تأملتُ حياة الإنسان ، فوجدتها تنقسم إلى أربعة أقسام ، سمَّيتُ كلَّ قسم منها: (مربع) ،



وجعلتُ كل مربع مدته عشرون عاماً ، على افتراضِ أنَّ الإنسان يعيش ثمانين عاماً .


ووجدتُ أن كل مربع من هذه المربعات له مهام وأهداف مختلفة عن الآخر:


(فالمربع الأول) يبدأ من ميلاد الإنسان إلى بلوغه عشرين عاماً ، وصفة المرحلة هذه



تكمن في التلقي والتعلم ، ثم يأتي (المربع الثاني) ويبدأ من عمر الواحد والعشرين وحتى



الأربعين عاماً، وهي مرحلة العمل وكسب الرزق وبناء الأسرة ، ثم (المربع الثالث) ويبدأ



من الواحد والأربعين وحتى الستين عاماً ، وهي مرحلة تعليم الآخرين وتقديم الخبرة



والمهارة لهم ، وأخيراً (المربع الرابع) ويبدأ من الواحد والستين وحتى الثمانين عاماً ،



وهي مرحلة الإشراف على ما أسس وبنى ، مع التوجيه والمتابعة ، وهي مرحلة كمال



النضج والحكمة .


وفي كل مربع من هذه المربعات لها ما يمتعها ويؤنسها ، كما لها تحدّياتها ومشاكلها



وصعوباتها التي يعيشها الإنسان ، وقد يكون هناك أحياناً تداخل بين المربعات ، فمثلاً: قد



يستمر التلقي والتعليم لاستكمال الدراسات العليا ، فيدخل المتعلم على المربع الثاني إلى



منتصفه ، وتختلف ظروف الناس كلّ بحسب ظرفه، فالشخص الذي لم يُوفّق للزواج مثلاً



قد تتغيّر عنده مهمة المربع الثاني ، فبدلاً من العمل لبناء أسرة فإنه يستمر في العطاء



لخدمة المجتمع ، أو استكمال مشاريعه الخاصة ، أو قد يقوم بخدمة أسرته الكبيرة .




ولو تأملنا الآية الكريمة: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ، قال: ربِّ أوزعني أنْ


أشكرَ نعمتك التي أنعمتَ عليَّ وعلى والديّ ، وأنْ أعملَ صالحاً ترضاه ، وأصلِحْ لي في


ذريتي ، إني تبتُ إليك وإني من المسلمين ) ، وهذا يعني أنه انتهي من مربعين من



الحياة ، وهو الآن مقبلٌ على آخر مربعين ، أي: إنه قد انتصف في الحياة ، فلابدَّ أن يقف



وقفةَ تقييمٍ لأعماله وماضيه ، وأن يتوب توبة منتصف العمر ، وأنْ يُجدّد العهد مع الله



تعالى بأنه من المسلمين ، ثم سينطلق إلى المربع الثالث وهو مربع خدمة المجمتع



والمساهمة في الإصلاح والتنمية في المجال الذي تخصص فيه ، سياسياً أو اقتصادياً أو



اجتماعياً أو صحياً ، أو غيرها من المجالات <span>..، ولهذا أكثر الأنبياء جاءتهم



الرسالة ونزلت عليهم بعدما تجاوزوا أول مربعين في حياتهم</span> ، وبدؤوا في



بداية المربع الثالث ؛ لأنه هو مرحلة العطاء للآخرين ، وقد اكتمل النضج والفهم عندهم ،



فينطلق حينها لتوجيه المجتمع وبناءه.


والمُوفَّقُ من توجَّهَ لبناء مجتمعه وهو بالمربع الثاني (21-40) ، وهذا توفيقاً من رب



العالمين ، ونعمة عظيمة تستحق الشكر ، فيكون هذا الإنسان قد سبق وقته وزمانه ،



وعاش متقدماً أقرانه وإخوانه .




تأمَّلْ معي هذه المربعات ، وحدِّدْ موقعك ، واحرص أنْ تسبق زمانك ، والله الموفق لكل

خير .