كيف يمكن تحديد القرار الجيد ؟ هل هو ذاك الذي لا نندم عليه؟ أم ذاك الذي نعطيه الوقت لكي ينضج، عبر تقليب مختلف أوجه الوضع؟ فلندع عنا المسارات الجاهزة والسريعة… أخذ القرار يعني الحزم، والحزم يتطلب بعض الشجاعة. الحزم في حد ذاته فن، ولا يخضع لأي ضوابط علمية. إنه فن القفز في الفراغ، وتقطيع الواقع في لحظة القفز نفسها. هل أقدم استقالتي أم لا؟ هل أصوت أم أمتنع؟ هل أتركها أم لا؟ ولأن التفكير في حد ذاته لا يكفي، يتعين التحلي بالشجاعة لأجل الحزم في الأمور. قد نمضي وقتا طويلا في تقييم الجوانب الإيجابية والأخرى السلبية، وقياس جميع البراهين، وطلب النصيحة والمشورة، لكن ذلك لا يكفي. إذن سأمضي، سأمضي في ظل غياب اليقين. السر في أخذ القرار، هو الشروع فيه، وذاك كفيل بمنحنا أجنحة للتحليق. إن فن أخذ القرار يتجسد دائما فيما يغيب عن مداركنا. كما أن قرارا يتأسس على المنطق، تم إيجاد ما يكفي من المبررات للقيام به، ليس بقرار. إنه مجرد اختيار. «اخترت» و«قررت» هما مرادفان لا يعنيان الشيء نفسه. الاختيار يتطلب الذكاء، في حين يتطلب أخذ القرار وبشكل خاص الإرادة والرغبة. وبعض الذكاء كذلك، لكن ذاك الذكاء لا يكفي في حد ذاته بل يحتاج للإرادة لدعمه.
ما يوجد داخل ذواتنا بمستويات غير محدودة، هو الإرادة، وليس الذكاء. أخذ القرار يعني كذلك عدم رغبتنا في أن نعرف المزيد. ويعود سر أجمل المغامرات الإنسانية إلى وجود شخص قرر المضي قدما في أجواء الشك، ورغبة ذاك الشخص الذهاب أبعد مما يعرف، مع ما ينطوي عليه ذلك من مجازفة. إذا كنا نرغب في الانتظار حتى تتأكد الأمور أمامنا قبل التصرف، فلن نقوم بأي شيء أبدا. لكن المجازفة بالتعرض للأخطار، لا يعني حب المجازفة. فالطائش يحب الخطر، ويمضي قدما بدون إعمال تفكيره. إنه أخرق، وليس بالشخص الذي يقرر. إنه طائش، وليس شجاعا. الشخص الذي يقرر يبحث قبل أي شيء، بالاستعانة بذكائه، عن كيفية تقليل الأخطار، لكنه في الآن نفسه يدرك جيدا بأن العالم لا يخلو تماما من مخاطر.