[SIZE=أكاديمي]اساليب التعامل مع المشاكل مابين العاطفه والعقل .. ؟؟






تري كيف نصنع قراراتنا ..؟؟
كيف نحكم على ما يجري حولنا و نتعامل مع المشاكل التي نواجهها ..؟؟
كيف نترجم هذه الأحكام إلي أفعال ..؟؟
لماذا نغضب و نتوتر عندما نواجه المشاكل أو الصعوبات..؟؟
لماذا تختلف أشكال التعبير عن الانفعالات و التوتر من شخص لأخر ..؟؟
لماذا يكون البعض هادئا في أصعب الظروف بينما ينهار البعض لأتفه الأسباب ..؟؟.
نحن نواجه في حياتنا العديد من المشاكل و لكن أسلوب التعامل مع هذه المشاكل يختلف من شخص إلي أخر فالبعض يسعي لمواجهة المشاكل بهدوء و اتزان بينما ينجر البعض الأخر و راء مشاعره و عواطفه ليحل مشاكله مما يؤدي في الكثير من الأحيان لجعل هؤلاء الأشخاص يفقدون أعصابهم و يتخذون قرارات خاطئة تجعلهم يتصرفون بشكل غير مدروس, ومثل هذه القرارات يمكن أن تكون مصدر شقاء و ندم لمدة طويلة بالنسبة لأصحابها فكم من المرات سمعنا عن شجارات أو جرائم قد يدفع المشاركون فيها حياتهم بسبب قرارات مبنية على أبعاد مرتبطة بالانفعالات أو العاطفة. يعلم كل شخص منا أهمية اتخاذ القرارات بحكمة و تروي فكم من المرات أعجبتنا قصص القادة العظماء الذين حلوا مشاكل أسرهم أو شركاتهم أو بلدانهم بحكمة و هدوء رغم صعوبة و هول المشاكل التي كانوا يواجهونها بحيث كانوا يخرجون من هذه المشاكل بقرارات إبداعية و مبتكرة مما يؤكد تميزهم عن غيرهم في طريقة النظر للمشاكل التي كانت تواجههم و لعل هذا ما يؤكده الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول (ص): "ليس الشديد بالصرعة ؛ إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب".
يا تري هل يستطيع أي شخص أن يفكر طوال الوقت بشكل منطقي و موزون بعيدا عن الانفعالات و العاطفة خلال عملية اتخاذ القرارات الكفيلة بحل المشاكل التي نواجهها؟, هل يستطيع كل فرد في كل الظروف أن يبني قراراته بعيدا عن العاطفة و أن يلجأ في حله لمشاكله للمنطق ..؟؟,

تشير بعض الدراسات التي تمت من قبل المتخصصين في علم النفس الاجتماعي إلى أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تعتمد على طبيعة الأشخاص و نوع المشاكل أو الظروف التي يواجهها الواحد منا, فبشكل عام لا يوجد شخص يمكنه التفكير بشكل موزون و منطقي أو عاطفي انفعالي طوال الوقت و لكننا نميل بشكل عام لأحد الجانبين, فمهما كنا عقلانيين فان ذلك لا يعني عدم امتلاكنا للعاطفة و مهما كنا عاطفيين فان ذلك لا يعني إلغاء و عدم تحكيم العقل. و هنا يقول أرسطو أن التحدي الرئيسي للوصول للفضيلة و الحياة الطيبة لا يكمن في الحالة العاطفية بحد ذاتها و لكن في سلامة هذه العاطفة و كيفية التعبير عنها للوصول للتحضر في حياتنا الاجتماعية, و يضيف أرسطو في نفس السياق أن يغضب أي إنسان فهذا أمر سهل لكن أن تغضب من الشيء المناسب و في الوقت المناسب و للهدف المناسب و بالأسلوب المناسب فذلك ليس بالأمر السهل.

