عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
شركة ثورية ديمقراطية! حقيقة أم خيال؟
موقف وحوار
واحد اثنين .. فلوس الشركة فين؟ واحد اثنين .. فلوس الشركة فين؟ تلك هي الهتافات التي تعالت بها حناجر المحتجين في باحة الشركة التي أضرب موظفوها منذ عدة أيام مطالبين بزيادة رواتبهم، ومنحهم عددا من الحقوق التي حرموا منها، ومحاسبة الفاسدين من أصحاب النفوذ في الشركة. وفي هذه الأثناء دار حوار بين ثائر ورضوان الذين كانا يرقبان المشهد من مكان غير بعيد، وقد كشف هذا الحوار عن موقفين مختلفين تجاه ما يجري!
- ثائر: هيا بنا يا رضوان لنلتحق بالمظاهرة بسرعة، فقد شبعنا صمتا، وها نحن في عصر الحرية والديمقرطية، ويد الثورة لا بد أن تطرق باب هذه الإدارة الظالمة في الشركة! هيا بنا..
- رضوان: ما الذي تقوله يا ثائر؟ أنا أقول نعم للحرية والديمقرطية ومرحبا بهما في بلادي، ولكن أتدعوني للثورة في مكان عملي ومصدر رزقي؟ ثم هل هناك شيء اسمه ديمقراطية في الشركات!
- ثائر: نعم يا رضوان لماذا لا تكون شركتنا ديمقراطية؟ هذه هي فرصتنا لكي نطالب بحقوقنا، وأنت تعرف في قرارة نفسك ما الذي يحدث منذ زمن طويل في هذه الشركة من مظالم وفساد وتضييع للحقوق وسرقات وظلم و ..
- رضوان: أعرف .. أعرف ما يجري وكلامك صحيح في هذا الصدد، ولكني لا أتفق معك في مطالبتك بالثورة في مقر العمل! ولا أعتقد بأن هناك شيء اسمه "شركة ديمقراطية"!
- ثائر: لا أستطيع أن أتهمك في شجاعتك فأنت كنت من أوائل المشاركين في مظاهرات الحرية في ميدان التحرير، ولكني أقول لك أنك مخطئ! أما عني فأنا ذاهب إلى المظاهرة..
- رضوان: أتمنى لك التوفيق، ومع ذلك أصدقك القول أني لا أرى جدوى مما تقومون فيه!
والسؤال المطروح هو
مع من الحق يا تُرى، هل هو مع ثائر أم مع رضوان؟ أما أن كلاهما محق! هل تجوز الثورة في الشركات من أجل استرداد الحقوق ومقارعة الفساد؟ وهل هناك ما يسمى بالشركة الديمقراطية؟ وهل يتسع عالم الشركات لما يسمى بالممارسات الديمقراطية؟
أما رأي الاستشاري
لا شك في أن ما يحدث في عالمنا العربي من ثورات ومطالبات بالحريات قد ألهم الكثيرين بأن تكون لهم غضبة على فساد مستشرٍ هنا وهناك، وأن يثبوا وثبة الأُسد لاسترداد حقوقهم التي منعوها ردحا طويلا من الزمان، ومع ذلك فإنه لا بد من تحرير المسألة وتفصيلها تفصيلا دقيقا للإجابة على ما تقدم من أسئلة.
إن معظم من يطالبون بالثورة والديمقراطية في عالم الشركات وبالرغم من نبل مقصدهم إلا أنهم يخطئون خطأً جسيماً عندما يشبّهون مدير الشركة أو مالكها بالحاكم أو الزعيم في الدولة، في الوقت الذي يرون أنفسهم فيه في مقام الشعب أو الأمة! والصواب هو عكس ذلك تماما!
