كيف نكون شرقيين أم غربيين ؟!
عبد اللطيف بري

كيف نستطيع أن نحافظ على قيمنا الروحية وعصريتنا؟
كيف نجمع بين الأصالة والمعاصرة؟
بين حضارة الشرق الروحية وحضارة الغرب المادية؟
عندنا فئتان من الناس:
فئة أخذت بالقيم الروحية وأضاعت القيم المادية.
وفئة أخرى أخذت بالقيم المادية وأضاعت القيم الروحية, وكان هناك تنافراً بين القيمتين..
وكلا الموقفين غلو وتطرف..
والمطلوب أن نأخذ بالقيميتين معاً ونستفيد من التجربتين.
فهناك حضارة روحية متمثلة بالشرق, وحضارة صناعية متمثلة بالغرب..
ولكن عادات الشرق لاتمثل الجانب الرةحي دائماً بل قد تمثل الجانب الجاهلي والتخلف..
وعادات الغرب لاتمثل القيم الايجابية للمادة بل تمثل سلبياتها أيضاً.
ونحن عندما ندعو الى الاستفادة من تجربة الشرق الروحية, نتحفظ من التشوهات التي أصابتها, وندعو الى إزالة تلك التشوهات وتحطيمها تماماً كما ندعو الى إزالة تشوهات الحضارة المادية وتحطيمها.
لذلك نقول: إن تخلفنا في الشرق لايعزى الى الحضارة الروحية, بل يعزى – فضلاً عن الاستعمار – الى التشوهات الجاهلية التي مازالت تتدفق في دمائنا وعروقنا , لاشعورنا وعاداتنا وتقاليدنا, ومازالت تهدد التجربة الدينية الإسلامية كما هددتها وأضعفتها في سالف العصور, وهو ماساعد الاستعمار على حكمنا قروناً طويلة.
وفي الوقت الذي لانغزو فيه تخلفنا الى القيم الروحية بدليل أن قيمنا الروحية تدعو أيضاً الى القيم المادية الإيجابية ولاتناقضهما, نعزو أزمة الغرب الى القيم المادية السلبية لأنها أهملت الجانب الانساني والروحي في الانسان, حتى أصبحت تعارض القيم الروحية بل تحاربها, وعلى أحسن التقادير لاتهتم بها.
وإذا كان الاسلام يسعى الى تكوين محتوى الانسان الداخلي الروحي كما يهتم ببعده الخارجي المادي, فإن الرأسمالية والماركسية – ممثلي الحضارة المادية – تتركان الانسان حراً في الجانب الروحي ولاتساهمان في بناء رصيده ودوافعه الروحية, فتتحول تلك الحرية الى سيف انتحار.
وإذا قمنا بجردة بسيطة لإيجابيات وسلبيات الغرب والشرق, نشاهد كيف أن الاسلام حث على تلك الإيجابيات شرقية كانت أم غربية, وحارب كل تلك السلبيات غربية كانت أم شرقية, حتى قال لنا: الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها أخذها.. أطلبوا العلم ولو في الصين الخ...
ففي سلبيات المجتمع الشرقي حارب الاسلام الفقر والتخلف والمرض والأمية والجهل والأنانية السيئة والغش والكذب والفوضى والكسل والعصبيات القبلية والتحجر العقلي والأوهام الخ..
وفي إيجابيات المجتمع المادي الغربي حث الاسلام على امتلاك القوة المادية والعلم والعمل والنظام والنظافة والصدق والأمانة والضمان الاجتماعي والعدل والتعاون الايجابي الخ...
حتى قال الشيخ محمد عبده بعد أن قام بزيارة الى أوروبا فوجد فيها هذه الإيجابيات المفقودة في العالم العربي الذي يعتنق الاسلام ولايطبقها ,قال:
"لقدزرت أوروبا فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين وجئت الى البلاد العربية فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً"!!
وفي سلبيات المجتمع الغربي حارب الاسلام ضعف العلاقات الاجتماعية, وتفكك الاسرة, وظلم الشعوب واستعمارها, وإهمال الجانب الروحي في الانسان, وضياعه الخ....
إننا نحارب تقليد سلبيات الغرب ونسعى الى الإستفادة من إيجابياته.. فنحن لم نأخذ من الغرب همته ونشاطه وكده وعلومه واختراعاته كما فعل اليابانيون بل أخذنا عاداته الاستهلاكية ومساوئه وأزياءه وطريقة لهوه وعبثه.
الغرب بدأ يعاني أزمة روحية, فمن السيء أن نعتنق مابدأ يتخلى هو عنه!
إن مأخذنا على بعض دعاة المعاصرة الجدد أنهم أخذوا من الغرب كل شيء, ورفضوا من الشرق كل شيء, ففقدوا هريتهم, وتغربوا فتشوهوا, أو أخذوا من الغرب سيئاته فقط فانحرفوا, حتى قال قائل على لسان أهل الغرب مخاطباً المسلمين:
قلدناكم فاخذنا حسناتكم
وقلدتمونا فأخذتم سيئاتنا!
المطلوب أن نأخذ من الشرق قيمه الروحية لنمزجها بقيم الغرب المادية ونتجنب سلبياتها. وبهذا يتم لنا امتلاك الأصالة والمعاصرة معاً.
وهذا ليس موفقاً انتقائياً مرقعاً سرعان ما يتهلهل كما يشنع بعض المثقفين, لأن القيم المادية الإيجابية التي ندعو إليها هي في الاساس من صميم التجربة الاسلامية التي توقفت بينما استمر الغرب في اكتشاف تلك القيم وبلورتها والاستفادة منها.