كل من يغضب يقول أو يفكر بذلك بوضوح : ( إنني غاضب ) إنما قلما يسمع أحد ، أنه يقول

الحقيقة ، حين يقول : ( إنني غاضب ) لأن كل من يغضب لديه إحساس بأنه تتم إغاظته .

إذاً ليس هو الذي يحس بالغضب مسؤولاً عنه بل شخص آخر .

و الشخص الثالث ضمن " اللعبة " ليس موجوداً خارج إطارنا . و إنه جزء منا .

إذ أنه كلما ألم بنا الغضب ، فإننا نتفاعل و نتخطى بدون وعي جزءاً من أنفسنا . مما يؤدي تلقائياً إلى أن

يتولد لدينا إحساس بأنه يتم تفاعلنا أو تخطينا ، حالما نغضب ..

إن الإحساس بالإغاظة لا يأتي من الخارج بل من الداخل . و السبب في غضبنا ليس الحدث الخارجي ، بل

الحدث الباطني ، الذي ينطلق من جراء الأسباب الخارجية . و يمكن أن يكون السبب لغضبنا كل واحد أو كل

شيء ، غير أن أصل الغضب الذي نحس به لا يوجد أبداً في السبب أو الإنسان الذي نحمله مسؤولية غضبنا .

إن أصل غضبنا موجود فينا .

أما السبب الذي يجعلنا نحمل الظروف الخارجية المسؤولية حين نغضب ، فيعزى إلى أننا نسمع المنبه فعلاً

عندما نغضب ، و لكننا لا نستيقظ : ثم نقول لأنفسنا : ( أنا مغتاظ ) دون أن نعي حقاً ، ماذا نقول ، نقول

لأنه لدينا الإحساس الآني ، أن نكون مغتاظين . و بما أننا لا نعي ، أننا أنفسنا ، المتسببين بالغضب ، فإنه

منطقياً أن نجد على التو أحداً ما أو شيئاً ما نستطيع أن نحمله مسؤولية غضباً ، لكي يكون لما نحس به

معنى . وما هو يا ترى أكثر قرباً من أن نحمل المسؤولية للذي قام بقدح زناد دائرة الشيطان الداخلية :

( إنني غاضب ، لأنكـ ..... ) .

و سيان ، إلى من نعزو سبب غضبنا إلى أنفسنا أو إلى الآخرين – و بماذا نحس في اللحظات التي نغضب

فيها ، هو ليس ما عمله المرء لتوه . إنه الشيء الذي نفعله نحن بأنفسنا أو فعلناه بها . و إذا كنا تسببنا

بالانزعاج لأنفسنا أو لا ، لا يتعلق بتصرف الآخرين و إنما بكيفية تصرفنا تجاه أنفسنا مسبقاً قبل أن يحصل

ما سببه . لأن السبب الرئيسي في الغضب هو ما كنا جمّعنا في أنفسنا من الغضب باللاشعور .

ولا يعتبر الغضب إلا مستودعاً للمشاعر المكبوتة و الحاجات الغير محققة من كل نوع ، ولا يتبع لذلك العادة

المكبوتة تماماً مثل الحنق المخفي أو النوم القليل . فالأحاسيس المكبوتة مثل قطع الكاتو التي يتم الاحتفاظ

بها لمدة طويلة . و إذا لم يقم المرء بأكلها طالما هي طازجة فيطرأ عليها التغيير ، و تفسد و تصبح غير صالحة
للأكل .

و يحدث الشيء نفسه بالنسبة للأحاسيس و الحاجات المعيشة . فالأحاسيس التي نتغافل عنها و نكبتها أو نتركها

جانباً لا تذوب ، بل تتجمع في أنفسنا و تتخمر هناك و تتحول إلى غضب و إحباط و عدائية ، و يكون من جراء هذا

السم الزعاف إما أن يتسبب في مرضنا ، أو أننا ننفجر دون إنذار لأن الكثير قد تجمع فينا . إن ما يتسبب في انفجار القنبلة

هو الصاعق ، و هو الذي نحمّله مسؤولية غضبنا . وما يؤدي إلى تمزيقنا و يتناثر ، إذا انفجرنا ، فهو المحتوى الموجود

ضمن القنبلة . و لا تنفجر فنبلة لا تحتوي على صاعق سيان من يقوم بإشعالها أو الشيء الذي تسبب بذلك .

