عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 30
استراتيجيه النجاااح
المرونة هي المكون الثالث من مكونات الاستراتيجية الناجحة. والمقصود بها تغيير الأساليب والوسائل التي تستخدمها للوصول إلى هدفك، إذا كانت الوسائل التي جربتها لم توصلك أو كانت موصلة ولكن بدرجة فاعلية ضعيفة. لاحظ أن التغيير في الوسائل والأساليب وليس في الأهداف. وهذا الأمر مبني على فرضية بسيطة تقول : تكرار نفس الوسائل والأساليب سيؤدي إلى نفس النتيجة.
المرونة يمكن أن نشبهها بصندوق الأدوات الذي ترجع إليه للبحث عن أداة تساعدك في إصلاح شئ معطل. كلما كان هذا الصندوق كبيرا وغنيا بالأدوات المتنوعة كلما ازدادت قدرتك على أيجاد بدائل للتعامل مع المواقف المختلفة وكانت درجة مرونتك أعلى.
تبدو هذه الفرضية بسيطة جدا لدرجة البداهة، ولكن الغريب في الأمر أنه على الرغم من بساطتها فإننا نتجاهلها في حياتنا اليومية. دعني أضرب لك بعض الأمثلة لتتضح الصورة أكثر. الأب الذي حاول علاج سلوك الأناينة مع ابنه عدة مرات وفشل في ذلك مع أنه استخدم وسيلة تربوية صحيحة، وتراه يعاود استخدام نفس الوسيلة، التي هي صحيحة من وجهة النظر التربوية، ويصل إلى نفس النتيجة مرة بعد مرة. الخلل في الاستراتيجية هنا يكمن في تجاوز تلك الفرضية وتكرار استخدام نفس الوسيلة. هل هذه هي الوسيلة التربوية الوحيدة لتغيير مثل هذا السلوك! لم لا تجرب طريقة أخرى! وهذا هو مفهوم المرونة الذي أقصده في هذا السياق. مثال آخر : الأب أو الأم الذي يشكو من عدم رغبة ابنه أو ابنته من مواصلة الدراسة، ويشعر هذا الابن أو البنت بالملل من الدراسة وعدم وجود دافع لها. جرب هذا الأب وسيلة أو ربما بعض الوسائل للتغلب على هذه المشكلة، ولكن لم يصل إلى نتيجة. سر الاستراتيجية الناجحة يكمن في عدم اليأس والاستمرار في المحاولة بطرق وأساليب متنوعة ( المرونة ) حتى تجد الحل المناسب. ولعل قصة أديسون في اكتشاف المصباح الكهربائي خير دليل على ضرورة المرونة في استراتيجيات النجاح. فقد جرب أديسون مئات المرات ولم يفقد الأمل في إشعال المصباح الكهربائي حتى توصل إلى التعرف على المادة المناسبة للمصباح وحقق النجاح الذي تدين البشربة به لأديسون حتى اليوم. لاحظ أنه عندما يجرب مادة ما ويتضح أنها غير مناسبة فعليه عندئذ تجربة مادة أخرى أو تغيير الظروف للحصول على نتائج جديدة وهذا هو المقصود بالمرونة.
أحد أسرار تكرار الطرق والأساليب التي لم تؤد إلى نتائج إيجابية يكمن في البرمجة اللاواعية للعقل. كل منا تعود على أساليب ووسائل محددة لمعالجة مواقف متنوعة في الحياة. هذه العادات تختزن في العقل اللاواعي للإنسان على شكل برامج تنشط بشكل تلقائي. لا أقصد بذلك العادات السيئة وحسب ولكن المقصود هنا كل رد فعل لا واعي ولو كان بسيطا. أمثلة ذلك : طريقة نظرك لإبنك عندما يتحدث إليك، قد يكون هناك رد فعل لا واعي ينم عن التضايق من ذلك يظهر على نظرات العينين أو تقطيب الحواجب، مثال آخر : نبرة صوتك عند الاجابة على تساؤل أو استفسار لأحد مرؤسيك أو زملائك، فقد تكون نبرة الصوت هذه فيها شئ من الاستنكار وكأنك تريد القول : هذا شئ واضح لا يحتاج غلى سؤال. مثل ردود الأفعال اللاواعية هذه تشكل كثيرا من سلوكياتنا اليومية وتمثل رسائل لعقول من نتعامل معهم وتصنع جوا للتعامل قد يسوده الود أو شئ من الشك بحسب نوعية هذه الرسائل.
للتغلب على مثل هذه الآثار نحتاج أن نتوقف بشكل متكرر ونتأمل في أنفسنا للتعرف على أمثال هذه الرسائل وإعادة النظر فيها. يحتاج منا هذا الأمر إلى أن نخرج من أنفسنا وننظر إلى هذا الموقف من وجهة نظر الطرف الآخر. لا بد أن يكون لديك القدرة أن ترى نفسك وأنت تقوم بهذا السلوك والذي قد يكون رسالة بصرية تصل إلى العينين أو صوتية تصل إلى الأذنين أو رسالة حسية تصل إلى أدوات الحس لدينا أو قد تكون روائح أو مذاقات. التعرف على هذه الرسائل وأثرها على اتصالاتنا يشكل الخطوة الأولى نحو المرونة والخطوة الثانية ستكون اتخاذ قرار التغيير والتنفيذ. وعند الوصول إلى قرار التنفيذ يحسن بنا أن ننفذ ذلك على مرحلتين. المرحلة الأولى ذهنية والثانية واقعية.
في المرحلة الذهنية عد إلى التجربة في ذاكرتك وتخيلها وكأنها تحدث الآن ولكن قم بإحداث التغييرات التي تراها مناسبة في هذه الذكرى، كرر هذه العملية الذهنية عدة مرات حتى ترسخ بشكل جيد. والآن انتقل إلى المرحلة الثانية الواقعية وبادر بافتعال موقف مشابه وقم بتنفيذ ما تخيلته في ذهنك عمليا وستجد أنك استطعت تغيير ذلك السلوك بسهولة بالغة لم تكن تتوقعها وستجد تأثير ذلك على الطرف الآخر كبيرا وغير متوقع مع أن التغيير الذي قمت به لا يبدو كبيرا، ولكن لأنه كان يخاطب اللاواعي عند الطرف الآخر فكان له أثر كبير. بهذه الطريقة تستطيع التخلص من كثير من الأساليب وردود الأفعال التي تعيق تواصلك مع الآخرين.
في المقالات التالية سنتعرض لمواقف محددة ونبين ما يحدث فيها بشكل لا واعي وسنقترح بعض الوسائل التي تساعدنا على زيادة عدد الخيارات المتوفرة لدينا في صندوق المرونة بحيث نرجع إليها عند الحاجة. ثم نقوم بتوضيح طرق لغرس هذه الأدوات والوسائل في العقل اللاواعي لنا بحيث يصبح استخدامها أمرا تلقائيا.
المفضلات