عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 29
,لا تعش على هامش الحياة
يفضل بعض الناس العيش على هامش الحياة، يعتقد أن خوض معركة الحياة أمر مزعج له نفسياً، وبالتالي يفضل أن يعيش على هامش الأحداث، متفرجاً، متأملاً، لما يحدث حوله دون الخوض مع الآخرين في معترك الحياة.
هذا الشخص يعتقد أنه بهذا يسلك درب السلامة، ويبتعد عن المشاكل، وينأ بنفسه عن الدخول في مشادات ومشاجرات ومشاكل مع الآخرين، وهو بذلك يريح نفسه من تحمل المسؤوليات، وتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات، والمحاسبة والمعاتبة، والمطالبة بالإنجاز، والقيادة والإدارة، وتحمل المسؤوليات الاجتماعية المادية الوظيفية أو الدراسية وغيرها.
يعتقد من يفضل العيش على هامش الحياة أنه بذلك يعيش حياة هانئة، هادئة، ليس فيها منغصات، وليس فيها تعب.
في الحقيقة، يعتبر هذا قرار اتخذه هذا الإنسان، وعليه تحمل مسؤولية هذا القرار وما يتبعه من تبيعات، وإن كان لا يدري أنه يتحمل المسؤوليات أو يعتقد أنه أراح نفسه.
إن أي قرار يتخذه الإنسان، سلبي كان أم إيجابي، هو في النهاية قرار، وله تبعات، وعليه التزامات. وقد يكون مثل هذا القرار له تبيعات سلبية، أولها الخسارة.
أولاً: الخسارة دائماً
الإنسان الذي يتحمل يقرر عدم تحمل المسؤوليات، يخسر أي مكسب مادي قد يعود عليه من خلال المسؤوليات، ويخسر المكاسب المحتملة سواء كانت هذه المكاسب مادية أو معنوية، يخسر تحقيق الإنجازات في حياته، تلك الإنجازات التي تعزز ثقة الناس بأنفسهم، يخسر الحصول على المكانة الاجتماعية والحصول على تقدير الآخرين، يخسر تحقيق ذاته والوصول إلى درجة من النجاح في حياته توصله إلى درجة الرضا عن الذات، وكما نعلم كل إنسان يصل في حياته إلى مرحلة ما بعد سن الـ 50، يعيش حالة من مراجعة انجازات الحياة، ومراجعة الذات، وما حققه في حياته، وشعوره بالرضاء عن إنجازاته ورضا عن ذاته، ويرتبط رضا كل شخص عن نفسه، بالمكاسب التي حققها، والجهود التي قام بها خلال حياته.
والإنسان الذي فضل العيش على هامش الحياة، وعدم خوض معترك الحياة، لا ينجز كثيراً، وإنما يعيش عالة على الحياة، فهو بذلك يخسر كل هذه الإنجازات المحتملة.
ثانياً: أنت في ذيل القائمة
من يفضل العيش على هامش الحياة فهو يعيش دائماً في ذيل القائمة، ويكون دائماً متأخراً عن الآخرين، الآخرين ينجحون في الحياة ويتقدمون عليه وهو دائماً في نهاية الصف أو في المؤخرة، يرى جميع أقرانه وزملائه ممن هم في سنه أو في نفس المستوى الاجتماعي أو في نفس المرحلة الدراسية وقد تقدموا عليه، فيما يعيش هو في المؤخرة، لأنه رضي لنفسه هذه المكانة، فلم يفرض عليه أحد أن يكون في المؤخرة، ولم يفرض عليه أحد أن يكون متكاسلاً أو اتكالياً على الآخرين، وإنما هو الذي قرر ذلك لنفسه.. لماذا؟ لأنه فضل عدم الدخول في المنافسة مع الآخرين، وفضل العيش بعيداً عن الإنجازات، وبعيداً عن الانتقادات، وبعيداً عن التعليقات، وبعيداً عن تحمل المسؤوليات.
