الذاكرة نعمة من نعم الله على الإنسان، كما أنها أساس مهم للعملية الإبداعية. غالباً ما يستطيع صاحب الذاكرة القوية أن يربط بين الكلمات والأحداث والمواقف أكثر من صاحب الذاكرة الضعيفة، وذلك لأنه يحمل في عقله وذاكرته مادة الخام التي يصنع بها أي عمل إبداعي.

من هذا الباب يحسن بالإنسان أن يحرص على تحسين ذاكرته، وزيادة حفظه، لأن ذلك يخدم ( بطريقة غير مباشرة) أفكاره الإبداعية.

ومن الأساليب الجيدة في تدريب الإنسان على التذكر والتخيل أسلوب التذكر البصري، حيث تعرض مجموعة من الصور للمشاهد بشكل متوالٍ ثم تحجب عنه ويطلب منه تذكر الصور بترتيبها الذي عرضت فيه، أو تذكر عدد من الصور دون ترتيب معين.(1)

وقد ذكر الدكتور نجيب الرفاعي مهارات عديدة تعين الإنسان على تحسين ذاكرته وفي كما يلي2)

1. استخدم قدرات المخ الأيمن:

إن المخ الأيمن يتميز عن المخ الأيسر بأنه يقوم بالأعمال التالية: الألوان، الخيال، أحلام اليقظة، الأبعاد، الألحان، الأصوات. فعلى قدر تشغيلك طاقة هذا المخ على قدر ضمان استرجاع المواد المخزونة فيه. فأنت كلما تخيلت الشيء المراد تذكره بألوانه الطبيعية، وبأبعاده سواء الطبيعية أو المصطنعة، كأن تتخيل هذا الشيء كبيراً جداً، كلما نسبة استرجاع المعلومة أقوى.

2. الاهتمام والحماس:

حماس الإنسان لهدف ما في حياته يعينه كثيراً على عدم نسيان العناصر المرتبطة بهذا الهدف. فكلما تحمس الإنسان لما يريد الوصول إليه كلما كانت تذكر الأمور المرتبطة والمتصلة بهذا الهدف.

إن الطالب الذي يدرس مادة لا يحبها، إما بسبب صعوبتها أو بسبب تعقيد المدرس من خلال شرحه للمادة أو غير ذلك من الأسباب، فإنه لن يتحمس لدراسة هذه المادة، ومن ثم ستكون النتيجة الطبيعية ضعف التذكر في تفاصيل هذه المادة.

3. الترابط:

نستطيع أن نتذكر الأسماء بسهولة جداً إذا تم ربط هذه الأسماء بأشياء ملموسة ومحسوسة. فلو قابلت صديقاً جديداً، وكانت أشباه هذا الصديق تنطبق إلى حد كبير مع أشباه أبيك، وكان اسم الصديق الجديد كذلك هو نفسه اسم أبيك، فمن الأفضل ربط الشكلين مع بعض، بمعنى لو قابلت هذا الصديق مرة أخرى، بعد شهر مثلاً، فإنك تستطيع أن تذكر اسمه بربط شكله وشكل أبيك، حيث يعطيك مخك اسم صديقك الجديد.

4. الترتيب والتنظيم :

تستطيع أن تذكر الأشياء المرتبة والمنظمة بصورة أكبر مما لو كنت هذه الأشياء غير منظمة، ربما تقول: كيف ؟

دعني أطبق معك هذا الاختيار القصير، أخرج ورقة وقلماً، وبصورة سريعة وبدون إعادة حاول أن تقرأ الفقرة التالية ثم أعد كتابتها على الورقة التي معك:

برتقال- قلم- بصل- كرسي- تفاح- سبورة- بطيخ- قرع- مدرسة- خيار.

بعد المحاولة الأولى من هذا الاختبار دعني أعطيك نفس المعلومات السابقة ولكن بطريقة أخرى وحاول كذلك أن تعيد كتابتها: ( برتقال- بطيخ- تفالح)، ( بصل- قرع- خيار)، (كرسي- قلم- سبورة- مدرسة).

ستجد أنك في المحاولة الثانية استطعت استرجاع وتذكر الملعومة أكثر من المحاولة الأولى، والسبب في ذلك هو ترتيب العناصر، فهناك مجموعة الفواكه، ومجموعة الخضروات، ومجموعة الدراسة.

5. النوم:

لقد اتضح للعلماء المختصين بالتذكر أن النوم يعين كثيراً على استرجاع المعلومات الصعبة، كالأبيات الشعرية والكلمات الأجنبية والعمليات أو المعادلات الرياضية والكيميائية وغيرها من المعلومات التي يصعب حفظها في الجلسة الواحدة.

ينصحنا العلماء بعد تجاربهم أن يدرس أحدنا هذه المعادلات أو النصوص التي يجد صعوبة في حفظها في آخر وقت من يومه، بمعنى قبل أن ينام بربع أو نصف ساعة ثم ينام ويترك الباقي لمخه الذي سوف يركز هذه المعلومات بصورة عجيبة في ذاكرته، أثناء نومه وراحته، ليجد نفسه حينما يستيقظ يردد وبكل سهولة ما كان عنده صعباً في حفظه قبل أن ينام.