بعض الظروف تدفعنا أحيانا للبعد عن المنطق و العقلانية و الاعتماد على العاطفة في اتخاذنا لقراراتنا و لعل ابرز الأدلة على ذلك المشاكل التي تتطلب منا التضحية لصالح من نحب, و لعل هذا ما يعبر عنه المثل الشعبي الذي يقول "أنا و اخوي على ابن عمي و أنا وابن عمي على الغريب" حيث أن الوقوف بجانب الأخ ضد ابن العم أو مع ابن العم ضد الغريب لم يكن قائما على أسس موضوعية بقدر ما كان قائما في الأساس على العاطفة و هذا ما يتجلي في قصة عائلة أمريكية تتكون من زوجين و ابنتهم التي تعاني من مرض الشلل الدماغي حيث أن السيارة التي كانت تقل العائلة تعرضت لحادث و سقطت عن الجسر في النهر بعد أن فقد الزوج السيطرة على السيارة بينما كان يقودها على جسر في ضاحية بايو بلويزيانا فماتت الزوجة على الفور بينما بدا الزوج ببذل أقصي ما يملك من قوة لإخراج ابنته و تأمينها من الغرق لتنجو من الموت مما أدي لإنقاذ ابنته و موته غرقا بعد ذلك, لقد جسدت قصة هذه الأسرة عملا بطوليا من قبل الأب لضمان بقاء طفلته على قيد الحياة و لا شك أن مثل هذه القصة التي تمثل تضحية الأهل بحياتهم من اجل أبنائهم مهما كان شكل أو ذكاء أو طبيعة أبنائهم قد تكررت في عدد لا حصر له من القصص المماثلة على مدي التاريخ و في عدد لا نهاية له, هذه التضحية الأبوية حسب ما يري المتخصصون ما هي إلا فعل تلقائي تعبيرا عن الحب التلقائي و لا شيء غيره. إن هذا الفعل يعبر عن قوة العواطف في الحياة الإنسانية. إن هذه التضحية بالنفس, هي عمل غير عقلاني بالمرة من منظور العقل, أما من منظور القلب فهي الخيار الوحيد.
يفكر الإنسان كما يشير المتخصصون في علم النفس و علم الأعصاب بعقلين هما العقل العاطفي و العقل المنطقي بحيث يقومان بتناغم بالغ الدقة بمساعدتنا في قيادة حياتنا على النحو السليم بحيث تغذي العاطفة عمليات العقل المنطقي بينما يعمل العقل المنطقي على تنقية مدخلات العقل العاطفي. و مع ذلك يضل كل من العقلين ملكتين شبه مستقلتين, كل منهما يعكس عملية متميزة, لكنهما مترابطتان في دوائر المخ العصبية. و هناك تنسيق دقيق بين العقلين فالمشاعر ضرورية للتفكير, و التفكير مهم للمشاعر لكن إذا تجاوزت المشاعر ذروة التوازن عندها يسود الموقف العاطفي, و يكتسح العقل المنطقي.


لمعرفة الكيفية التي من خلالها تهيمن العاطفة بقبضتها القوية على العقل المفكر, و لفهم أسباب الحرب المستمرة بين العاطفة و المشاعر من جهة و العقل من جهة أخري لابد من دراسة المخ و فهم آلية عمله. يعتبر الدماغ جزء من المنظومةالعصبية التي يدخل فيها النخاع الشوكي والأعصاب إضافة إلى الدماغ. المنظومة العصبيةلا غنى عنها من اجل إقامة التواصل بين أجزاء الجسم المختلفة، لجعله قادر على التصرفكوحدة منسجمة. يزن الدماغ حوالي 1.5 كيلو غرام، أي حوالي 2% من مجمل وزن الجسم، في حين يستهلك حوالي 15 إلى 25 بالمائة من مجموع استهلاك الجسم للطاقة مما يشير لمدي أهمية هذا الجزء من الجسم. لا يوجد مسميات موحدة لأجزاء الدماغ رغم الاتفاق على وظائف الأجزاء المختلفة المكونة للدماغ و في غالبية الدراسات كما يشير إلي ذلك جوناثان كوهن يتم تقسيم الدماغ إلي ثلاثة أقسام هي جذع الدماغ و النظام الحوفي و القشرة الجديدة.