ثالثاً: احذر من الفراغ القاتل
من يعيش على هامش الحياة يعيش في فراغ، فراغ قاتل يعرضه لكثير من المعاناة النفسية، فكثير ممن يعانون من الاكتئاب، يعانونه بسبب شعورهم بالفراغ وعدم الأهمية وفقدان قيمة الذات، وكثير ممن يعانون من القلق والخوف، يعانونه بسبب الشعور بالفراغ القاتل، والخوف من المستقبل، خوفاً من أن يكون المستقبل فارغاً مثل الحاضر، وكثير ممن يعانون من نوبات الهلع والفزع، يدفعهم لذلك الفراغ وكثرة الانشغال بالجسد والأحاسيس الجسدية، لعدم وجود ما يشغلهم في حياتهم من مهام وأعمال، فهم بذلك يلتفتون إلى ما هو محتمل من الأمراض والمخاطر بدلاً من الانشغال بما هو ملموس في الحياة من مسؤوليات ومهام.
بعض الناس يلجأ إلى تعاطي المخدرات نتيجة الفراغ والشعور بالملل من الحياة، لعدم وجود أي مسؤوليات وأي مهام في حياته وغير ذلك من المشاكل والاضطرابات النفسية الناتجة عن الشعور بالفراغ الناتج عن عدم تحمل مسؤوليات في الحياة، وتفضيل العيش على هامش الحياة.
لماذا يفضل البعض العيش على هامش الحياة؟
لسبب بسيط جداً، هو إحساسه بالراحة النفسية لعدم تحمله أي مسؤولية، وهذه الراحة والسعادة وإن كانت مؤقتة ووهمية، إلا أنه يسوق لها عن طريق البعض بأنها هي الهدف المنشود في هذه الحياة، أن تصل إلى مرحلة تستريح فيها من كل أعباء هذه الحياة، فيعتقد البعض أن هذا هو الهدف المنشود، وبالتالي يسعى إلى الراحة من خلال تخليه عن تحمل المسؤوليات، وتركه الغيره، فيما يرضى لنفسه أن يقف ليتفرج على الآخرين وهم يعملون ويؤدون المهام.
هذه الفكرة السلبية والمسمومة هي فكرة خاطئة تماماً، لأن حياة الإنسان من غير العمل لا قيمة لها، وإذا شعر الإنسان أنه يعش في قلق أو ضغط نفسي بسبب مسؤوليات الحياة فيجب أن يفكر بأن هذه المسؤولية هي جزء من متعة الحياة، وأن انجازاته الناتجة عن تحمل هذه المسؤولية هي ما يتسبب له في الشعور بالمتعة والراحة النفسية ولو بعد حين، وأنه يجب أن لا يستعجل الراحة والمتعة، فهي تأتي تبعاً للانجاز وللإنتاج في الحياة.
أما ما يشعر به الإنسان أحياناً من الراحة النفسية عند ترك المسؤوليات، فهو إحساس وهمي ومؤقت، ولو ترك الإنسان جميع المسؤوليات ولجأ إلى الركون والسكون والراحة فهو بلا شك سيصل سريعا إلى حالة من الضجر والسأم والملل والاكتئاب نتيجة الفراغ القاتل وفقدان القيمة في هذه الحياة.
أثر التربية:
من الأسباب الأخرى التي تسبب للبعض وقوفهم على الحياد، النشأة والتربية، فقد يتربى البعض على عدم تحمل المسؤوليات، ويرى والديه وغيرهما ممن يكبرونه في السن وهم يسلكون مسلك عدم تحمل المسؤولية، والشعور بعدم وجود داع أن يكون لهم دور في الحياة، ويتناقلون فيما بينهم الكثير من العبارات المحبطة المثبطة التي تقول لمن حولهم بأنه ليس هنالك داع للدخول في مشكلة تحمل المسؤولية وفي اتخاذ القرارات، ما يجعلهم ينشئون على هذه الفكرة السلبية.