ولبيان خطأ المقاربة السابقة أقول بأن الحاكم هو الأجير المؤتمن الذي توظفه الأمة، وليس هو رب العمل الذي يوظف الشعب لديه! بمعنى آخر أن مالك الشركة هو الذي في مقام الشعب وهو الذي يقوم بتعيين الموظفين الذين هم في مقام الحاكم.
ومن هنا فإن الثورة والمطالبة بالديمقراطية في عالم الشركات من باب التشابه مع حالة الدول مطالبة ليست في محلها! والجدول التالي يشرح العلاقة التعاقدية التي تربط بين الأمة والحاكم، وبين رب العمل والموظف في العمل الربحي، وبين المنتمين لعمل غير ربحي وقائدهم
(لمشاهدة الجدول اضغط هنا):
بالإضافة إلى ما تقدم من خطأ المقاربة السابقة فإن هناك عائق آخر يمكن أن تصطدم به المطالبة بالديمقراطية في الشركات وهو ملكية رب العمل أوالمالك المزدوجة لأمرين أساسيين في الشركة وهما: العين أو الأصل وكذلك حق التصرف والقرار والإدارة.
فمهما أرادت الشركات أن تبلغ من الديمقراطية مبلغا عاليا فلن يُسمح لموظفيها في يوم من الأيام أن يجرِّدوا أصحاب الملك مما يملكون من أصول ثابتة أومنقولة، والقاعدة الشرعية تنص على أن"الملّاك مختصون بأملاكهم لا يزاحم أحد مالكا في ملكه من غير حق مستحق".
ولكن ومن جهة أخرى فإنه قد يتخلى أرباب العمل لموظفيهم عن مساحات من حقوق التصرف والقرار والإدارة فيتيحون بذلك حيزا من الديمقراطية في مؤسساتهم.
هذا الحيز من الديمقراطية في الشركات يعتمد بشكل أساسي على ما نقصده ونعنيه بديمقراطية الشركة، فالعبرة بالمسمى لا بالاسم، وبالجوهر لا بالمظهر، والقاعدة الشرعية تنص على أن"العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني".
وعلى سبيل المثال فلو أدت الديمقراطية على صعيد الأمة إلى أن يعلو حكم الشعب على حكم الله فهي مردودة! ولو أدت الديمقراطية على صعيد الشركات إلى تجريد الناس من ملكياتهم وحقوقهم فهي مرفوضة أيضا! وفي المقابل فلو قادت الديمقراطية إلى عدالة في الحكم والإدارة، وعدم استئثار بالسلطات، ورفع لكفاءة وإنتاجية العاملين، وكبح للفساد المالي حينها تصبح الديمقرطية مطلوبةً ومرحباً بها سواءً أكان ذلك في الأمة أو في الشركات.
وبهذا المنظار نجد أن أمامنا طيفا واسعا من الممارسات الديمقراطية غير المتعارضة مع حقوق الآخرين وثوابت المجتمع، وما أحوج الشركات للعمل بهذه الممارسات وترسيخها لما له من أهمية ومنعفعة للعمل والعاملين، ونستعرض فيما يلي أهم أمثلتها:
· الشورى، فكلنا يعلم أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد استغنى بالوحي، ومع ذلك فقد أُمر بالشورى في قوله تعالى "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ" (آل عمران – 159)، كما امتدح سبحانه المسلمين بممارستهم الشورى عندما قال "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" (الشورى – 38). ومن هنا فإن في الشورى بركة عظيمة تزدهر بها الأعمال وترتقي.
· التفويض الإداري الصحيح بعناصره الأساسية من بيان الواجبات ومنح الصلاحيات وممارسة المسؤوليات، وبهذا يشعر كل موظف في المؤسسة بأنه المدير التنفيذي في وظيفته.
· الانتقال من الهيكلية الإدارية الرأسية إلى الأفقية، ومن الأقسام والإدارات إلى فرق العمل، وذلك لتوسيع دائرة اتخاذ القرار، وتشجيع عملية التصويت والشورى، والاستماع للرأي الآخر والحوار، والأخذ برأي الأغلبية خصوصا في أمور العمل التشغيلية والتقنية.
