إن التفاؤل هو شعورٌ داخلي بالرضا وثقةُ تتحور إلى راحة جسدية، وسيطرة على مشاعر وأفكارٍ متعبة، وهو نظرةٌ إيجابيةٌ عندما توصدُ الأبوابُ، وتتبخرُ الأماني ، إن الإنسان المتفائل سعيدٌ في دنياه، متوكل على مولاه، طموحُ ومبادرٌ لكل جميلٍ فيرسم سعادة الآخرين فكم هو جميلٌ أن نتفاءل حين الملمات، ورائعٌ أن نتفاءل عندما تتوالى النكبات، هو تشريعُ ربنا وهو طوقُ نجاة لأنفُسنا .


انها دعـوة للتفاؤل، والسعي نحو الإنجاز المثمـر والعمل الرشيـد في شؤون الحياة كلهـا. ارفـع شعـار ( أنا متفائـل ): فالميم " مؤمن بربي، ومبتسم "، والتاء " تغيير للذات.. وتطوير أيضاً . والفاء " فأل حسن وكلمة طيبة "، والألف " إرادة قوية "، والهمـزة " أنا عاقد العزم "، واللام " للقِـمَّة همَّتي .

القران يحدثنا عن التفاؤل


نحن أمة الإسلام نحن أمة القرآن امة التفائل {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران/139]


ويقول تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة/32، 33]


ويقول تعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم/47] {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [غافر/51]

ويقول تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة/214


ويقول تعالى: ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ ) [آل عمران: 137-139].

النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن التفاؤل

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة) متفق عليه


ويقول صلى الله عليه وسلم - (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)

وعند أحمد في مسنده من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى ما يكون بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل به الله أعداء الإسلام )

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وهما في طريق الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً صاحبه وهو في حال ملؤها التفاؤل والثقة بالله : ( لا تحزن إن الله معنا، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتطمت فرسه - أي غاصت قوائمها في الأرض - إلى بطنها) متفق عليه


صور من التفاؤل في حياة الانبياء


قال تعالىعلى لسان نبيه يعقوب عليه الصلاة والسلام (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس م روح الله إلا القوم الكافرون )يوسف : 87

وهذا موسى- عليه السلام - بعد أن خرج مطارداً وكان فقيراً يجلس ويرفع يديه ويخفق بقلبه، ويلهج بلسانه، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص/24] فتفتح الأبواب، وتتيسر الأمور، ويدخل في الزواج، ويمر بالإجارة، ويدخل ميدان العمل، ويكلل بالنبوة، ويخص بأن يكون كليم الله - عز وجل .

وأيوب - عليه الصلاة والسلام - بعد أن أقعده المرض وانقطعت أسباب الشفاء من البشر {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأنبياء/83] فجاء الجواب وجاءت النتيجة {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ } [الأنبياء/84] وجاء الفرج المتتابع بعد ذلك.

تفاؤل النبي صلى الله عليه وسلم

ان من الأحداث ما هو صورة حية نابضة بتطبيق التفائل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب يوم اجتمع شدة البرد والجوع والخوف حتى ربط - صلى الله عليه وسلم - على بطنه الشريف حجرين من شدة الجوع وكان الصحابة لا يستطيع أحدهم أن يذهب فيقضي حاجته وصورة الآيات {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا }الأحزاب/10، 11]


وكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت العصيب يبشرهم بأمر عظيم ويدعوهم الى التفائل وعدم اليئس! قال البراء: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء وأخذ المعول فقال فقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر ! أُعطيت مفاتيح الشام، واللهِ إني لأبصرُ قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر ! أُعطيت مفاتيح فارس، واللهِ إني لأبصرُ قصر المدائن أبيضَ، ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر ! أُعطيت مفاتيح اليمن، واللهِ إني لأبصرُ أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة )


فقال المؤمنون {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } [الأحزاب/22]


وبعد معركة احد كان التفائل مع وجود القتلى والجرحا من المسلمين لكن التفائل والايمان هو الموجود في القلوب قال الله عزوجل {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } [آل عمران/173-174]


حاجتنا الى التفاؤل وعدم اليئس


لاشيءَ كالأمل والتفاؤل – بعد الإيمان – يولّد الطّاقة، ويَحْفز الهمم، ويدفع إلى العمل، ويساعد على مواجهة الحاضر، وصنع المستقبل الأفضل الأمل والتفاؤل قوّة واليأس والتشاؤم ضعف الأمل والتفاؤل حياة واليأس والتشاؤم موت وفي مواجهة تحدّيات الحياة، وما أكثرَ تحدّيات الحياة.


