مقدمة:
إن التفكير من أعظم النعم على الإنسان، فبعينيه يبصر ويسمع بأذنيه ويفقه بقلبه، قال تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة). وخص الله أولي الألباب بأنهم هم المتفكرون فقال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض). وقد ربط الله عز وجل بين المؤمنين والتفكر (... إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
وعندما يراد تذكير الناس عموماً تختم الآية (لعلهم يتفكرون) فمن الناس من سيهتدي وذاك من تفكر، ومنهم من لن يهتدي ولن يؤمن وذاك من لم يتفكر، فلن يهتدي الجميع، فالخطاب لعموم الناس وليس للمؤمنين فقط، وهذا يؤكد أن التفكر ليس ملازماً لعموم الناس بل خصه الله لفئة معينة وهم المؤمنون الذين ختموا أعمالهم بالصالحات.
تعريف التفكير لغة:
ربما يختلف لفظ فكر المشتق من التفكير عن التفكر والتفكير، قال تعالى: (كلا إنه كان لآياتنا عنيداً* سأرهقه صعوداً* إنه فكر وقدر* فقتل كيف قدر* ثم قتل كيف قدر). وهذا يعني أن التفكير هو التدبر والتمعن وإدراك العلاقات وربط السبب بالمسبب وصولاً لإيمان راسخ.
تعريف التفكير اصطلاحاً:
تعددت التعريفات وتباينت في عملية التفكير بين مدارس علم النفس ولا سيما السلوكية التي تتعامل مع السلوك الملحوظ، وبالتالي فإن التفكير نشاط عقلي داخلي لا علاقة له بالسلوك، وترى المدرسة المعرفية أن السلوك مجرد نتيجة للتفكير.
وفيما يلي عرض لبعض التعريفات الخاصة بالتفكير:
§يعرف "دي بونو" التفكير بأنه: المهارة العملية والاستكشاف المتبصر للخبرة من أجل الفهم أو اتخاذ القرار أو التخطيط وحل المشكلات.
§وذكر "خير الله" أن التفكير هو النشاط الذي يحل به الشخص المشكلة، أو هو العملية التي ينظم بها الفرد خبراته بطريقة جديدة أو إدراك لعلاقة جديدة بين موضوعين أو موضوعات مختلفة، أو هو تنظيمات جديدة بهدف الوصول إلى نتائج مرجوة.
من هذا العرض يتضح أن التفكير نشاط عقلي تثيره مشكلة ويهدف إلى حل مشكلة متخذاً صوراً من الاستنباط والتحليل والتركيب والتقويم، والمفاهيم هي المادة الأساسية التي تتعامل معها عملية التفكير، مثلما تعد المثيرات مادة الإحساس، والمنبهات مادة الانتباه، والمدركات مادة الإدراك (القضاه والترتوري، 2007).
إذاً، يتصل بالتفكير، الفكر، وهو في اللغة من مصدر فَكَرَ في الأمر أي أعمل العقل فيه ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول. وأْفكَرَ في الأمر بمعنى فكر فيه فهو مُفْكِرّ.
والتفكير ـ وفق ما سبق عرضه ـ هو إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها.
خصائص عملية التفكير:
التفكير نشاط عقلي وتكوين فرضي غير مرئي وغير ملموس يحدث داخلياً في دماغ الإنسان يستدل عليه من السلوك الظاهر المرتبط به؛ كحل المشكلة والتصرف في الموقف الضاغط أو الحرج أو قاعة الاختبار والكلام والانفعالات.
ويتميز التفكير، وهو عملية عقلية معرفية، بالخصائص التالية:
1.التفكير نشاط عقلي غير مباشر: فلكي يتوصل الإنسان إلى إقرار علاقات بين الأشياء، فانه يعتمد على احساساته وادراكاته المباشرة، وأيضاً على معلومات الخبرات السابقة التي تتجمع في الذاكرة.
