موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
كيف ننتفع بالقرآن ..؟؟
كيف ننتفع بالقرآن ..؟؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:فلقد اعتاد الكثير منا عندما يدخل عليه شهر رمضان وغيره من مواسم الخير أن ينكب على المصحف ويجتهد في قراءة القرآن وختمه عدة مرات، بل ويتبارى على ذلك الأقران، ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها بعض الجوانب الإيجابية، مثل: اهتمام المسلمين بكتابهم، وحبهم له، وتعلقهم به، ولكن -ومما يدعو للأسف- أن محور الاهتمام غالبا ما يدور حول حروف القرآن وألفاظه دون أن يصاحب ذلك اهتمام مماثل بما تحمله هذه الألفاظ من معانٍ هادية تدفع من يعيش في أجوائها إلى الاستقامة على أمر الله وعلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}[الإسراء: 9].
وخير دليل على أن ما نفعله مع القرآن ينقصه الكثير والكثير هو واقعنا الذي نحياه، فالواحد منا يقرأ الآيات والسور وينتهي من الختمة تلو الختمة، دون أن تجد أثرًا لهذه القراءة في أفعاله وسلوكه، بل إنك إن سألته عما استوقفه من آيات لم تجد منه جوابًا، فالهَمُّ منصرفٌ لتحصيل أكبر قدر من القراءة طمعًا في الأجر والثواب الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله:"من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف؛ ولكن ألِفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف" [حسنٌ، رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود].
المعنى هو المقصود:
وما هذا فقط أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان أمر القرآن يتعلق بالثواب المترتب على قراءته فقط لكان من الأولى أن نتجه إلى أعمال أخرى تعود علينا بثوابٍ أكبر، مثل ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم:"من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كُتِب له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورُفِع له ألف ألف درجة، وبُني له بيت في الجنة"[صحيح الجامع الصغير، ح(6231)].
ولسنا نعني بذلك التقليل من شأن الثواب المترتب على قراءة القرآن، بل نعني إعادة النظر في طريقة تعاملنا معه؛ فقيمة القرآن وبركته الحقيقية تكمن في معانيه، ولأن اللفظ وسيلةٌ لإدراك المعنى كان التوجيه النبوي بالإكثار من تلاوته، وتحفيز الناس على ذلك من خلال الثواب الكبير المترتب على قراءته، ومثال ذلك: الأب الذي يرصد مكافأةً لابنه إن استمر في المذاكرة عدة ساعات، هو بالتأكيد لا يقصد من وراء ذلك مجرد جلوسه على المكتب والنظر في الكتب دون فهم ما تحتويه، بل هدفه تشجيع ابنه على المذاكرة بذهْنٍ حاضر ليتحقق له النجاح.
فإذا ما نظرنا إلى الهدف الأسمى من نزول القرآن، وربطنا بينه وبين ما رتب الشارع الحكيم على قراءته من ثواب عظيم؛ لوجدنا أن من أهداف هذا الثواب تشجيع المسلمين على دوام الاقتراب منه حتى يهتدوا بهداه، ويستشفوا بشفائه.. أما أن نقترب منه وليس لنا هدفٌ إلا ثواب القراءة فقط دون الالتفات إلى المعنى المقصود من الخطاب؛ فإننا لا شك سنخسر كثيرًا بالاقتصار على ذلك التعامل الشّكْلِي، ولن يحقق فينا القرآن-حينئذٍ- مقصوده.
لا بديل عن التدبر:
إن نصوص القرآن واضحة في أهمية تدبره عند قراءته أو الاستماع إليه، ليكون التدبر وسيلة للفهم والتأثر ثم العمل. يقول تعالى:{كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبروا آياته ولِيتذكر أولوا الألباب}[ص: 29]، ويقول تعالى:{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها}[محمد: 24].
ولأن فهم مقصود الخطاب لا بد أن يلازم قراءة القرآن؛ كان توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص بألا يختم القرآن في أقل من ثلاث، معللاً ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث"[صحيح الجامع الصغير، ح(1157)]. إننا نعمل جاهدين على فهم المقصود من أي كلام نقرؤه أو نسمعه، فلماذا لا نطبق هذه القاعدة على القرآن؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته في أصول التفسير: (ومن المعلوم أن كل كلامٍ فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك). ويؤكد على هذا المعنى الأستاذ حسن الهضيبي فيقول: (ليست العبرة في التلاوة بمقدار ما يقرأ المرء، وإنما العبرة بمقدار ما يستفيد، فالقرآن لم ينزل بركةً على النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظه مجردةً عن المعاني، بل إن بركة القرآن في العمل به، واتخاذه منهجًا في الحياة يضيء سبيل السالكين، فيجب علينا حين نقرأ القرآن أن يكون قصدنا من التلاوة أن نحقق المعنى المراد منها، وذلك بتدبر آياته وفهمها والعمل بها)[مقالات الإسلاميين في رمضان لمحمد موسى الشريف].
