الأطباء الذين تتغير أوقات عملهم قد يتعرضون لبعض الاضطرابات في النوم


يتبع الإنسان والكائنات الحية الأخرى من حيوانات ونباتات إيقاعا يوميا خلال اليوم والليلة (24 ساعة) حيث تتغير الوظائف الفيزيولوجية في الكائن الحي نهارا عنها في الليل. ويمكن تعريف الإيقاع اليومي بأنه هو قدرة الجسم على التحول من النوم في ساعات معينة (عادة بالليل) إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى (عادة وقت النهار). وتتحكم عدة عوامل خارجية أهمها الضوء والضجيج في المحافظة على انضباط الإيقاع اليومي للجسم أو ساعاته الحيوية، ويصاحب ذلك تغير في عدد كبير من وظائف الجسم التي قد تكون أنشط بالنهار منها بالليل. وأظهرت الأبحاث الحديثة أن كثيرا من أعضاء الجسم يتبع إيقاعا يوميا مثل القلب والكبد والكلى والغدد الصم وغيرها.








ويتحكم في ذلك الضوء الذي يستقبله الكائن الحي ليستدل به على وظائف الليل ووظائف النهار. والإنسان يستقبل الضوء من الشبكية إلى العصب البصري الذي ينقل الإشارة إلى النواة المتقاطعة الفوق متصالبة في قاع المخ التي تتحكم في الساعة البيولوجية في الجسم وفي إفراز الهرمونات ووظائف الأعضاء الأخرى الليلية والنهارية. وقد خلق الله الإنسان كائنا يحتاج الليل والنهار فالليل خلق للنوم والراحة والنهار للعمل، قال الله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً). وبين الله سبحانه وتعالى أهمية تعاقب الليل والنهار وأهمية الضياء في النهار والظلام في الليل للإنسان، قال تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون، ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون).


ولكن إذا تطلب الأمر نستطيع أن نبقى مستيقظين وأن نعمل في الليل، ولكننا لا نكون بنفس الفعالية والنشاط التي نكون عليه بالنهار، حيث إن الإيقاع اليومي والنشاط الهرموني يبلغ ذروته خلال النهار، والوضع الطبيعي هو أن ينام الإنسان بالليل ويعمل بالنهار، ولكن المدنية الحديثة التي نعيشها الآن قد غيرت من نمط حياتنا، حيث أجبرت بعضا منا على العمل بالليل حيث إن بعض الخدمات المهمة تتطلب العمل على مدار الساعة، والموظفون الذين تتغير أوقات عملهم يعرفون بعمال نظام الورديات أو الشفتات، وهؤلاء قد يتعرضون لبعض الاضطرابات في النوم.




وحديثا ظهرت أبحاث تشير إلى أن العمل بنظام الورديات وعدم الحصول على نوم كاف في الوقت الذي لا يعمل فيه الشخص وخاصة للذين يعملون ليلا ولا يحصلون على نوم كاف مريح بالنهار قد يكونون عرضة لبعض الاضطرابات في الهرمونات والوظائف الأيضية (التماثل الضوئي) في الجسم.
ولعل أهم مشكلتين تواجه العاملين بنظام الورديات هما صعوبة النوم خلال النهار وصعوبة الحفاظ على التركيز والنشاط خلال الليل. يجب أن نعرِّف الإيقاع اليومي للجسم أو الساعة الحيوية. فالموظف الذي يعمل في وردية الليل يحاول أن يعمل في الوقت الذي يطلب فيه جسمه النوم، وأن ينام في الوقت الذي يريد فيه جسمه الاستيقاظ، ما ينتج عنه عدم التناسق بين وقت النوم والاستيقاظ وحاجة الجسم العضوية.




وعندما يغير الموظف ورديته إلى وردية أخرى، فإن جسمه يحتاج إلى بعض الوقت للتكيف مع وقت العمل الجديد، وهذا الوقت يراوح عادة من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع ويصاحب ذلك اختلال في وظائف بعض الأعضاء التي تتبع إيقاعا يوميا.