أكثر أجزاء المخ بدائية, هو جدع الدماغ المحيط بقمة الحبل الشوكي, و هذا الجزء مشترك بين كافة الثدييات تقريبا, حتى التي تملك الحد الأدنى من الجهاز العصبي. فهذا الجزء القاعدي من المخ ينظم وظائف المخ الأساسية مثل التنفس و التمثيل الغذائي لأعضاء الجسم الأخرى, كما يتحكم في ردود الفعل و الحركات النمطية, هذا الجزء لا يمكن أن يفكر أو يتعلم, لأنه ليس أكثر من مجموعة من الأدوات التي تعمل بشكل مبرمج لتحافظ على استمرارية قيام الجسم بوظائفه كما ينبغي.
الجزء الثاني من المخ و هو ما يطلق عليه تسمية الجهاز الحوفي أو مركز العواطف و يحوي هذا الجزء من الذماغ مجموعة من الغدد و لعل أهمها الاميجدالا Amygdala و الهيبوثيلاماس Hypothalamus , و هذه الغدد مسئولة عن إفراز المنشطات التي تتجلى من خلالها الاستجابة العاطفية للمواقف التي يمر بها الإنسان من حب أو كراهية أو غضب أو خوف و لذلك سمي هذا الجزء من الدماغ بمركز العواطف.
الجزء الثالث من الدماغ يسمي بالقشرة الجديدة Neocortex و هذا الجزء من الدماغ هو الجزء المسئول عن التفكير المنطقي و التحكم بالعواطف إضافة لمجموعة وظائف أخري مثل القدرة على الحساب و الكلام و تفسير المعلومات الناتجة عن الحواس مثل السمع و البصر و الشم و غيرها, و هذا الجزء من الدماغ هو الجزء الذي يميز الإنسان عن باقي الثدييات بسبب كبر حجمه و تعدد وظائفه كما اشرنا.
بعد التطورات العلمية الكبيرة التي شهدها مجال دراسة الدماغ و آلية عمله و التي بدأت منذ وقت طويل و لكن ثمارها بدأت تقطف في الثمانينات من العقد الماضي و بعد الدراسات التي قام بها جوزيف لو دو عالم الأعصاب بمركز علوم الأعصاب بجامعة نيويورك الذي كان أول من اكتشف الجزء العاطفي من الدماغ و آلية عمل هذا الجزء, حيث أن هذا الجزء يعمل على إفراز هرمون النوريباينفرين Norepinephrine الذي يجعل الجسم أكثر يقضه بحيث تتسارع دقات القلب و يرتفع ضغط الدم و يبطؤ التنفس كاستجابة للانفعالات , لكن السؤال الذي طرح في السابق و الذي يفرض نفسه هنا ما الذي يجعل البعض يحسن التصرف في مثل هذه الظروف في حين أن البعض الآخر لا يجيد ذلك؟ تم في الفترة الأخيرة الاعتماد على الأجهزة المتطورة في دراسة الدماغ ومنها جهاز (FMRI ) ( functional magnetic resonance imaging) و هو جهاز يمكنه الدمج بين وظيفة جهاز الرنين المغناطيسي الذي يكشف حجم النشاط الذي يتم في الدماغ و أجهزة أخري تعمل على ربط نشاط الدماغ مع الظروف التي يواجهها الواحد منا من خلال الحصول على قراءات لحظية و مستمرة توضح الاختلاف في أداء الدماغ من لحظة لآخري, أن بعض الأشخاص يستطيعون السيطرة على الانفعالات لأنهم يوظفون عندما يواجهون أي مشكلة الجزء الثالث من الدماغ حسب تصنيفنا السابق وهو الجزء الذي يعرف باسم القشرة الجديدة مما يكسبهم القدرة على حل هذه المشاكل بحكمة و تروي دون تهور و طيش, و هذا يقودنا للتساؤل عن كيفية القيام بذلك ..؟؟