ان النّاس صنفان : يائس متشائم يواجه تحدّيات الحياة بالهزيمة والهرب والاستسلام
وآمِلٌ متفائل يواجهها بالصبر والكفاح، والشجاعة والإقدام، والثقة بالنصر .

فما أروع الأمل والتفاؤل، وما أحلاه في القلب ! وما أعْوَنَه على مصابرة الشدائد والخطوب، وتحقيق المقاصد والغايات.


يفيضُ من أملٍ قلبي ومن ثقةٍ *لا أعرٍفُ اليأسَ والإحباطَ في غَمَمِ


اليأسُ في ديننا كُفْرٌ ومَنْقَصةٌ * لا يُنبِتُ اليأسَ قلبُ المؤمنِ الفَهِمِ

اليئس والتشاؤم ثمرة من ثمرات الكفر، وصفة من صفاته، وليس يجوز لمسلم بصير بأمر دينه أن يستسلم لليأس، ويمَكِّنَه من قلبه وكيف يرضى المسلمون الصادقون الواعون ذلك لأنفسهم، وهم يقرؤون قولَ ربّهم عزّ وجلّ( لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله – الزمر 53 وقولَ الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (: وَمَنْ يَّقْنَطُ مِن رحْمَة رَبِّه إلا الضَّالُّون )– الحجر 56 وقولَ الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام : (ولا تيْأَسوا مِن رَوْحِ الله إنّه لا ييْأَسُ مِن رَوْح الله إلا القومُ الكافرون) – يوسف 87


كيف نحقق التفاؤل في حياتنا


أولاً ينبغي ان تعلم ان البناء يحتاج إلى مراحل والتفاؤل ما هو إلا خطوات محددة , وهذه الخطوة الأخيرة هي خطوة القوي وتتمثل في أمرين : حسن الظن بالله مصرف الأيام والليالي , ثم حسن الظن بالناس جميعا , حيث لا مناص من معايشتهم .

فهو مع ربه آمن مطمئن قوي قادر ناجح , بالحب لا بالكره , بالثقة لا بالحقد , بالود لا بالحسد , بالأمن لا بالخوف , بالشجاعة لا بالجبن دخل النبي على شاب في مرضه فقال له : كيف تجد قلبك ؟ قال : أرجو رحمة الله وأخاف ذنوبي , فقال النبي الكريم : ما يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف .

ثانياً:لا تصاحب إلا المتفائلين
التفاؤل يعدي , وبمخالطة المتفائلين تسري أخلاق التفاؤل, وبمعاشرة المتفائلين تختفي أخلاق المترددين , وتزول مشاعر الشك والخوف والقلق والكره حيث لا مكان للتشاؤم في الحياة والمتفاؤلون يعرفون بأخلاقهم البعيدة عن الأنانية والأثرة , فهم يتصفون بالمروة وكرم السلوك و فعل الخيرات والسعي بالخدمات , لأن الغارق في خدمة الآخرين إن سألته عن نصف الكوب المملوء بالماء , قال لك : نصفه مملوء بالماء , لأنه لا يري إلا الخدمات التي يفعلها ونفع الغير والخيرات التي يقدمها , أما غيره فيقول : أري نصفه الفارغ , لأنه لا يري إلا خواءً في كيانه , ولا يسمع إلا صدي صوته , ولا يحس إلا صمتاً من داخله, فكيف يري شيئا غير موجود , وكيف يشعر بشئ معدوم !!.


ثالثاً: اعلم إنما السعادة في التفاؤل
أجمل ما في الكون أن تملك قلبا سعيدا بعيدا عن الحقد والحسد والبغي والظلم , أجمل ما في الكون أن تكون رفيقا بكل من حولك وأن تشعر معهم بالحب وتراعي مشاعر من تحب , فتشتاق إليه إن غاب , وتفرح به إن حضر , فعلاً أجمل ما في الوجود أن تتفاءل فتري الحياة حلوة رغم تشاؤم من حولك , لأن الغد دائما أفضل من اليوم , ولأن القادم أحلي من الآن , لا تندهش , فإن ذلك لسبب واحد ، أنك قد فوضت أمرك إلى الله , بعد إعلان توكلك عليه وحده , واستنفاذك لكل ما هيأه ويسره وقدمه لك من وسائل وأسباب