كيف يؤثر نظام الورديات في النوم؟


نظام الورديات يمكن تشبيهه بما يعرف بالجت لاق أو اختلاف التوقيت أي عندما يسافر الشخص شرقا أو غربا عبر عدة نطاقات زمنية. فلا يستطيع الجسم ضبط وظائفه بصورة دقيقة فتختلط وظائف الليل بوظائف النهار وتختل بعض الوظائف. يؤثر في حياتنا بعدة طرائق. فالموظف الذي يعمل بالليل وينام بالنهار عادة ما ينام ساعتين إلى أربع ساعات أقل من الموظف الذي يعمل بالنهار وينام بالليل. وهناك اختلاف كبير بين نوعية النوم بالنهار مقارنة بالليل. فالنوم بالنهار عادة ما يكون خفيفاً (قد لا يحصل الموظف على حاجته من النوم العميق) ومتقطعاً ما ينتج عنه عدم استعادة الجسم لنشاطه ومن ثم التعب والخمول والتوتر، وفي بعض الأحيان الأرق، وهذا بدوره ينعكس على إنتاجية الموظف وتركيزه في عمله، وفي بعض الأحيان قد يسبب بعض الأعراض العضوية.








فعلى سبيل المثال، إفرازات الجهاز الهضمي تتبع نظام الإيقاع اليومي، فعندما يأكل الموظف في ساعات الليل المتأخرة فإنه يملأ معدته بالأكل في الوقت الذي يكون جهازه الهضمي غير مستعداً لذلك، ويتركها خالية بالنهار وهي في قمة نشاطها وإفرازاتها الحمضية. وهذا يفسر نسبياً كثرة شكوى العاملين بالليل من الحموضة. كما أن إفراز الهرمونات يتبع إيقاعا يوميا، فهرمونات التوتر والنشاط مثل الكورتيزول والأدرينالين تزداد بالنهار وتقل في الليل ليرتاح القلب وينخفض الضغط في حين في الليل وخلال النوم تزداد هرمونات أخرى مثل الميلاتونين وهرمون النمو.








وموظفي الورديات يعانون من الكثير من الضغوط العائلية والاجتماعية التي يجب عليهم التكيف معها. حيث يجب عليهم العمل عندما يكون أغلب الناس نائمين والنوم عندما يكون الآخرون في أعمالهم، أو يقضون أوقاتاً ممتعة مع أقاربهم وأصدقائهم. ويشتكي هؤلاء الموظفون عادة من عدم القدرة على قضاء أوقاتاً كافية مع أبنائهم أو أصدقائهم أو حتى من ترتيب بعض الأنشطة الترفيهية. وقد يؤثر نقص النوم عند عمال الورديات في قدرتهم على اتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى تركيز أو ردة فعل سريعة.




ما الطرائق التي تساعد على تخفيف آثار نظام الورديات والتكيف معه؟




نظام العمل بالورديات أصبح واقعاً يجب علينا التعايش معه، فهناك الطبيب الذي يجب أن يعمل بالليل، وهناك رجل الأمن وغيرهم كثير. فكيف تتكيف مع نظام الورديات؟ بصورة عامة كلما تقدم بنا السن أصبح التكيف مع نظام الورديات أكثر صعوبة. ولكن هناك إستراتيجيات عامة يمكن أن تساعد العامل على الحصول على نوم أفضل.


تعديل أجواء العمل:


يجب أن ينظم نظام الوردية (أو الشفت) ليساعد العامل على النوم بصورة أفضل. ويمكن أن ينجز ذلك بحيث يتبع وقت تغيير الورديات عقارب الساعة، بمعنى إذا كان الموظف يعمل في وقت النهار فإن الوردية التالية تكون في المساء والثالثة تكون بالليل وهكذا. وهذا الاتجاه في وقت تغيير الورديات هو أكثر ملاءمة لطبيعة الإنسان ويساعد العامل على التكيف السريع مع الإيقاع اليومي الجديد.


إيجاد فترات للراحة خلال ساعات العمل قد يساعد في زيادة التركيز والاستيقاظ لدى العامل.


وهذا النظام أثبت فعالية في كثير من الشركات التي تتطلب العمل على مدار الساعة.