التدبر وسيلة وليس غاية:
نعم؛ لا بد أن يصاحب قراءة القرآن الفهم والتدبر. قال القرطبي عند تفسير قوله تعالى:{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}[النساء: 82]: (ودلت هذه الآية على وجوب التدبر في القرآن ليُعرف معناه)[الجامع لأحكام القرآن]. فتدبُّر القرآن وإن كان واجبًا على قارئه أو مستمعه إلا أنه ليس غايةً في حد ذاته، بل هو وسيلة لتفعيل معجزته الكبرى وتحقيقها في نفس متلقيه.
المعجزة الكبرى:
نعلم جميعًا أن القرآن الذي بين أيدينا هو أكبر وأعظم معجزةٍ جاءت من عند الله، وأعظم من عصا موسى وناقة صالح عليهما السلام، وغيرهما من المعجزات، فما هو سر هذه المعجزة والذي جعلها تتفوق على كل ما سبقها من معجزات؟ قد يجيب البعض بأن معجزة القرآن تكمن في أسلوبه وبلاغته، وتحدي البشر به، وأنه صالحٌ لكل زمان ومكان و...إلخ.
نعم؛ هذا كله من أوجه إعجاز القرآن، ولكن يبقى سر إعجازه الأعظم في قدرته على التغيير... تغيير أي إنسان، ومن أي حالٍ يكون فيه ليتحول من خلاله إلى إنسانٍ آخر عالمٍ بالله عابدٍ له في كل أموره وأحواله، حتى يتمثل فيه قوله تعالى:{قُل إن صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين}[الأنعام: 162].
كيفية التغيير:
والتغيير الذي يُحْدِثُه القرآن يبدأ بدخول نوره إلى القلب، فكلما دخل النور إلى جزءٍ من أجزائه بدَّدَ ما يقابله من ظلمةٍ أحدثتْها المعاصي والغفلات واتباع الهوى. وشيئًا فشيئًا يزداد النور في القلب، وتدُبُّ الحياة في جنباته، ليبدأ صاحبه حياةً جديدةً لم يعهدها من قبل. قال تعالى:{أوَمَنْ كان مَيْتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كَمَنْ مثلُهُ في الظلمات ليس بخارجٍ منها}[الأنعام: 122]. فالقرآن إذن هو الروح التي تُبَثُّ في القلب فتحييه. قال تعالى:{وكذلك أوحينا إليك رُوحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا}[الشورى: 52].
وعندما تُبث الروح في القلب، وتمتلئ جنباته بنور الإيمان؛ فإن هذا من شأنه أن يطرد الهوى وحب الدنيا من القلب، مما يكون له أبلغ الأثر على سلوك العبد واهتماماته، وهذا ما أوضحه صلى الله عليه وسلم للصحابة عندما سألوه عن معنى انشراح الصدر الذي جاء في قوله تعالى:{أفَمَن شرحَ الله صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربه}[الزمر: 22]، فقال صلى الله عليه وسلم:"إذا دخل النورُ القلبَ انشرح وانفتح"، قلنا: يا رسول الله، وما علامة ذلك؟ قال:"الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله"[أخرجه الحاكم والبيهقي في الزهد].
من آثاره المعجزة:
يقول تعالى:{ولو أن قرآنًا سُيِّرت به الجبالُ أو قُطِّعت به الأرضُ أو كُلِّم به الموتى بل للهِ الأمرُ جميعًا}[الرعد: 31]. إن للقرآن تأثيرًا قويًا يفوق ما يمكن تخَيُّلُه، ولقد ضرب لنا سبحانه وتعالى مثلاً لذلك فقال عَزَّ مِن قائل:{لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعًا مُتصَدِّعًا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناسِ لعلهم يتفكرون}[الحشر: 21]، فالجبال-كما يقول القرطبي- إذا ما خوطِبت بهذا القرآن مع تركيب العقل لها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعةً متصدعةً، أي متشققةً من خشية الله[الجامع لأحكام القرآن]. وفي هذا المثل دعوةٌ للتفكير في قوة تأثير القرآن ليكون حُجةً على الجميع، ويُبطِل دعوى من ادعى بأنه ليس أهلاً لتدبر القرآن.
القرآن والجن:
ومن آثار المعجزة القرآنية وقوة تأثيرها ما حدث لِنفَرٍ من الجن حين استمع للقرآن، قال تعالى:{وإذ صرَفنا إليك نفَرًا من الجن يستمعون القرآنَ فلَمَّا حضروه قالوا أنصتوا فلمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إلى قومهم منذرين* قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أُنزل من بعد موسى مُصَدِّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مستقيم* يا قومنا أجيبوا داعِيَ الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويُجِرْكُم من عذابٍ أليم* ومن لا يُجِبْ داعِيَ الله فليس بمُعْجِزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبين}[الأحقاف: 29-32].
التعديل الأخير تم بواسطة وائل محمد ; 01-Jul-2014 الساعة 10:28 AM
المفضلات