رغم أن القيام بمثل هذا الأمر يعد في غاية الصعوبة ألا أن الحل يكمن في تدريب أنفسنا على الاعتماد على الجزء المنطقي من أدمغتنا و الذي يعمل على التحكم بمشاعرنا فالدماغ كغيره من أجزاء و عضلات الجسم الأخرى يزيد قوة مع زيادة التدريب و الصقل فبعض الأشخاص ينمي و يصقل القشرة الجديدة من الدماغ مما يؤدي مع الوقت لان يكون أكثر قدرة على ضبط نفسه و التحكم بمشاعره بينما يبقي البعض الأخر حبيس الجزء العاطفي من الدماغ و لعل ما يؤكد هذا التصور نتائج بعض الدراسات التي أشارت إلي أن المراهقين أكثر اعتمادا على الجزء العاطفي من الدماغ في اتخاذهم لقراراتهم مقارنه مع البالغين و لعل الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول (ص) "إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه, و من يتق الشر يقه" يؤكد أن السيطرة على الانفعالات و العواطف يمكن تنميتها مع الوقت و لكن ذلك يحتاج لإرادة و رغبة حقيقية للقيام بذلك على النحو الصحيح حيث أشارت احدي الدراسات التي قام بها كاجان و المختص في علم التربية أن طفلا من بين كل ثلاثة جاءوا إلي هذه الدنيا تصاحبهم أعراض فرط نشاط غدة الاميجدالا (المسئولة عن العواطف) تخلصوا من هذه الأعراض عند وصولهم مرحلة الحضانة و يلعب الآباء دورا مهما في مساعدة الأبناء في التخلص من هذه الأعراض و التغيير من طباع الأطفال المتوترين فطريا.
لعل أهم ما يمكن الإشارة إليه هنا هو ضرورة الالتزام بما أشار إليه عالم النفس جون ماير الذي أكد على أهمية أن يعرف الإنسان ذاته و هو يشير إلى أن الأشخاص الذين يملكون الوعي بالنفس هم أولئك البشر الذين يدركون حالتهم النفسية و يملكون الحنكة فيما يخص حياتهم الانفعالية و يمثل إدراكهم الواضح لانفعالاتهم أساسا لتميزهم مما يؤدي لان يكونوا شخصيات مستقلة واثقة من إمكاناتها تميل للنظرة الايجابية للحياة و عندما تتكدر أمزجتهم لا تستبد بأفكارهم و يستعطون الخروج من هذه الحالة بسرعة مما يعني أن عقلانيتهم تساعدهم على إدارة عواطفهم و انفعالاتهم.
في النهاية يمكن القول ان فهمنا لذاتنا سيجعلنا اكثر قدرة على فهم الاخرين لان ذلك سيقودنا للتعرف على الكيفية التي يفكر بها الاخرين و الوعي بالاسلوب المناسب للتعامل معهم في كل ظرف يواجهونه و هذا ما بدا يعرف في التسعينات باسم الذكاء العاطفي او الذكاء الوجداني الذي اثبتت الدراسات حاجة القادة لهذا النوع من الذكاء الذي يعرفه غولدمان المتخصص في علم النفس بانه القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي و شعور الاخرين، و ذلك لتحفيز انفسنا، و لادارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الاخرين. لا يمكننا انكار دور مثل هذا النوع من الذكاء في تحقيق النجاح على المستوي الفردي و الجماعي فوفقا ل*دراسة قام بها دانييل غولدمان يمثل الذكاء العاطفى 85% من أسباب الاداء المرتفع للافرادالقياديين. تأثير الذكاء العاطفى على الاداء المؤسسي لا يمكن الاستهانة به، وبأستخدامالذكاء العاطفى يم**كن مضاعفة أنتاجية الموظفين فى بعض الادوار التى يقومون بها. من هنا لابد ان يسعي كل شخص منا لتنمية قدراته في هذا المجال لادارة حياتنا بشكل سليم و ايجابي.
[/SIZE]
[SIZE=أكاديمي]
[/SIZE]