كما أن زيادة الفترة قبل تغيير وقت الوردية قد يساعد العامل على التكيف مع الوردية الجديدة، بمعنى أن تغيير وقت الوردية كل ثلاثة أسابيع أفضل من تغييرها كل أسبوع.


ويجب أن يساعد جو العمل على تنشيط الموظف وزيادة وعيه الحسي، فالإضاءة يجب أن تكون جيدة وقوية، والحرارة يجب أن تكون مناسبة علماً بأن الجو الدافئ يؤدي إلى الخمول.


بعض العاملين يحب تناول المشروبات المحتوية على الكافيين لزيادة نشاطهم، ولا أرى أي مانع من تناول هذه المشروبات كالقهوة مثلاً بشرط أن لا يتم تناولها قبل وقت النوم بثلاث إلى أربع ساعات، لأنها قد تزيد من مشكلة الأرق عند الموظف.


تعديل أجواء المنزل


يجب على عمال الورديات البدء في تعديل وقت نومهم عند اقتراب انتهاء فترة الوردية الحالية للتكيف مع فترة الوردية القادمة، ففي الأيام الأخيرة من الوردية الحالية يبدأ الموظف في تغيير مواعيد نومه تدريجياً للتكيف مع الفترة الجديدة، فعلى سبيل المثال، إذا كانت الوردية الحالية في النهار والقادمة في المساء، فعلى الموظف محاولة تأخير موعد نومه ساعة إلى ساعتين كل يوم ومن ثم وقت استيقاظه إن أمكن حتى يساعده على التكييف مع وقت النوم الجديد.


أما إذا كانت الوردية بالليل والنوم بالنهار، فعلى الموظف أن يحاول أن يخلق جو الليل في غرفة نومه، بمعنى أن يجعلها مظلمة وهادئة من دون أي ضوضاء. وقد يكون من الصعب القضاء على الضوضاء في وقت النهار، وللتغلب على ذلك يمكن استخدام ما يعرف بالضوضاء البيضاء، وهي أن يكون في الخلفية الصوتية صوت ثابت الشدة ومتواصل، كصوت مروحة أو مكيف الهواء. ونقصد هنا الأصوات ذات الطبقة الصوتية الثابتة. فهذه النوعية من الأصوات تتعود عليها الأذن وهو في نفس الوقت يغطي على الأصوات الأخرى التي قد تؤثر على النوم.








ويجب على عامل الورديات أن يلتزم نظام النوم والاستيقاظ الخاص بورديته بقدر الإمكان حتى في عطلة نهاية الأسبوع. ويحاول أن يجد وقتا محددا لقضائه مع عائلته وأقاربه من دون أن يحدث تغييراً كبيراً في نظام نومه واستيقاظه.








ويجب أن يعرف القارئ أن تغيير نظام النوم خلال عطلة نهاية الأسبوع تحت ضغوط الالتزامات الاجتماعية يؤثر في نوم الموظف خلال الأسبوع الذي يليه.




والموظفون الذين يعملون في وظائف تتطلب منهم الاستيقاظ المتكرر خلال الليل كالأطباء قد يستفيدون من فترات نوم قصيرة خلال النهار.








هل الحبوب المنومة مفيدة في هذه الحالات؟


لا يوجد دليل علمي على أن استخدام الحبوب المنومة لإدخال النوم على الموظف بالنهار يحسّن من الوعي أو التركيز أو الإنتاجية خلال ساعات العمل بالليل. إضافة إلى ذلك فإن هذه الحبوب لها آثار جانبية وبعضها ومع طول الاستخدام قد يسبب الإدمان، أضف إلى ذلك أن هذه الحبوب لا تحل سبب المشكلة وهو عمل الورديات وأنا شخصياً لا أنصح عمال الورديات باستخدام هذه الحبوب من دون استشارة طبية.


ويفضل أن تكون الوجبات الرئيسية خلال الأوقات التي تطابق ساعات العمل. وقد يؤثر الطعام في نوم الإنسان، لذلك على عمال الورديات أن يأكلوا الوجبات الغنية بالبروتين والكربوهيدرات والابتعاد على الوجبات الدهنية والمقلية.