6. تنظيم الوقت:

إن الكون كله يمشي وفق تنظيم دقيق، فالمجرات والنجوم والإنسان والدورة الدموية كلها تسير وفق نظام ثابت. كذلك حتى لا تنسى..نظم وقتك.. فالشخص المنظم دوماً يتذكر ولا ينسى.

7. التطبيق العملي:

لماذا لا يخطىء الإمام كثيراً في قراءته؟ ولماذا لا تخطىء ربة البيت حين تعد أطباق الطعام ؟ ذلك لأنهم يطبقون ما تعلموه في حياتهم.

8. مكان الاستماع والتعلم:

مكان الاستماع والتلقى وما يحيط به من مؤثرات يؤثر تأثيراً بالغاً في حفظ أو فقدان المعلومات. فعلى سبيل المثال: الطالب إن وجد فصلاً هادئاً يستطيع أن يستوعب المعلومات ويحفظها بل ويسترجعها أسرع من ذلك الطالب الذي يستمع إلى شرح المدرس وبجوار الفصل مصدر مزعج من الضجيج كآلات البناء وغيرها.

9. الصلاة والخشوع:

يقول وليم ملتون مارستن الأخصائي في علم النفس: العقل الإنساني يصبح أداة مدهشة الكفاءة إذا ركز تركيزاً قوياً حاداً، وهذه القدرة تكتسب بالمرانة، والمرانة تتطلب الصبر، فإن الانتقال من الشرود إلى حصر الذهن حصراً بيناً محكماً هو ثمرة الجهد الملح، فإذا استطعت أن ترد عقلك مرة بعد أخرى، وخمسين مرة، ومائة مرة، إلى الموضوع الذي اعتزمت معالجته فإن الخواطر التي تتنازعك لا تلبث أن تخلي مكانها للموضوع الذي آثرته بالاختيار والعناية، ثم تلقى نفسك آخر الأمر قادراً على حصر ذهنك بإرادتك فيما تختار.

ونستطيع أن نقول إن الصلاة في الإسلام هي تمرين على ملكة حصر الذهن في الإنسان، فالمصلي الذي يستطيع ويحاول بكل قدرته أن يحصر فكره طيلة الوقت الذي تستغرقه الصلاة، وهو ما يسمى بالخشوع، لا شك بأنه تنمو فيه ملكة حصر الذهن، وتصبح له أكبر معين في سائر الأعمال التي يزاولها.

10. التقوى:

أو ما نسميها بالنظافة النفسية الداخلية، ولعل سائلاً يقول: وما هو أثر التقوى في الحفظ أو الذاكرة؟ الجواب أن التقوى تحدث حالة نفسية عجيبة هي مزيج من الهدوء والاهتمام والخشوع والتقدير والتأمل والتدبر ووزن الأمور، وهذا المزيج ينتج حافظة هائلة.

11. التكرار:

ومن جملة العوامل التي تتدخل في تنمية الذاكرة التكرار، فترداد قطعة من الشعر أو النثر (25) مرة يثبتها في الذهن أكثر مما لو كررت (10) مرات، هذا إذا تدخل عنصر الترداد فقط.

12. الارتباط بالأحداث:

إن ارتباط حادثة بخوف أو فرح أو حزن أو معركة ترسخ الذكريات أكثر. وهذه طريقة القرآن الكريم لأنه كان يتنزل مع الأحداث.

فمثلاً سورة الأنفال تتكلم عن غزوة بدر، وقسم من سورة آل عمران يتناول غزوة أحد، وسورة الحشر تتكلم عن غزوة بني النضير، كما أن قسماً من سورة النور يتناول حادثة الإفك، وهكذا.

13. فهم الكلام:

كلما ازداد فهم القطعة كانت أسهل في الحفظ، وكلما تعقدت تعسر حفظها.

14. الجرس الموسيقي:

إن صيغة الكلام الجميلة تساعد في الحفظ، ولذا كان العلماء ينظمون العلوم بقصائد شعرية، وقبل هذا الجرس القرآني فهو جرس موسيقي يعين على الحفظ.

15. مصدر الكلام:

إن سماع الكلام من قائد غير سماع الكلام من رجل عادي، ومعرفة أن الكلام وحي من الله عز وجل يعطي سلطاناً على القلوب غير كلام البشر.

16. السلامة الجسمية:

الجوع يحرم الإنسان من تركيز فكره، وبالتالي جودة الحفظ والاضطراب العام يحرم الإنسان من الانكباب على الحفظ، وكذا المرض، والضعف، والوهن.

17. الوقت:

يعتبر الوقت الذي يكون قبل طلوع الشمس وكذا الوقت الذي يكون قبل الغروب هي أوقات اعتدال للحفظ والمذاكرة، والربيع فصل طيب للمذاكرة، وهدوء الليل وقت جميل للتأمل وهكذا