دراسة روسية تشير الى أن نسبة المبدعين بين الأطفال تصل الى 90٪ حتى سن الخامسة ثم تنخفض بسرعة الى 10٪ في سن السابعة وما أن يصل الطفل الى سن الثامنة حتى تنحدر موهبة الإبداع لديه الى 2٪ فقط !!
وما يحدث هنا أن ثماني سنوات من الإرشاد والتوجيه واتباع الأعراف تؤدي الى طمس موهبة التمرد والتساؤل والاستغراب لدى الطفل !! - وهي أهم العناصر الواجب توفرها في كل عبقري ومبدع -وبعد أن كان يواجه في كل موقف تحديا جديدا وموقفا مختلفا يشحذ الذهن ، يدخل ضمن عقلية جماعية تقدم تفسيرا جاهزا ومفترضا لكل ما حولها !! وفي الحقيقة كل من درس دوافع الإبداع لدى العباقرة يكتشف أن معظمهم احتفظ بطريقة ما بدهشة الطفولة حتى سن متقدمة من العمر
....فالأسئلة الطفولية الساذجة :لماذا وكيف ومتى وأين ؟ التي نسمعها من أطفالنا الصغار هي المحرض الأول للاكتشاف والإبداع ... إنهم يحتاجون فقط الى الاحتفاظ بدهشة الطفولة والتساؤل بنقاء عن سر ما يجري حولنا(... لأن فيما حولنا آيات لقوم يتفكرون )أما حين نكبر وتصاب أدمغتنا بالصدأ فإننا نغتر بعقلنا الكبير ولا نجد داعيا للتفكير وتتحول ظواهر كثيرة حولنا إلى مسلمات وما هي بمسلمات !! ولأن العباقرة من الفئة النادرة التي ما تزال تطرح أسئلة طفولية ساذجة تمكنوا من اختراق حجب الغفلة والمعتاد واكتشفوا جوانب جديدة لمظاهر قديمة تحدث حولنا باستمرار :
فنيوتن مثلا اكتشف سر الجاذبية بعد تساؤل طفولي :لماذا سقطت التفاحة من الشجرة؟واخترع مونغوليفيه المنطاد بعد سؤال طفولي ساذج :لماذا يصعد الدخان الى الاعلى ؟وأديسون اكتشف المصباح الضوئي بعد سؤال :لماذا يضيء السلك حين يسخن ؟ واكتشف فارادي المحرك الكهربائي بعد سؤال :لماذا يجذب المغناطيس الحديد ؟ ..وابن القيم ألف كتابا كاملا هو :الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي عندما سأله أحد الطلبة ..ولو كان لأي واحد منا الاهتمام الطفولي الكافي لاكتشف ما اكتشفوا ولعرف كيف تعمل خياشيم السمكة ؟؟ وكيف تنساب الطيور ؟؟ وكيف أصبحت البحار مالحة؟؟؟؟ وهو ما يثبت أن طرح السؤال المناسب أهم من معرفة الجواب المناسب في دنيا العلوم والاكتشافات !
والقرآن الكريم يحثنا على ذلك :فنوح - عليه السلام - صنع السفينة. وداود - عليه السلام – صنع الدروع الواقية, وذو القرنين بنى السد العظيم فكان أساس صناعة السدود وهندسة الطرقات وأول غواصة بحرية ركبها نبي الله يونس في بطن الحوت وأول طائرة طاربها نبي الله سليمان وأول بث فضائي كان على يد إبراهيم عندما أذن للحج وأول رائد فضاء كان النبي محمد وأول حادثة نقل بضائع ثقيلة كانت مع سليمان عندما نقل عرش " بلقيس "ولكن لو كنا نحسن السؤال ونحن نقرأ القرآن ونحفظه لأبنائنا ونتأمل ونفكر لوصلنا إلى مثل هذه المكتشفات التكنولوجية الحديثة .. أين المشكلة ؟؟تكمن مشكلة الكبار المدمرة لمواهب الطفل في امتلاكهم قدرا كبيرا من الخبرة والتجارب السابقة وهذه النقطة بالذات تقتل الإبداع مع سبق الإصرار فالإبداع يعني الظهور بشيء جديد وبالتالي التمرد على المعتاد والمألوف واعتماد أسلوب لم يستطرق من قبل أما حين نبدأ بحل المشكلة - بناء على خبراتنا السابقة - فسنعمل من خلال معايير مسبقة نماذج جاهزة وتجارب قديمة مماثلة ..
ولو دربنا أبناءنا على حسن السؤال عند مشاهدة الأحداث- حتى لا يتعاملوا مع الأحداث وكأنها شيء مفروض عليهم -لخرجوا لنا باكتشافات واختراعات عظيمة جدا ....
إن حسن السؤال علم ومهارة بل إن حسن السؤال هو سبب تميّز ابن عباس عندما سُئل عن غزارة علمه وتميّز تفكيره فقال :إنما أوتيت : ( لسان سؤول وقلب عقول )والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا اليوم :كيف نتعامل مع أسئلة الطفل ؟؟؟ وما هو منهج الوالدين في تربية أبنائهما على حسن السؤال ؟ وما هو منهج المدارس في تعليم أبنائنا حسن السؤال ؟