· تشجيع اللامركزية، وهذا ما تقوم به كبرى الشركات الناجحة في العالم، إذ أنها تسمح بمقدار واسع من حرية اتخاذ القرار اللامركزي مع تحمل الأخطاء الناتجة عن ذلك في مقابل تجنب المركزية البطيئة والتي قد تكون قاتلة في بعض الأحيان.
· احترام التخصص وإتاحة الفرصة الكاملة في تعامل المختص مع ملفاته دون تدخل مخل أو معرقل.
· اللقاءات المتواصلة بين الإدارة والموظفين والتي تسمح بتدفق المعلومات، والسؤال عن التفصيلات، والتعريف بالتوجهات، وتتيح الفرصة للموظفين بأن يشتركوا في صياغة رؤية واسترتيجية مؤسستهم وبما يشعرهم بأنهم شركاء، كما ويضاعف لديهم الشعور بالولاء.
· وجود نظام عادل للرواتب والمكافآت لا توجد فيها شبهات الاستغلال لحاجة المحتاجين، بالإضافة إلى منظومة محكمة لتوزيع أرباح الشركة الإضافية على الموظفين(Profit Sharing Scheme) .
· وجود نظام جزاءات عادل لا ينفصل عن نظام وآليات للتظلم الداخلي والخارجي.
· وجود عدد من البرامج التكافلية بين الموظفين والمدعومة من إدارة الشركة للمساعدة في حالات احتياج الموظفين إلى المساعدات المادية أو الدعم المعنوي، كذلك تقديم الهدايا في بعض المناسبات الاجتماعية للموظفين.
· تشجيع عملية الترقية وسد الشواغر داخليا ولمرشحين من موظفي الشركة قبل غيرهم من المرشحين الخارجيين.
· السماح للموظفين بتقييم مدراءهم، وأخذ نتائج التقييم بعين الاعتبار سواء أدت هذه النتائج إلى ترقية المدير أو الإبقاء عليه أو إقالته.
· توفير جو من الأمان الوظيفي وتدعيم العلاقة التعاونية طويلة الأمد بين الموظفين وإداراتهم.
· تفعيل دور النقابات في حماية حقوق العاملين وتدعيم موقفهم التعاقدي العادل مع أرباب العمل.
· تفعيل دور التدقيق الداخلي المالي والإداري في حماية حقوق ملّاك الشركة وموظفيها.
· تفعيل دور التدقيق الخارجي المالي والإداري من قبل أجهزة الدولة وذلك لرصد الفاسدين وإيقافهم، ولحماية حقوق العاملين والمجتمع وبما يجنب هذه الشركات آثار الإضرابات والاعتصامات المؤثرة سلبا على إنتاجية العمل وعجلة الكسب.
· التدوير الوظيفي أو ما يُعرف بـ “Job Rotation” وهذا يهدف إلى تجديد الحيوية وضخ دماء جديدة في العمل، وتجنيب الموظف الشعور المفرط بملكية الموقع الوظيفي، وأنه سيبقى أبد الدهر الآمر الناهي فيه، وذلك لمنعه من الطغيان على موظفيه أو من له سلطان عليهم.
ومسك الختام
أن الديمقراطية بتجلياتها المذكورة أعلاه هي أمر مطلوب وله أثر ذهبي في الارتقاء بالشركة والعاملين فيها، وأجزم بأنه لو أُخذ بها لما اضطر أحد إلى الاعتصامات والمظاهرات داخل مقار العمل، ولما كان هذا الخلاف بين ثائر ورضوان.
المطمئن في الأمر أن نسمات الحرية والديمقراطية بدأت في التحول إلى ثقافة راسخة في النفوس ستجد طريقها بإذن الله إلى كل موقع في أمتنا المجيدة والحمد لله.
المفضلات