و لكي نستطيع أن نغضب يتوجب علينا أن نسبب الغضب لأنفسنا أو تسببنا به مسبقاً ذلك أن الغضب ليس شعوراً طبيعياً

أساسياً ، إنه ما ينتج عن المشاعر الطبيعية ، عندما نقوم بتلبيتها و نحملها في أنفسنا حتى تتفجر فينا على شكل غضب . ومن

يغضب فإنّه لا يفعل ذلك ، كما يعتقد ، من الشيء الذي استدعى غضبه . لكنّه يستعمل ذلك من دون وعي كسبب لكي يتخلص

من شعور تم إغفاله أو حاجة لم تلبّ أو أي إحباط آخر طارئ تسبب به شخصياً .

ومن المهم أن نعلم ، إذا كنا نغضب أو لا ، كيف نتعامل بحذر و بوعي بالمسؤولية مع أنفسنا . وكلما غضبنا بدون وعي ،

بحيث نتخطى أنفسنا بدون وعي ، كان إحساسنا بالغضب بوعي أكثر ندرة . و يحصل غضبنا يشكل واضح حين نجد أنفسنا

تجاه موقف سلبي ، أي حين نكون غير راضين دون وعي مع أنفسنا بسبب تصرفنا غير الواعي و نحسّ بعدم السعادة .

إن من يغضب يريد أن يُغضب نفسه فسيجد دائماً وفي كل مكان سبباً ؛ كي يغضب. أما من لا يريد أن يغضب فسيغضب ؛ لأنه

تدرع تجاه ما سيصيبه من الخارج ولكنه لم يحم نفسه لما يعنيه بنفسه دون وعي .

يعتبر الغضب عملاً عدوانياً ذاتياً نكون نحن الفاعلين فيه ، ونقع ضحية له. أما من لا يُغضب نفسه فهو الشخص الذي

لا يغضب. ولا توجد طريقة أخرى تمنع من الغضب .

ولا يرتبط مرورنا بوضع دقيق و بالتالي رد فعلنا عليه من الحالة نفسها ، وإنما من طريقة تفسيرنا اللاواعي لها .

وهذا بدوره يتعلق بموقفنا من أنفسنا بالذات ؛ أي من الحالة الداخلية التي نجدُ أنفسنا ضمنها في تلك اللحظة .

و في أنفسنا يتم الحسم إذا كنا سنغضب ومتى و كيف من هذا الموقف. ولا نختار السبب بغير وعي فقط و إنما اللحظة

ذاتها . و الدليل على ذلك :

ما يجعلنا هادئي الأعصاب اليوم يمكن أن يغيظنا غداً لدرجة كبيرة ، أو العكس . فما يمّرغ أنفسنا بالوحل اليوم ، يمكن أن

يصبح في اليوم التالي مثاراً لإطلاق ضحكة بلهاء عليه . ونحن لا نلاحظ لدى الآخرين ما يمكن أن يصل بنا في غضبنا

إلى القمة . وما يزعج الآخرين ، لا يزعجنا إطلاقاً . و طالما لا نعي بأنِّ أصل غضبنا و كذلك القرار في أن نغضب

موجود في أنفسنا ، فإننا سنبقى أسرى لإمكانيات الغضب دون أن يكون بمقدورنا فعل شيء تجاهه .

ولا نستطيع في الغالب منع شيء مالا يسير على ما يرام ، لكنه يمكننا اختيار الطريقة التي نتعامل فيها في هذا الأمر الذي

لم يسر كما ينبغي ، فإمّا أن يعتريا الغضب ومن ثمِّ يزداد غضبنا لأننا غضبنا ، أو يمكننا أن نفعل ما هو ضروري،

لكي يتلاشى غضبنا أو لا ينشأ بتاتاً .

وإذا وقع اختيارك عل الحلّ الثاني فلن تكون ضحية للغضب بل سيكون بمقدورك التغلّب عليه . وهذا لا يعني ، أن تحاول

السيطرة عليه ويمكنك أن تتغلب على غضبك بإدراك الخطوات الثلاث التالية :