لكل خلية من خلايا جسم الإنسان وظيفة تقوم بها بالتعاون والتوافق مع غيرها من الخلايا _ فهي بمثابة نغم في أركسترا مكونة من مجموعة كبيرة من الأنغام التي تشكل بمجموعها هيكل المقطوعة المعزوفة وروحها اللذين سيكون لهما التأثير العميق في المستمعين من متذوقي الموسيقا.


حياة الخلية وموتها إحدى معجزات الخالق:


إن الخلية في أعضاء الإنسان تتمتع بالنوعية والحيوية والفعالية وتتمتع بقوة النمو والدفع .. فهي دينامية. وليست ساكنة مما يكسبها مع باقي خلايا الجسم صفات القوة والديمومة والانتقال من جيل إلى جيل . وإن ما تختزنه من قوة كامنة تنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء لهو أمر يذهل العقول كلما تأملنا في دقة تكوين هذه الخلايا . ولا تفسير لما تختزنه من قوى كامنة تعمل في أوقاتها إلا " قدرة الخالق وعظمة مشيئته ".


وما أعجب ما نلمسه من تعاون الخلايا بعضها مع البعض الآخر لتجعل من الإنسان قوى فيزيولوجية تساندها قوى نفسية تتبادل معها صفة العضوية النامية . ولذا فأننا لا نشك بأن العقل السيلم نتيجة لعضوية سليمة. بعيدة عن الأمراض.


الرياضيون أقدر على التفكير السليم:


وإننا نلاحظ أن الملكات العقلية تتفتح وتنمو بصورة أفضل لدى الناشئين الذين يمارسون الألعاب الرياضية. فهم يتمتعون بالصحة والنشاط. فطاقاتهم النفسية في حالة تفتح دائم. وتستمد نشاطها من عضوية سليمة تمنح حياتهم النفسية الطاقات القوية المبدعة.


وكل من يلاحـظ الطلاب يلمس مدى تفتح الذكاء لدى الرياضيين النشيطين. كما يلمس الكسل الذهني لدى هزيلي الأجسام والمرضى من الطلاب. وقد صنف فلاسفة اليونان الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان كي يكون مواطناً كاملاً: إنهم يبدؤون بالرياضة ثم الموسيقى . ثم المحاكمات الفكرية التي تنتهي بالفلسفة . هذه هي المراحل التي يجب أن يمر بها الإنسان الكامل.


الأغراض المرضية تشل التفكير السليم:


ويعلم كل إنسان بأنه لا يتمكن من التفكير السليم إذا كان مريضاً . أو كانت حرارة جسمه مرتفعة ولو قليلاً عن حالها الطبيعي _ فليس هناك نشاط اجتماعي أو فعـــالية جسمية أو إنتاج فكري في حالة المرض ( والمرض هو الخلل في بعض الخلايا العضوية أو خلل في توازنها ).


وقد يؤثر ارتفاع حرارة الإنسان في سلامة خلايا الدماغ . وقد يصاب المريض بالتهاب السحايا مما يؤدي إلى جنون في بعض الحالات وإلى النقص العقلي . فحذار حذار من المرض وارتفاع حرارة جسم الإنسان لأنها عامل كبير في إيقاف حيويته وقتل نشاطه, والإخلال بتوازنه الفكري.


الغذاء الكامل الضروري لصحة الجسم والعقل:


لا شك مطلقاً بأن خلايا الدماغ تحتاج في نشاطها إلى جسم سليم كي تعمل بكل طاقاتها , ولذا فإنه من الضروري أن يهتم الأهل بتغذية أولادهم تغذية جيدة ,وبتأمين الجو الصحي المناسب لهم . كما أن المدرسة يجب أن تتوفر فيها مقوّمات الصحة . من شمس وهواء وباحات لقيام الطلاب بنشاط جسمي يدفع الملكات العقلية لنشاط فكري ويمنح الملكات النفسية مداها من التفتح والحيوية.


