القدرة الثانية هي القدرة على تحمل المسئولية، هذه القدرة تجعل هناك سهولة في اتخاذ القرار وتمنع باب الحجج الواهية التي يبرر الإنسان بها تقصيره وإهماله وعدم قدرته على تحمل المسئولية.
القدرة الثالثة هي تحييد الحالة الإنفعالية، والإنفعال قد يكون ايجابيا ومطلوبا في كثير من الأحيان ولكن حين نأتي لحل مشكلة غالبا ما يكون تأثير الإنفعال تأثيرا سلبيا، والإنفعال هنا قد يكون غضب يخرج الإنسان عن شعوره ويجعله يتمادى فيما يؤذي به آخرين ويترتب عليه قرارات خاطئة أو حب يدفع إلى التحيز دون مراعاة حقيقة الموجه له هذا الحب، أو شفقة أو خوف يرعبنا من أخذ الحقوق وهكذا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
أما تغيير إدراك المتضرر فله نظام آخر
يجب أن نفهم جيدا أن الأحداث من حولنا ليست مطلقة بمعنى أنه لا يوجد موقف نستطيع أن نحكم عليه أنه موقف سعادة مطلقة أو موقف حزن مطلق ولكن إدراكك له يكون على حسب ظروفك وعلى حسب توجيهك رؤيتك.
كمثال: لدي محل تجاري في مستوى متوسط
العاطل سيراني محظوظة وأعمل في عمل يتمناه
الفقير الذي يجد بالكاد ما يأكله سيراني غنية غنى فاحش
أنا لدي مشاكل خاصة بهذا المحل فسأراه بالنسبة لي مشكلة تؤرقني وتضايقني
أما رجل أعمال فسيصنفني من الفاشلين الذين لم يعرفوا كيف يبنون المشروعات
أي هذه الرؤى هي الرؤية الصحيحة لحالي؟
تلك هي أحداث حياتنا بلا استثناء
تستطيع أنت أن تغير حكمك عليها بأن تنتقي الأوجه الإيجابية للحدث وتسيطر به على رؤيتك فلا تجعل نظرتك للأمور رد فعل عشوائي ولكن تجعله تحت سيطرتك وهكذا تكون قد تحكمت في حياتك.
ولكل موقف إيجابياته وتماشيا مع المثال السابق نجد أن العاطل والفقير أدركوا حالتي بشكل إيجابي ولهم حق فأتبنى موقفهم وأقل الحمد لله على هذه النعمة.
مثال آخر تكرر من حولي متعلق بظروف اجتماعية تجبر امرأة على أن تكون سجينة بيتها سواء مع أهلها أو زوجها وكلمة سجينة هي من وجهة نظرها الخاصة، فإذا رأت امرأة تخرج إلى العمل تحسرت على نفسها وإذا رأت امرأة حرة تذهب وتأتي متى تشاء حسدتها على حريتها.
هنا إنتقت هذه المرأة سلبيات ظروفها وإيجابيات ظروف الآخرين فأصبحت ترى أنها الضحية وأن الأخريات هن الفائزات مع أن المسألة متعادلة لأن جميع الأطراف لديهن سلبيات وإيجابيات داخل ظروفهن، فالجالسة في بيتها لديها وقت لتقرأ وتتعلم ولديها الوقت لتتصفح الإنترنت وتتفاعل مع البشر من خلاله ولديها حتى الوقت لتعمل مشروعا في بيتها يسليها ويدر دخلا أو على أقل تقدير لديها الوقت الذي لا تجده أخريات لتهتم بنفسها من أجل زوجها فتجذبه إليها وتكون سندا له فتضيف لحياتها زوجا راضيا، والأخريات ليس لديهن هذه الفرصة، أما عن سلبيات خروج المرأة في هذا الزمن فهي مسألة غنية عن التعريف،
واختصارا فإن المرأة المبدعة هي التي تحول سجنها إلى جنة في هدوء ودون الإستعانة بالآخرين.
