و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته و مغفرته و رضوانه .. تحية طيبة بمثلها او بأحسن منها و أهلا و سهلا
السعادة من نصيبي أنا بهذا الحضور الكريم و التفاعل المثمر و حب الإفادة التي تنطق به مداخلات كل من تفضلوا بالمشاركة هنا .. و اشاركك شكر أخي الكريم علاء فالدال على الخير كفاعله مع التأمين دعائك و الدعاء لك بمثله
في الحقيقة فليست المشاعر واحدة من لصوص الوقت و لكنها تقبع خلف عدد من لصوص الوقت .. و لمزيد من الإفادة اسمحي لي بذكر لصوص الوقت حتى ينتبه لهم القراء الكرام :
لصوص الوقت: التسويف ، الاجتماعات ، رداءة التواصل ، رداءة التخطيط ، الأعمال الورقية ، التشتت و التأخير ، عدم القدرة على قول لا , التفويض غير الفعال ، السفر ، إطفاء الحرائق (الانشغال بالمستجدات اللحظية عن الأعمال المخطط لها من قبل) .. هل يا ترى تجدين اثرا ظاهرا للمشاعر في هذه اللصوص؟ في الحقيقة يوجد اثر و أثر كبير و لكنه كامن و ليس ظاهر .. و سيأتي تفصيل ذلك لاحقا إن شاء الله
و الإجابة على اسئلتك التي أوردتها كلها هي " نعم " و لكن كيف؟ الأمر فيه بعض التفصيل
بداية يجب أن ننتبه إلى ان المشاعر من محركات السلوك اي انها سبب للسلوك .. و لكنها مع كونها سببا للسلوك إلا انها تتاثر بنتيجة السلوك أي انها مؤثر و متأثر فمن الممكن أن يدفعني حب شخص ما للتقرب منه .. و بعد التقرب منه يمكن أن أتذلل له تحت وطأة مشاعر الحب .. و يمكن أن يقابل هو تذللي له باستعلاء و ضجر فينقلب حبي له نفورا .. و بذلك تنقلب مشاعر الحب التي كانت دافعا لسلوك التقرب و التذلل إلى مشاعر نفور ناتجة عن سلوك الاستعلاء و الضجر .. و الأمر هنا لا نقيسه على مقياس الصواب و الخطأ و لكن ننظر إليه من زاوية السبب و النتيجة فهناك مشاعر محركة للسلوك و هناك مشاعر ناتجة عن السلوك
من أين للبعض ممن يحملون المشاعر الهدامة من كره و ضغينه تلك القوة للظفر بما يريدون؟ في حين نجد من يحملون راية الحب و السلام و النبل ... تحفهم الهشاشة و الانكسار و الاستسلام؟ سؤال هام للغاية و الإجابة عليه توضح لنا كيف يمكن فصل الفكر عن المشاعر حيث أنها الطريق العكسي لربط الفكر بالمشاعر .. كيف ذلك؟
كل منا لديه قيم .. و ينشأ عن القيم معتقدات و تنشأ من المعتقدات سلوكيات و تنشأ من السلوكيات عادات
عندما يكون من قيمي الصدق ، فالصدق عندي يجعلني أعتقد أن الصدق ينجي و أن الكذب يورط .. و ينشا عن اعتقادي هذا صدق الحديث و الأمانة و الذان بتكرارهما يتحولان لعادة (و لا يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا)
بعض الناس يصدق اكثر من غيره .. و البعض الآخر الموت اسهل عليه من الكذب .. و البعض لا يبالي بالصدق من الأصل .. مالفرق بين هؤلاء و أولئك؟ الفرق في كم المشاعر التي تم ربطه بالقيم و المعتقدات و السلوكيات و العادات .. بمعنى أني لو قمت بالربط بين الصدق و قدر كبير من مشاعر المتعة فيصبح الصدق ممتعا لي و تكرار الصدق يزيد متعتي .. و كلما كان قدر مشاعر المتعة أو الرضا المرتبط بالصدق كبيرا كلما كان الحرص على الصدق أكبر و كلما كانت مقاومة الكذب أكبر ..
قياسا على ذلك فمن لديهم قيمهم السيئة و معتقداتهم الشريرة و سلوكياتهم الكريهة ممن يحملون الكره و الضغائن يفعلون نفس الشيء اي أنهم يربطون قيمهم و معتقداتهم و سلوكياتهم تلك بقدر كبير من المشاعر سواء كانت مشاعر رضا او إنجاز أو تفوق أو تميز أو تفرد أو امتلاك أو سلطة و بالتالي فيدفعهم ذلك القدر الكبير من المشاعر - و التي تعمل كطاقة دافعة - إلى المثابرة و الصبر حتى يحققوا ما يريدون ..
الأمر هو هو عند الفريقين .. فريق الخير و فريق الشر .. المهارة هي هي .. ربط ما نريد بقدر كبير من المشاعر فيكون ذلك القدر الكبير من المشاعر هو الوقود الذي يشعل رغبة التحقيق و الانجاز لارتباطها بمشاعر المتعة
و على ذلك فلو تم ربط القيم النبيلة بقدر كبير من مشاعر الرضا و الانجاز فستجدين الفرد على استعداد للتضحية بنفسه وصولا لدرجة الاستشهاد و الأمثلة هنا كثيرة ..
و على الناحية الأخرى فاصحاب القيم الشريرة عندما يربطون قيمهم بقدر كبير من المشاعر تزيد قدرتهم هم ايضا على تحقيق ما يريدون .. و الأمثلة هاهنا كثيرة ايضا
و لعلي اضرب مثالا عمليا قد يفيد البعض منه .. لننظر مثلا إلى فرد ادرك حق الله عليه فبدأ يصلي الفروض .. ثم احس بالرضا عن نفسه فأخذ يزيد في النوافل .. فلما أصبحت عادة فكر في قيام الليل .. فلما استمتع بقيام الليل ترك النوم .. و اصبح القيام مع ما فيه من مشقة احب إليه من النوم مع ما فيه من راحة .. فلما استمتع بقيام الليل لم يعد قادرا على تركه
مع ملاحظة أن هذا الفرد قام بالعمل و لم يكتف بالتمني
هل لا زلت غير مقتنعة بفصل الفكر عن المشاعر؟
المقصود هنا بعد هذا التوضيح ان ننمي قدرتنا على ربط قدر كبير من المشاعر الإيجابية إلى أفكارنا الإيجابية لنمنح تلك الأفكار طاقة دافعة .. و أن نحاول أن نمنع أي ارتباط بين المشاعر السلبية و الأفكار الإيجابية لكي لا تتآكل و تتضاءل تلك الأفكار تحت وطأة المشاعر السلبية
و كما ترين فأنا من يتوجب عليه الشكر لك حيث أنك أخذتنا إلى أعمق نقطة في الموضوع و هذا هو شأن كل من يقرأ بعقله الناقد
أدام الله لك حسن النظر و نقاء السريرة
المفضلات