كلنا يعلم بأن الفعلية الذهنية تضعف كثيراًعندما نصاب بوعكة صحية إثر التهاب في القصبات ورشح عنيف . وفي هذه الحالة لا نتمكن من القيام بأية محاكمة سليمة . ونشعر بانحطاط عام نضطر معه إلى التزام الفراش _ فسلامة الخلية العضوية يجعل من الخلية العقلية أداة طيعة للعمل الفكري السليم _ وليس من شك أن العلاقة بينهما هي علاقة ثابتة وبالتالي فترويض الجسم بالحركة والنشاط هو ترويض للملكات العقلية والنفسية على حد سـواء . وقد أكد مربو العالم فـي القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين هذه الحقيقة . ونصحوا بالتعليم في الهواء الطلق وفي أحضان الطبيعة، وتبنوا الحكمة القائلة : (( العقل السليم في الجسم السليم )).


بين جميع خلايا الجسم تعاون دائم:


هذا وإن الرابطة الثابتة بين خلايا الجسم هي رابطة عضوية تتعاون على حفظ التوازن بين الحياة الفيزيولوجية و الحياة العقلية والنفسية وتتكامل في القيام بوظائفها.


وقد أثبت علماء التشريح والفيزيولوجيا بأن كل جهاز من أجهزة الإنسان يحتاج إلى غيره من الأجهزة ليقوم بعمله وليتعاون معه في القيام بوظيفته بشكل جيد. فأعضاء التنفس تعمل بتصفية الدم. وجهاز الدورة الدموية مع القلب تقوم بإرواء أنحاء البدن. والجهاز البولي يصفي الدم أيضاً ويفرز البول. والمعدة والأمعاء تقوم بامتصاص الغذاء ودفعه إلى الدورة الدموية. وتقوم بطرح الفضلات. والعضلات تقوم بالجهد . وأجهزة الحواس من بصر وسمع وشم وذوق ولمس تلتقط المؤثرات الخارجية بواسطة أدوات هي غاية في الدقة. وتنقلها بواسطة الأعصاب إلى الدماغ ليقوم هذا بالتفكير واتخاذ الأحكام, والأمر بالحركات المناسبة وبردود الفعل الملائمة . إنها خلايا في غاية من الإعجاز في تكوينها . تتعاون تعاوناً دقيقاً ورائعاً لتوفر للجسم والحياة توازناً كاملاً, فإذا اختل عنصر من هذه العناصر الحيوية أثر في عمل بقية العناصر المكونة لهذا الإنسان العجيب.وهذا الخلل العضويوالحيوي مهما كان ضئيلاً فإنه يخلّ فيتوازن العضوية عقلاً ونفساً وسلوكاً.






يجب ألا يتبادر إلى الذهن أن الأولاد الذين يمارسون الألعاب الرياضية أذكياء بالضرورة . وينجحون في مواد الدراسة دونما أي عناء.


الرياضة واجبة لكن إلى حد :


غير أن الملاحظ قد يكون خلاف ذلك _ إذ يجب أن ترافق النشاطات الرياضية فعاليات دراسية جادة كيلا يسبب الجهد العضلي ضياعاً للوقت. وتعباً يقود الناشئة إلى التأفف من الدراسة.


فمراقبة الأولاد مراقبة جيدة واعية وتهيئة الأجواء الدراسية والمنزلية الملائمة عوامل هامة في جعله مرتبطاً بالدراسة ومحباً لها.


لا شك أن صحة الوظائف الحيوية تنعكس على الذكاء فتنشطه ولكن المبالغة في النشاطات الرياضية مضيعة للوقت وهو جهد يؤدي إلى التعب الجسمي والاسترخاء الفكري, فهو بالتالي يرهق العضوية فينعكس حتماً على الفعاليـات الفكرية ويقــودها إلـى الكسـل الذهنـي , لأن الجسـم المتعب لا يكون جسماً سليماً.
وكذلك فإن تعب الجسم بسبب السهر والنعاس فيقلق الدماغ ويشل العمل الفكري.