2.يعتمد التفكير على ما استقر في ذهن الإنسان من معلومات عن القوانين العامة للظواهر.
3.ينطلق التفكير من الخبرة الحسية الحية، وهو لا ينحصر فيها ولا يقتصر عليها.
4.التفكير انعكاس للعلاقات والروابط بين الظواهر والأحداث والأشياء، في شكل لفظي ورمزي.
5.يرتبط التفكير ارتباطاً وثيقاً بالنشاط العملي للإنسان.
6.التفكير دالة الشخصية: فالتفكير جزء عضوي وظيفي من البنية الكلية للشخصية. فنظام الحاجات والدوافع والعواطف والانفعالات لدى الفرد، واتجاهاته والقيم والميول والخبرة السابقة، والاحباطات والاشباعات في حياته، كل هذا ينعكس على تفكيره ويوجهه، بل إن أسلوب الفرد في التفكير، يتحدد من أسلوبه في الحياة بصفة عامة (الترتوري، 2003).
العمليات العقلية في التفكير:

التفكير عند الإنسان عبارة عن عملية عقلية Mental Process معقدة، تتألف من مجموعة من العمليات العقلية Operations التي يتم خلالها نشاط التفكير وهذه العمليات هي (القضاه والترتوري، 2007):
1.المقارنة :Comparison وتعرف بالمقابلة أو الموازنة، وتتمثل في العلاقات والارتباطات بين الظواهر أو الأشياء أو الأحداث، واستخلاص واستفراد هذه الظواهر أو الأشياء أو الأحداث في الإدراك وفي التصور عند الإنسان.
2.التصنيف :Classification وهو العملية التي يتم فيها تجميع الأشياء أو الظواهر، وفقاً لما يميّزها من معالم عامة مشتركة، وحيث يوضع لها تجميع Grouping أو تصنيف Categorizing وبحيث تضم مفاهيم معينة للظواهر أو الأشياء.
3.التنظيم :Systematization وهو العملية التي يتم بها ترتيب أو تنسيق فئات الأشياء أو الظواهر في نظام معين، وفقاً لما يوجد بين هذه الفئات من علاقات متبادلة.
4.التجريد :Abstraction حتى يتحقق التفكير، فإنه يتم وفق تمييز الخصائص المستقلة للأشياء، كما يتم بطريقة متجردة عن الأشياء ذاتها.
5.التعميم :Generalization يرتبط التجريد بالتعميم، على أساس أنه عند التوصل إلى تحديد الخصائص المتجردة للأشياء، فإن هذا يعني أن التفكير اتخذ شكل التعميم.
6.الارتباط بالمحسوسات :Concretization يتطلب التجريد عملية عقلية عكسية، وهي الانتقال من التجريد والتعميم إلى الواقع الحسي، الذي يُعد شرطاً مهماً للفهم الصحيح للواقع.
7.التحليل :Analysis وهو العملية العقلية، التي يتم بها فك ظاهرة كلية مركبة إلى عناصرها المكونة لها، إلى مكوناتها الجزئية.
8.التركيب :Synthesis عكس عملية التحليل، إذ إن التركيب كعملية عقلية، يتم بإعادة توحيد الظاهرة المركبة من عناصرها التي تم تحديدها في عملية التحليل.
9.الاستدلال :Reasoning يقوم الاستدلال العقلي على استنتاج صحة حكم معين من صحة أحكام أخرى. ويؤدي الاستدلال الصحيح إلى تحقيق الثقة في ضرورة وحتمية النتائج التي يتوصل إليها.
والاستدلال نوعان:
أ. الاستنباط Deduction : وهو العملية الاستدلالية التي بها نستنتج أن ما يصرف على الكل يُصرف أيضاً على الجزء.
ب. الاستقراء Induction : وهو العملية الاستدلالية، التي بها يتم التوصل إلى نتيجة عامة من ملاحظة حالات جزئية معينة.