كيف تصبح مبدعا
ما هو الإبداع؟ هل هو الخروج عن المألوف كما يظن البعض سواء كان هذا الإنحراف إيجابيا أو سلبيا المهم أن يكون غريبا؟ لا اعتقد ذلك.
الإبداع الحقيقي من وجهة نظري هو إيجاد حل بسيط غير مألوف لمشكلة تواجهك والشخصية المبدعة هي التي تكرر هذه الحلول حتى أصبحت جزء من شخصيتها
هذا التعريف يحمل جزئيتين هامتين وهو أن الإبداع حل وأنه في إتجاه التيسير. لذا فإن الإبداع هو معنى إيجابي ولا يجوز إطلاقه على توجهات سلبية وليس كل الخروج عن المألوف إبداع.
حديثي هنا لا يتعلق بالإبداع الفني فالإبداع الفني مجال ضيق جدا وله مواصفات خاصة به أما الشخصية المبدعة فمجالها جميع نواحي الحياة.
الإبداع هو أن تسير في الاتجاه المنطقي الذي يسير فيه الناس فإذا واجهتك مشكلة فإنك تغير إتجاه إدراكك وتتحول إلى طريق آخر بشكل لا يتوقعه أحد.
لتفعل ذلك تحتاج في البداية بحسب المثال السابق أن تسير مع الناس بمعنى أنه يجب أن يكون لديك العلم الذي تواكب به مسيرة الناس من حولك حتى تتحين الوقت المناسب الذي تحيد فيه عنهم لتخرج بأفضل الحلول وأيسرها.
والعلم هنا له معنيان أولهما هو العلم بسنن الله في كونه لأنها الحقيقة الوحيدة التي تستطيع ان تبني عليها أفعالك وتطمئن لنتائجها فإذا تعلمت سنن الحياة تعلمت معها الحل الأمثل لمشاكلك وأنت على علم مسبق بالنتائج يقينا في الله سبحانه. وعلم سنن الله في أرضه يعني العلم بأسباب نصر الله للمؤمن والعلم بأقدار الله وإدراكها على أنها كلها خير والإمتثال لها بشكل إيجابي والعلم بجوانب الإبتلاء ونتائجه ووعود الله للمؤمنين، كل هذا تستطيع أن تستشفه من قراءتك في سيرة رسول الله وفي القرآن ومن قصص القرآن ومن التأمل في أحوال الناس من حولك وبالقراءة في تاريخ من سبقك قراءة تحليلية معتمدة على شرع الله.
وثانيهما علم الدنيا وهو فرض على جميع المسلمين أخذا بأسباب الإرتقاء في الأرض، فعلى الطالب أن يجتهد في دراسته ويحاول أن يحصل من العلم بقدر طاقته حتى يخرج إلى الحياة العملية قويا محصنا بعلمه وعلى العامل أن يجتهد في عمله وأن يرتقي بقدراته وعلمه ويتقن في عمله.
بعد عملية العلم تحتاج لأن تعتاد عمق التفكير فلا تكتفي بالواضح السطحي لأن أحداث الحياة مثلها مثل الجبل الجليدي لا يظهر منها إلا 1% من حجمها والإنسان المبدع يرى ذلك حين ينظر إليه فلا يكتفي بما يرى وينزل إلى الأعماق ليرى بقية الجبل فيدركه كاملا فيصبح قادرا على التعامل معه.
وهذا العمق يتأتى بأن تستمع إلى الآخرين بإنصات، عليك أن تستمع إلى الجميع ولا تستنكر رأيا بل تسأل عن حيثيات هذا الرأي وتحاول أن تفهم كيف وصل صاحب هذا الرأي إلى رأيه وما هي المؤثرات التي أدت به إلى هذا الأسلوب والتوجه.
كل إنسان له منطق جعله يتبنى رأيا محددا. خطأ وصواب هذا الرأي يكمن ليس في مدى منطقيته لأن المنطق شئ نسبي ولكن الإختلاف يكمن في نوع المعلومات التي بُنيَ عليها هذا المنطق وفي الدوافع الداخلية لهذا الشخص، لذا فإن سماعك لجميع الآراء والتفكر فيها يجعلك أكثر عمقا لأنك أصبحت تغطي وجهات نظر عديدة عند مواجهتك لمشكلة ما، كما أصبح لديك فهم لطبيعة من تتحدث معه فإذا أردت التأثير عليه تستطيع أن تجد الباب الصحيح الذي تدخل منه لتعديل منطقه بعد أن استوعبت السبب وراءه (المعلومات والدوافع).
المبدع قد يواجه مشكلة في بيته ولكنه لا يستسلم لها بل يُوجِد الطرق التي يخرج بها منها حتى لو كانت مشاكل قدرية لا يمكن تغييرها.
المشكلة لها طرفين (1) المشكلة (2) المتضرر فأول محاولة للحل هي في تغيير المشكلة وحلها فإن كانت غير قابلة للحل فيجب التعامل مع المتضرر لتغيير إدراكه ورؤيته للمشكلة وطريقة تناوله لها.
حل المشكلة يصعب الحديث عنه ذلك لأن كل مشكلة ولها الأسلوب الذي يتفق معها بحسب طبيعتها لكن بشكل عام معظم حل المشاكل يحتاج لقدرات هامة منها القدرة على إتخاذ القرار، وهذه القدرة يعززها ويقويها اليقين في الله لأن الإنسان مهما بلغت به الثقة في نفسه فإنه لا يملك لنفسه شيئا لذا فإنه يثق فيمن يملك كل شئ أنه سبحانه سيعينه على تحمل تبعيات قراره وأنه سيلطف به في حالة حدوث أي شئ غير متوقع.
يتبع...
المفضلات