عجز العلماء عن معرفة هذه القوة الخارقة التي يمتلكها الإنسان بعد اندماج الروح بالجسد . ولايمر يوم من أيام الدنيا إلا والدراسات والاكتشافات العجيبة تخرج عن تلك القوى التي يمتلكها هذا العقل . ولما عكفوا على دراسة العقل لم يجدوا السر داخل المخ المرئي حتى بعد تشريحه وتصويره ومتابعته، فخلصوا إلى وجود عقل أكثر عمقا غير مرئي ولا ملموس ولا مسموع تنطلق منه أوامر الروح ، وأسموه بالعقل الباطن أو بالعقل اللاواعي .
لدى هذا العقل الباطن قدرات لم يدرك منها العلماء حتى الآن إلا القليل ، ولعل الآية القرآنية تشير إلى هذا المعنى في الحديث عن الروح : ( يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) . إننا لا نعرف ، وربما لن نعرف ، كنه هذه الروح أو العقل الباطن ، لكننا كل يوم نكتشف قدراته الهائلة وطرق التعامل معه بتقنية أفضل .
إن د.ملتون أريكسون كان يرى أن العقل الباطن قوة خارة في الحياة ينبغي الاستفادة منها و د.جوزيف ميرفي لما ألف كتابه " قوة العقل الباطن " قبل أكثر من عشرين سنة أحدث ضجة كبيرة في الأوساط العلمية ولاقى شهرة كبيرة . إن ميرفي كان يشير في كتابه إلى أن الإنسان يستطيع أن يحقق ما يريده في ذاته طالما كان هدفه واضحا وطالما كانت طرقه صحيحة في غضون هذا الوقت خرجت فنون وعلوم كثيرة تحمل في طياتها تطبيقات لإحداث التغيير وبرمجة النفس على ما تريده ، منها فن البرمجة اللغوية العصبية وتصميم الهندسة البشرية والعلاج بخط الزمن وطرق التعلم السريع ، والقراءة التصويرية وغيرها الكثير ، وأذكر أني في بداية التسعينات كنت أنظر المكتبات فيها بحدود عشرين أو ثلاثين كتابا في قسم ما يسمى بالتنمية الذاتية ( Self- Help ) ، أما اليوم فالمكتبة تحتوي أكثر من ألف كتاب في هذه العلوم ! في شركة AMAZON يمكن ايجاد هذه الكتب العديدة .
كل هذه العلوم في التعامل مع العقل الباطن ، هذا المخلوق الرباني العجيب ، وكل هذه الفنون تحوم حول فكرة التعامل مع العقل الباطن ، او العقل الخفي ، أو الروح ، وطرق البرمجة للحصول على المطلوب من الصحة النفسية والجسمانية .
إن التنويم والبرمجة اللغوية العصبية أحد هذه الطرق ، ومن أجمل الطرق السلسة في برمجة العقل وحسم صراعات النفس وعقدها وأمراضها .
- كيف يعمل العقل الباطن ؟
حتى نسهل الشرح المفضل دعنا نضرب مثالا بجهاز الكمبيوتر . جهاز الكمبيوتر يعمل من خلال أولا جسم : يتكون من مدخلات ( inputs ) ومخرجات ( outputs ) . المدخلات مثل لوحة المفاتيح ( keyboard ) والفأرة ( mouse ) والماسح ( scanner ) ، مثلها مثل مدخلات الإنسان من الحواس كالسمع والبصر والشم والتذوق واللمس . والمخرجات مثل الطابعة والشاشة والمودم ، مثلها كمثل مخرجات الإنسان اللفظية واللالفظية كالنطق والحركات والسلوك والنظرات.
أن هذا الجسم ، وداخله وحدة عملية مركزية ( CPU ) يحفظ المعلومات، مثلها كمثل المخ لدى الإنسان ، وهذه الوحدة برنامج من لغة معينة عادة ما يخاطب لغة الكمبيوتر المسماه بلغة الآلة ( machine ******************************** ) . هذا البرنامج مهم إذ إمكانات الكمبيوتر معطلة ما لم يكن البرنامج يعمل وبجدارة . أقوى جهاز كمبيوتر بدون برنامج جيد لا يعني شيئا . بل كمبيوتر بإمكانات متواضعة جدا مع برنامج عال المستوى أفضل ، لآن العبرة في النتائج ولا نتائج من جهاز ليس فبه برنامج أو برنامجه متواضع .