البعض يستعرض ذلك بالترويج بأن لا أحد يستطيع أن يغير شيء فيما حوله، وأنه مهما حاول فلن يتمكن من تصحيح الأوضاع،وأن الحياة كلها منغصات ولن يستطيع أن يجد فيها سعادة، وكثير من الأفكار السلبية تتناقلها الأجيال، فالآباء ينقلونها لأبنائهم، والكبار ينقلونها إلى صغارهم، ويتناقلها الأصدقاء والأصحاب فيما بينهم، فإذا سمح الإنسان للآخرين أن يؤثروا فيه بسلبيتهم فإنه سينشأ نشأة سلبية، وستنغرس هذه الأفكار السلبية في حياته، فيصعب عليه في المستقبل أن يكون إيجابياً، أو أن يتحمل المسؤوليات.
وأما الإنسان الإيجابي، فإنه يخرج عن نطاق تأثير الآخرين عليه، ويتخذ لنفسه مساراً مختلفاً، ويقرر فيما بينه وبين نفسه أن يكون إنساناً مختلفاً، وأن يكون إنساناً مؤثراً فيما حوله، له دور مختلف عن الآخرين، ويترك بصمته في هذه الحياة، وأن لا يعيش على هامش الحياة، مع اعترافه بأن الحياة فيها من المنغصات والمكدرات، وهذا جزء من طبيعة الحياة التي لا بد أن يتكيف ويتعايش الإنسان معها، ويتحملها حتى يصل إلى الشعور بالمتعة من خلال الإنجاز في حياته وتحقيق قيمة ذاته. كما قال الشاعر:
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأشياء فوق طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
فالحياة الطبيعية مليئة بالأكدار، ويجب علينا أن نتحمل ما يأتينا فيها من منغصات في سبيل الحصول على الإيجابيات والراحة النفسية والمتعة، والتي تأتي بسبب الشعور بقيمة الذات وقيمة النفس، عبر ترك بصمتنا في حياتنا وفي حياة من حولنا، ويكفي لإنسان أن يكون إيجابياً حتى لو لم يحصل عل النتائج المرجوة من هذه الإيجابية.
وهناك مفهوم في ديننا الإسلامي الحنيف يؤكد أهمية الإيجابية في الحياة، وعدم التقاعس والاعتماد على ظروف الحياة، وهو مفهوم التوكل الحقيقي على الله عزوجل، فقد قال النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: ((اعقلها وتوكل))، فأمرنا صلى الله عليه وسلم بالعمل والبذل قبل أن نقول توكلنا على الله وأوكلنا أمرنا إلى الله سبحانه وتعالى.
فالإيجابية أمر مهم في حياة المسلم الحقيقي، وفي القصة التي جاء فيها الناس إلى المدينة في عهد عمر خطاب رضي الله عنه، (فوجدهم لا يعملون ويعيشون على الصدقات فسألهم ماذا تفعلون؟ قالوا نحن قوم متوكلون، فقال بل أنتم قوم متأكلون، قوموا وأعملوا، فالسماء لا تمطر ذهباَ ولا فضة).
متى؟!
فمتى يعي الإنسان أهمية العمل وأهمية المشاركة وأهمية تحمل المسؤولية في هذه الحياة، متى يعي أهمية أن يكون إيجابي في حياته، وأن يصر على أن يكون له دور، وأن يكون له رأي، وأن يترك بصمته في هذه الحياة، وأن لا يسمح للحياة أن تمر به وتتركه وهو بلا هوية، كأنه نكرة ليس له دور فيها.
متى يقرر هذا الشخص أن يكون له دور مميز وبارز في حياته وفي حياة الآخرين من حوله، هذا هو الإنسان الإيجابي الناجح في الحياة، كم قال أستيفن كوفي في العادات السبع للناجحين في الحياة، فأهم العادة من عادات من الناجحين في حياتهم هي "تحمل المسؤولية".
المفضلات