لقد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنور وحي النبوة خطورة انفعالات الغضب قبل أن يكتشفها الطب بقرون ودعا – بحكمة – المسلمين إلى تفادي الغضب فكثرت أحاديثه التي وردت بها تلكم النصيحة الذهبية الغالية
"لا تغضب" والتي ثبت نفعها العظيم طبياً ونفسياً،
وقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أساليب مختلفة في الترغيب في حفظ النفس من الغضب، ثم الترهيب من الوقوع فيه، أساليب شملت العلم والعمل... آخذاً بأيدي المسلمين إلى جادة الصواب رحمة بهم وحفاظاً على صحة أبدانهم من مجموعة من الأمراض المهلكة.
أوجه الإعجاز العلمي في الهدي النبوي في معالجة الغضب
خمس قواعد نبوية نورانية
الهدي النبوي في معالجة الغضب : سبق طبي معجز السكوت فور الغضب
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت " .
(رواه الإمام أحمد في المسند 1/329 ، وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 والطيالسي (2608) والبخاري في الأدب المفرد (245).
الهدي النبوي في معالجة الغضب : سبق طبي معجز الاستعاذه بالله من الشيطان الرجيم
عن سلمان بن صرد رضي الله عنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم“ (رواه البخاري 3108 ، الفتح 6/337 ومسلم 2610 )
يقول د. إبراهيم الراوي:
” ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون إلى نوبات الغضب إلى تمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3 .. وحتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف“.
أما توماس جيفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة الذي كان يفخر بأنه لم يقتل جندياً أمريكياً واحداً في معركة خلال فترة حكمه.
(متخذاً ذلك دليلاً على حلمه وضبط نفسه) فيقول:
”عندما تكون غاضباً عد إلى عشرة قبل أن تتكلم أما عندما تكون غاضباً جداً فعد إلى مائة..!“
هذه الحقائق في مجال الطب النفسي سبق بها وطبقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأطباء وحكماء الساسة بقرون حين أمر الغاضب أن يسكت وذلك أن الغاضب ربما يخرج عن شعوره فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر أو سب يجلب له العداوات أو طلاق يهدم بيتاً، وبالكلية فإن السكوت حل وقائي لتلافي كل ذلك أولاً ثم أن يتعوذ بالله وهذا أفضل ولا شك من أن يعد أرقاماً بل أنه الأمثل لاستعانته بالله أن يدرء عنه الغضب ويعيذه ممن يدفعه إليه ألا وهو الشيطان.
و لعل هذا مستمد من الوصية القرآنية:
(وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) (فصلت -36).
ومن الأمر القرآني:
( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين* و أعوذ بك رب أن يحضرون) ( المؤمنون 97-98)
وقد قال العلامة ابن حجر:
" أقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن لا فاعل إلا الله، فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره، فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه، اندفع غضبه ".
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
" قلت وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم الذي غضب أن يستعيذ بالله من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر "
الهدي النبوي في معالجة الغضب : سبق طبي معجز تغيير الوضعية
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع". ( مسند أحمد 5/152 و صحيح الجامع رقم 694 وفيض القدير ، المناوي 408 وأبو داود 4782 وصححه ابن حبان 5688) .
قال العلامة الخطابي - رحمه الله - في شرحه على أبي داود: ( القائم متهيء للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى، والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد ) سنن أبي داود ، ومعالم السنن 5/141
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي حطّمه (والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض)، وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له: يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .... وذكر الحديث بقصته
وقد أشار الإمام الغزالي رحمه الله إلى أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغاضب بتغيير الوضعية بأنه الحركة البدنية فقال:
”فاجلس إن كنت قائماً واضطجع إن كنت جالساً، واقترب من الأرض التي خلقت منها .. واطلب بالجلوس والاضطجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة وسبب الحرارة الحركة“.
وقد وفق د. حسان شمسي باشا إلى كشف الإعجاز الطبي في هذه الوصفة النبوية إذ يقول:" جاء في كتاب هاريسون الطبي أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور أدرينالين يزداد بنسبة 2- 3 أضعاف لدى الوقوف بهدوء لمدة خمس دقائق أما هرمون الأدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته في الدم … ولا شك أن العاملين معاً، الغضب والوقوف يرفع نسبة الهرمونين بشكل كبير.
أليس في ذلك سبق طبي معجز للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يصف هذا العلاج ذا الفائدة الطبية العظيمة في تهدئة الغضب؟..
لا شك أنه الوحي. وهي الرسالة وهو إعجاز النبوة.
........يتبع
المفضلات