كيف يتعلم الناس؟



“إن رحلة المليون ميل تبدأ بخطوة واحدة" عندما يعطى الناس كماً هائلاً من المعلومات في فترة زمنية قصيرة، فإنهم يصابون بالفزع.

وعند مواجهة معلومات جديدة فإن المرء بحاجة إلى معرفة أي منها يدخل في نطاق اهتمامه وأيها يقع خارج حدود اهتمامته.

إن المعلومات الجديدة تكون أسهل هضماً واستيعاباً عندما يكون لدى المرء صورة واضحة للهدف أمامه.



ويدلل الدكتور جون لي الخبير البارز في الإدارة- هذه الحقيقة في دوراته العملية التي يعقدها عن طريق إعطاء المشاركين في دوراته لغزاً مكوناً من سبعين قطعة لجمعها ووضع كل قطعة في مكانها المناسب حتى تتشكل صورة اللغز. المجموعة الأولى زودت بصورة عن شكل اللغز؛ أما المجموعة الثانية فقد كانت تجمع قطع اللغز دون أن يكون لديها علم مسبق بالشكل النهائي لصورة اللغز. وفي كل مرة وبدون استثناء، كانت المجموعة التي يكون لديها الصورة تنهي أولاً. لماذا؟

لأنهم يعرفون هدفهم مسبقاً.

فقد كان لديهم ميزة امتلاك مخطط النجاح الذي واجهوه قطعة قطعة.





هل تستطيع تذكر متى تعلمت كيفية قيادة السيارة؟

قبل أن تتعلم ذلك كنت في مرحلة "الجهل". لم تكن تعلم كيف تقود السيارة ولم تكن تعلم لماذا كنت تجهل قيادة السيارة.

وعندما خرجت لأول مرة مع مدرب السياقة وصلت إلى المرحلة الثانية:

وهي مرحلة الوعي. ومع ذلك مازلت لا تقدر على قيادة السيارة، ولكن وبسبب وعيك الجديد بالسيارة وأجزائها فقد كنت تعي لماذا لا يمكنك قيادتها.

وحتى هذه اللحظة، في مرحلة الوعي، كنت على الأقل تدرك ما يجب عليك فعله لكي تكتسب مهارة قيادة السيارة.

وربما انتابك شعور بعظم المهام التي أمامك، ولكن وعندما تجزأت هذه المهام واجتزتها واحدة تلو الأخرى فإنها لم تكن بتلك الصعوبة التي بدت لك في المرة الأولى. واصبح بالإمكان تحقيقها، وشيئاً فشيئاً حلت الألفة محل الخوف.وبالمثل، سيحتاج عمالك في المرحلة الثانية (التدريب) إلى الإحساس بالشعور بالسرور والبهجة بالخطوات الصغيرة الناجحة التي حققوها حتى الآن ممتزجة بالأخطاء الحتمية ستقع أثناء اكتسابهم المهارة أو المفاهيم الجديدة...خطوة خطوة.



كيف يمكن للمدير أن ينتقل بالموظف من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية؟

عن طريق الكتب، أشرطة الفيديو، الأفلام، الاجتماعات الأسبوعية، الخطابات، الدورات، ورش العمل وغيرها من أدوات التعليم التي يمكنها أن تزيد من وعي الموظفين. وعلى المدير بالطبع أن يتأكد من أن الوعي الجديد الذي تكون لدى مجموعته سيستقر في الأذهان.





ومع المزيد من الممارسة والتوجيه أصبحت قادراً وكفؤاً لقيادة السيارة من خلال تصورك ووعيك لما يجب عليك فعله.

ومع ذلك فأنت بحاجة لأن تكون حذراً وواعياً لما تفعل وتأثير ذلك عليك وعلى الجوانب الميكانيكية للسيارة.

فيجب عليك أن تبقى واعياً بأن تستخدم إشارة الالتفات قبل أن تقوم بالالتفات بالسيارة يميناً أو شمالاً. وعليك أن تتذكر أن تراقب حركة المرور خلفك من خلال مرآتك الخلفية. وأن تمسك المقود بكلتا يديك وتلاحظ موقع سيارتك من الخطوط التي تقسم الشارع.