المبدع ماذا يفعل في عمله؟
الإبداع كما اتفقنا من قبل يظهر مع ظهور المشاكل والصعوبات، فإذا كانت الحياة هادئة بلا مشكلات كيف سيظهر الإنسان المبدع،
حين رأى الإنسان أن تقشير البطاطس مسألة شاقة اخترع أحد المبدعين قشارة البطاطس
عندما حدثت أزمة في الطاقة ومصادرها بدأ العلماء المبدعين في التفكير في مصدر آخر للطاقة بدلا من البترول
هناك الإبداع في كلا الحالتين على اختلاف تعقيداتهما ومهما بلغت بساطة ما فعلت فإنه يندرج تحت دائرة الإبداع طالما أنه تيسير لصعوبة أو حل لمشكلة بشكل جديد
إن تسهيل مشقة في عملك هو إبداع
وإيجادك أفكار لتطوير أو تحديث ما تقوم به أيضا إبداع
وهنا أود أن أضع مرادفا آخر كبديل للإبداع وهو "الإحسان" الذي تحدثت عنه آيات كثيرة في كتاب الله منها:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) – المائدة
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) – البقرة
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) – آل عمران
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) - يوسف
إبداعك في عملك لا تربطه بالمال، فلا تقبل عملا ثم تقول لن أبدع فيه لأن ماله قليل ذلك لأن أجرك على الله وهو سبحانه قادر على أن يرزقك بحقك من حيث لا تحتسب، كما أن من أسباب الدنيا العادية لرقي الإنسان في عمله أن يُعرف بأنه كفء وكيف سيعرف الناس ذلك وهو لا يريد أن يعمل أي شئ إلا بالمال، وإذا فرضنا أن زاد مالك بدون مجهود فسيكون ذلك بمثابة تشجيع لك بأن تطالب بأجر إضافي دون مجهود يذكر، وستقول لنفسك لماذا أتعب في عملي وهم يتقبلون مني القليل.
وعن حالات أخرى حدث معي موقفا متعلقا بالإبداع أود مشاركتكم فيه، ذلك أن مدرب أبنائي الخاص بألعاب القوى قصدني في أن أبحث له عن عمل على أساس أنني أعمل بالتليفزيون المصري، وقال أريد أن أعمل في التليفزيون أي شئ ولو موظف أمن، فمعي بكالوريوس تربية رياضية.
لقد فوجئت بهذا الموقف وظللت أفكر في أبعاده
إنسان يحمل بكالوريوس تربية رياضية يريد أن يعمل أي شئ ولو موظف أمن (يعين بالدبلوم)
والسبب في هذه الفوضى كان واضح
(1) وجود هدف غير محدد الملامح وهو إيجاد مصدر دخل
(2) عدم وضع خطة لتنفيذ حتى هذا الهدف العشوائي
الطبيعي كان التفكير في الوظيفة التي تتناسب مع المؤهل (في هذه الحالة التدريب)
ثم الأماكن التي يمكن السعي فيها (النوادي، المدارس، الحضانات، صالات الجمنيزيوم الخاصة، تدريبات خاصة)
ثم التحضير للتقديم داخل هذه الأماكن
هذا التحضير المبدع من الممكن أن يكون بوضع خطة تدريبية خاصة ومتميزة للنهوض باللياقة البدنية لطلبة المدارس أو الحضانات مثلا، أو عمل موقع بسيط والإعلان عن برامج تدريبية وأسعار جذابة للمواطنين العاديين، أو التسويق بأي طريقة مناسبة والإبتكار في طريقة العرض بأقل تكاليف.
هذا هو السلوك المبدع تجاه حل مشكلة خاصة بطلب العمل.
والإبداع ليس له حدود فكل إنسان يستطيع أن يأتي بورقة وقلم ويبدأ في وضع خطته الخاصة بتحديد الهدف والطريق المبدع الذي يصل إليه، ثم يضع كل أفكاره في هذه الورقة مهما كانت صعبة ويبدأ في تنسيقها وإيجاد حلول وبدائل لها، فكم من أهداف صعبة بدأت بفكرة بسيطة أو حلم صغير وببعض العزيمة والإيجابية والإصرار.
وإذا أردت أقصر الطرق لتفعل هذا فعليك بتوجيه حلمك بنية خالصة لله ولنفع المسلمين وليس نفعك الخاص ولو أن نفعك الخاص مرتبط بشكل مباشر بنفع الآخرين لأنك ترضي الله وتفعل ما امرك به ولأن الآخرين هم جزء من مجتمعك الذي إذا صلح ملأت الدنيا من حولك بالعدل والحب والإيثار.
المفضلات