ومثل البرنامج كمثل ما نسميه بالعقل الباطن . البرنامج يدير شؤون الكمبيوتر ويخرج المتطلبات من خلال المخرجات ، والعقل الباطن كذلك يدير شؤون الفرد والجسد ويخرج سلوكيات وتصرفات وأعمال وأقوال.
هناك شخص مهم يعمل على جهاز الكمبيوتر ، ويسمى بالمبرمج ، هذا الشخص يعدل ويضبط في البرنامج حتى يتلقى ويخرج ما يريده ، مثل هذا الشخص كمثل العقل الواعي ، أنت في البداية تحدد ما تريد ، كمبرمج ، ثم تصيغ البرنامج الذي تريد وتأمر العقل الباطن أن ينفذه ثم ترى النتائج من خلال المخرجات . لو رأيت أن النتائج غير جيدة فأعد تضبيط البرنامج حتى يعطيك المخرجات التي تريد .
- متى وكيف يحدث الخلل في العقل الباطن ؟
أحيانا يصبح لدى الكمبيوتر توقف مفاجيء، أو تخرج ألوان غريبة في الشاشة ، أو تطبع الطابعة حروفا غير معروفة ، او يخرج الجهاز صوتا شاذا ، ولا يعمل لك ما تريد عمله . في البرمجة يسمون هذا خطأ ( Fault ) ويطلقون على هذا الخطأ (bug ) . ويعني أن المبرمج قد أخطأ في عمل شي أو نسي أن يعدل في البرنامج لذا حصل ما حصل . وقتها يقوم المبرمج باكتشاف مكان الخطأ ويشرع في تعديله أو إيجاد الحل البديل له . مثل ذلك كمثل بعض التصرفات التي قد تصدر من شخص غير لائقة للموقف . كالعصبية الزائدة في موضع طبيعي أو مزعج بعض الشيء ، أو حزن شديد في موقف لا يستدعي ذلك ، أو احباط أو قلق في مواقف لا تستدعي كل هذا . إن ذلك يعني أن هناك خطأ في البرمجة أو (bug) ، المطلوب تعديل البرنامج .
المبرمج يعلم أن البرنامج مكون من ما يسمى بالأوامر ( commands ) ، إن هذه الأوامر في الإنسان هي القناعات أو المعتقدات .
إن المطلوب تغيير القناعة المسببة لذلك حتى يتعدل البرنامج.
لو سمعت طفلة أن " الله لا يوفقك إذا لم تكن أمك راضية " وقبلت الجملة في الوقت الذي أمها لا ترضى أبدا فإنها ستعيش حياتها معتقدة أنها لن توفق ، لذا فهي لا تحاول ولا تجتهد .
لو قيل لطفل وهو عند الطبيب " يجب أن تأكل لتعيش" فقد يأكل حتى التخمة ، والعكس لو قيل له أكلت هذا أو ذاك فستصاب بكذا أو كذا فقد ينشأ مرض نفسي في الأكل كالبوليميا، طفل يسمع من صغره أن الاموال وسخ الدنيا وانها سبب عناء الناس سوف يعيش على الراتب ولن يفلح أبدا كتاجر ما لم يغير هذه القناعات.
كثير من القناعات على المستوى الشخصي الذاتي والمجتمعي والشعبي بل والعالمي متقبلة دون ادراك من الكثيرين بخطورتها . من هنا ينشأ الناس يعانون دون معرفة المسببات لذلك.
أي سلوك عند الإنسان - مهما كان - فوراءه قناعة مسببة له . ليس هناك أي سلوك انساني إلا وله دافع أو قناعة. مثل أي تصرف من كمبيوتر لا بد له من أمر.
من هنا ندرك أن القناعات أهم أمر لبرمجة العقل وفق ما تريد بعد تحديد ما تريد .
المفضلات