لقد كنت واعياً عقلياً بكل هذه الأمور أثناء قيادتك للسيارة بكفاءة. وهذه المرحلة الثالثة هي اصعب المراحل- وهي المرحلة التي ينزع فيها الأفراد نحو اليأس والترك- وهذه المرحلة هي مرحلة الممارسة. وحتماً ستقع أخطاء كثيرة في هذه المرحلة. والناس في العادة يشعرون بعدم الراحة حين يرتكبون خطأ، إلا أن ذلك جزء أساسي في هذه المرحلة. ويميل البشر إلى الشعور بالضغط عندما يطبقون سلوكاً جديداً، وبخاصة عندما لا يكون أداؤهم جيداً. وبصفتك مديراً لهم، فإنه يجب عليك تدرك أنهم سيحاولون الرجوع إلى السلوك القديم الأكثر راحة لهم، حتى وإن كان ذلك السلوك أقل إنتاجية.



ويمكنك أن تلعب دوراً رئيساً عن طريق مساعدة فريقك عند مواجهتهم المطبات الصعبة.

ولا بأس عليهم إذا ارتكبوا بعض الأخطاء. بل الحقيقة أن من الضروري أن يرتكبوا الأخطاء حتى يتحسنوا من خلال الممارسة، ومزيد من الممارسة. شجعهم لتخطي هذه العقبات، وستجني أنت وهم ثمرة إصراركم. ووظيفتك كمدير هي أن تساعدهم عن طريق متابعة المعرفة الجديدة التي اكتسبوها بتطوير ملموس لمهاراتهم. وهذا بدوره قد يأخذ أشكالاً عدة بحسب احتياجات ورغبات كل مجموعة. وبعض الأمثلة على هذه المتابعة يمكن أن يكون من خلال لعب الأدوار؛ القيام بمكالمات مشتركة للبيع؛ التعرض المتكرر للرسائل مثل الاستماع إلى أشرطة التعليمات أثناء الذهاب إلى العمل؛ ورشات عمل غير رسمية لتشجيع تطوير المهارات؛ أو تقديم التدريب والاستشارة للموظفين لمساعدتهم في تنمية وتطوير العملية.

لنعد الآن إلى مثال قيادة السيارة، هل تذكر آخر مرة قدت فيها السيارة، هل كنت على وعي بجميع الأفعال التي ذكرناها سالفاُ؟ بالطبع لا! لأن غالبيتنا وبعد فترة من قيادة السيارة نتقدم إلى مرحلة "الأداء الاعتيادي".

وهذا هو المستوى الذي نقوم فيه بأداء عمل ما على نحو جيد دون أن نفكر بالخطوات، فهي تأتي بصورة طبيعية لأننا مارسناها لفترة طويلة واعتدنا على أدائها فتحولت إلى ملكة تلقائية.

وهذه هي المرحلة الأخيرة التي تتحول فيها الممارسة إلى عادة تلقائية. إن الأمثلة التي ذكرناها يمكن أن تفيدك في تدريبك المهني من خلال المراحل الثلاث للعمليات غير المريحة: مرحلة الجهل ومرحلة الوعي ومرحلة الممارسة من أجل أن تصل إلى أساس النجاح وهو المستوى الأعلى من "الأداء الاعتيادي".

بعد ذلك يمكن للموظفين أن يستفيدوا ويستخدموا مهارات التدريب بفعالية وعلى نحو طبيعي. وعليك أن تتذكر أنك أنت وعمالك ستدفعون ثمنا للوصول إلى مستوى الكفاءة وهذا الثمن هو التكرار والمزيد من التكرار.عندما تعلمت قيادة السيارة فإنك اكتسبت تلك الكفاءة من خلال الممارسة.

والشيء نفسه ينطبق على مهارات العمل. فالمهارات الجديدة تتطلب تغيير بعض العادات التي اعتادها فريق عملك.

وإذا كان هذا هو الحال فعليك أن تتوقع في البداية بعض الانخفاض في مستوى الانتاجية، وهذا أمر طبيعي في كل عمليات تغيير السلوك. ولكن ومع اقترابهم من مرحلة المستوى التلقائي في الأداء من خلال الإصرار والممارسة، فإن مستوى الإنتاجية ستتضاعف إلى ما وراء المستوى الحالي لتصل إلى قمة أعلى. إن هذا النموذج ذا المراحل الأربع للنجاح يمكنه أن يساعدك أنت وموظفيك للخروج من القوقعة الحالية. ومن خلال التشجيع ومشاهدة نتائج النجاح في كل مرحلة من هذه المراحل، فإن التغيير يكون ممتعاً لا مرهباً. والنتيجة النهائية هي: أن المهارات والمسلكيات يتغيران نحو الأفضل خطوة خطوة،

مع تطبيق نظام من الدعم ولقاءات لتطوير المهارات.




( المصدر : نشرة النخبة الإدارية العدد رقم : 55)