان الصديقات تقليل فرص الإصابة بالبرد, وذلك يرجع إلى إن المشاعر الايجابية تقوي جهاز المناعة, الحصن المنيع ضد الأمراض.

وأشارت إلى أن الإنسان كائن اجتماعي, خلق ليحيا في مجموعات, لذا نحن في حاجة للآخرين لنحيا لان هذا في جيناتنا, ولهذا فان من لديهن صداقات يعشن مستمتعات وفي سلام, وهو ما يؤدي بدوره لجهاز مناعة أقوي.

مصدر للسعادة

وأكدت الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين لديهم عدد أكبر من الصداقات, ويقضون معهم وقتاً أطول هم أكثر سعادة من غيرهم الذين يأخذون العمل وتأسرهم المشاغل والهموم.

وأشار الباحثون إلى الصداقة تعتبر مصدراً هاماً من مصادر السعادة الحقيقية, ولا تقل أهمية عن السعادة التي تولدها الحياة العائلية, وتزداد أهمية الصداقة مع التقدم بالعمر.

ذلك أن الصديق يوفر الدعم الاجتماعي من جهة والإرشاد, والمساعدة المادية, لأن العلاقة مستمدة من الثقة المتبادلة بين الطرفين, حيث يمكن لشخص ما البوح بأسراره لصديقه, ولكنه لا يمكنه القيام بذلك مع أحد أفراد أسرته, ولا حتى زوجته, أو زملاء العمل إضافة إلى ذلك فإن الروابط المشتركة بين الأصدقاء تجعلهم يقضون وقتاً ممتعاً حتى لو كان الحزن يخيم فوق الرؤوس.

طول العمر

وتوصلت دراسة كندية الى أن سر طول العمر هو زيادة عدد الأصدقاء, وأوضح العلماء أن الحياة الاجتماعية النشيطة تزيد من كفاءة جهاز المناعة, مما يكسب الإنسان تسعة أعوام إضافية.

وأوضح العلماء أيضاً أن الايجابية في مواجهة الهموم اليومية تزيد من العمر بواقع سبعة أعوام ونصف العام, وبينت الدراسة أيضاً أن صعود السلم الاجتماعي يؤدي الى اكتساب عادات أفضل, وهو ما يزيد العمر بمقدار أربعة اعوام, مشيرين الى أهمية الاكل الصحي في زيادة العمر بمقدار عامين كما يضيف الزواج السعيد إلى الشريكين ما لا يقل عن خمسة أعوام إضافية, أما من لا يجدون الرفيق المناسب, فعليهم تربية أحد الحيوانات الأليفة, لأنها تساهم في إطالة العمر.
جريدة العرب اليوم
2010/01/15