عُمر عاصي - الجزيرة توك - يافا

متى نقرأ ؟ وماذا عن “نظرية الوقت المقدس”؟ وماذا عن ضيق الوقت؟ وهل هي مشكلة حقيقة؟ وما الحل إذن؟ كثيرًا ما يظن أصحابي أنني اخصص كل يوم وقت معين للقراءة ، يكون مقدسًا، وحان الوقت اخيرًا بأن اؤكد أنني نادرًا ما افعل ذلك. إن احد ابرز أسباب ذلك الظن تكمن في أن أولئك الذين يرشدون شبابنا للمطالعة، يحصرون نصائحهم في أن تكون القراءة ركنًا أساسيًا ضمن برنامجهم اليومي وأن يتحيّنوا أوقات الإنشراح والسعادة وجعلها للقراءة..، فيخرج الشاب من المحاضرة كما دخل على الأغلب!

عن نفسي، فإن تجربتي المتواضعة مع المطالعة الجادة ، بدأت عام 2001 (الصف الثامن) مع رواية عرس الزين للطيب صالح وكان ذلك عندما أجبرتنا المعلمة على تلخيص رواية نختارها فذهبت للمكتبة واخترت اقصر رواية وقرأتها ولخصتها.. بعد ذلك إنقطعتُ عن المطالعة لحوالي خمس سنوات حتى عدت وبدأت رحلتي التي لا زالت مستمرة مع المطالعة، ونعود للموضوع الأساسي وهو متى أقرأ وما هو نصيب “الوقت المقدس” في رحلتي هذه؟


أولاً: في السفر


كان بداية رحلتي “الجديدة” مع رواية فوضى لأحلام مستغانمي، حين أعارتني إياها خالتي.. وعندما لاحظت احتواء الرواية على ما قد يغيث رغباتي سواء كانت أدبية أو شبابية “مُراهِقة” عزمت أن أقرأها وكانت طويلةً جدا بالنسبة لشخص لم يقرأ في حياته إلا رواية واحدة وهي أشبه بالقصة القصيرة وطولها لا يتعدى الـ 115 صفحة، فأول يوم تناولتها خصصتُ “وقتًا مقدسا” وقرأت خمسين صفحة.. وانتهى ذلك الوقت فمضت أيام وانا لم المسها.. حتى قررت بأن اصطحب الرواية مع كل يوم في طريقي إلى المدرسة حيث كنت ادرس في مدينة الطيبة والتي تبعد عن قريتي 25 دقيقة تقريبًا.. وقرأت معظم ما قرأت منها في الحافلة!! واليوم بينما ادرس في مدينة تل ابيب، وجدتها فرصة رائعة للقراءة في الوقت الذي اقضيه في سفري عبر القطار، ولا أبالغ إن قُلتُ بأن معظم قراءاتي في عام 2008 كانت في القطار، فرواية عالم صوفي والتي تحوي 550 صفحة وقصة جوجل التي تحوي 350 صفحة.. وكتب أخرى كثيرة.
إذن فلن تخسر يا صديقي شيئا إن اصطحبت معك كتابًا تقرأهُ في الحافلة، القطار .. أو أية وسيلة نقل بشرط أن لا تكون أنت قائد المركبة !



ثانيًا: في المدرسة أو الجامعة!

عندما تشير الساعة إلى انتهاء وقت الدرس أو المحاضرة،، كنت اجدني وكثيرون مثلي نخرج لنتحرر من الأجواء خارج الغرفة، أو بعيدصا عن اماكننا التي مكثنا فيها طيلة المحاضرة، فشر البلية ما كان في المرحلة الثانوية عندما كنا نخرج ونقف امام بوابة الصف لمُعاينة “الرايح والجاي” ولا اظننا كنا نكتسب شيئا غير السيئات في مثل تلك “الوقفة”، وفي آخر تلك المرحلة وبسبب فوضى الحواس، اصبحت اصاحب معي كتابًا اقرأ فيه كلما قررت انني لست بحاجة للمزيد من السيئات، والآن وبينما انا في المرحلة الجامعية، اجد أن الاوقات التي تكون بين المحاضرات أو الإستراحات (كوني ادرس في كلية) وقتا مميزًا للمطالعة والكتابة أيضًا، فقد قرأت فيها الكثير من صفحات الشيخ محمد الغزالي وكتاب مبادئ الإبداع وقرع على بوابة المجد…




ثالثا: في أوقات الإنتظار
في السنة التي عملت فيها بمدينة “بيتاح تكفا”، كنت اضطر في كثير من الأحيان أن انتظر الحافلة لنصف ساعة أو ساعة،، ولأن الواحد منا كثير ما يقضي وقت الإنتظار بلعنة الباص أو التأفأف على سوء حظه.. والتفكير بكل ما هو سلبي.. فقد إجتهدت أن اصطحب معي كتابًا كلما تسن لي ذلك، حتى “استمتع” كلما فاتتني الحافلة بالمطالعة، وليست المسألة تنحصر في إنتظار حافلة، أو إنتظار القطار.. فما أكثر ما نذهب للطبيب ونجد أن دورنا الذي كان من المفترض أن يكون الساعة الواحدة ظهرًا قد تأجل إلى الثالثة ظهرًا.. وكذلك في المؤسسات الحكومية حيث يصل الدور احيانا الى 500 وربما أكثر، ومع أن هذه الوسيلة كثيرا ما جعلتني استمتع بالإنتظار إلا انها خانتني في اكثر من مرة حيث كنت انهمك بموضوع الكتاب أو المقالة أو ما شابه، لأجد أن الحافلة غادرتني!! ونصيحة أخيرة بأن هذه الاوقات ممتازة لكتب مثل: مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي، أو موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام لاحمد الشنواني وغيرها من الكتب التي لا تتطلب منا أن نقرأ كل الكتاب حتى نستوعبه!


رابعًا: في الأوقات “الغير مقدسة”وهي إحدى الوسائل المهمة التي إستعملتها والدتي معنا، حيث كانت تضع لنا كتابًا في أكثر الاماكن التي نتواجد فيها، وفي هكذا اماكن لا بد وأن الإنسان يشعر بالملل احيانا فلا يجد ملاذًا امامه إلا بالكتاب، فينطلق نحوه ليتصفحه ويلوذ به وإليه.. حتى يقضي على الملل، وفي هذه الأوقات لا يمكن للانسان أن يقرأ الكتب التي تتناول مواضيعًا متكامله. اود التنبيه بأن هذه الوسيلة يمكن أن تحوي بداخلها فكرة القراءة قبل النوم، حيث تضع بجانب سريرك كتابًا أو عدة كتب تقرأها قبل النوم، وهي من الأفكار المنتشرة جدًا بين معشر القراء وناجحة جدًا . تعتبر هذه الأوقات ممتازة لتناول كتب مثل، هكذا علمتني الحياة لمصطفى السباعي، والمستطرف في كل فن مستظرف للابشيهي ومتعة الحديث لعبدالله الداوود وغيرها من الكتب التي تحوي القصص القصيرة والأشعار والحكم..!


خامسًا: في المكتبة !


قصدت أن اجعل هذه الوسيلة في الترتيب الأخير وذلك لأن قليلٌ من هو مستعد لأن يطبقها وبالنسبة لي هي مشابهة جدًا لفكرة الوقت المقدس، مع انها أكثر منطقية -بالنسبة لي على الأقل- ولكني والحمدلله حصلت على نسخة من مفتاح مكتبة دار القرآن في قريتي، ولا اخفي عليكم اني كثيرًا ما اشعر بالتقصير تجاه المطالعة كلما دخلتها،، ورغم رغبتي بمطالعة كل شيء إلا انني وبعد ان اهدء قليلاً أعمد إلى كتاب يلبي لهفة فضولي، فاتصفحه وربما اقتبس منه واكتب عنه لاعيده واستلم غيره مما يتيح لي فرصة إكتشاف اكبر عدد ممكن من الكُتاب والكتب.
اخيرًا،، بعد إستعراض هذه الخمسة أماكن والأزمان اؤكد انني نادرًا ما اخصص وقتًا للقراءة، ورغم ذلك فقد نجحتُ في أن اكون مطالعًا متوسطًا على الأقل فلا اقرأ اربعة كتب في الشهر ولا كتابين، فهناك أشهر اتمكن أن اقرأ فيها 4 كتب بينما قد يمر شهر لا انهي فيه نصف كتاب!