تزايدت أعداد الشباب الإسلامي، وصاروا علامة بارزة في أكثر المجتمعات الإسلامية، وكان أكثرهم -بحمد الله- نماذج مشرفة؛ حيث تصدروا العمل الإغاثي، وتفوقوا في المجال الدراسي، وتقدموا في ميدان الجهاد، وظهروا في الإطار السياسي، وتميزوا بالسمت الأخلاقي، وأبدعوا في التحرك الدعوي.

وبحكم ما في الشباب من عاطفة موّارة، وقوة كبرى، وطاقات شتى؛ فإنهم دائمًا في المقدمة إزاء مستجدات الأحداث، تأييدًا أو مواجهة، كما أنهم أصحاب صناعة كثير من الأحداث من خلال جرأة المبادرة، وقدرة الممارسة، إلا أن هؤلاء الشباب وقد التزموا الإسلام عقيدة وسلوكًا يعايشون أوضاعًا شاذة، ومواجهات حادة؛ ففي كثير من المجتمعات الإسلامية مخالفات شرعية ظاهرة، كما أن في كثير من الحكومات الإسلامية انحرافات خطيرة، إضافةً إلى المواجهة السافرة من قبل أعداء الدين، تلك المواجهة التي ظهرت بأبشع صورها من خلال الحرب الشعواء على المسلمين اقتصاديًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا وعسكريًّا.

فالشباب -إذن- يواجهون الغربة الإسلامية، ويجابهون الحرب العدائية، وذلك يثير فيهم الغيرة الإسلامية، والحماسة الشبابية، فتتحرك العواطف المتقدة، والمشاعر الملتهبة لإنكار المنكرات، وفضح المؤامرات، وصد الهجمات في غضب عارم، وعاطفة جياشة، ويقدم بعض الشباب على تصرفات لا يتحقق جدواها، ولا تحمد عقباها، ويفقد بعضهم السيطرة على عواطفه، ويفقد بالتالي حسن التصرف وسداد الرأي وصواب القول، وقد يسمع هؤلاء من يوصيهم بالصبر فتجيب عواطفهم: "لم يعد في قوس الصبر منزع". وقد تُذكر لهم الحكمة فيقرنها حماسهم بالجبن والخور، وقد يشار إلى مراعاة المصالح والمفاسد، فلا يفهمون من ذلك إلا أنه مداهنة وتميع، وكلما عُرض لهم شيء انجرفوا في تيار الحماسة المتدفق.

وأنا أعذر هؤلاء القلة من الشباب؛ لأن ما يواجهونه من مخالفة الشرع ومحاربة الدين أمرٌ عظيم يدفعهم لمثل هذه الممارسات التي تهون في مقابل ما يفعله غيرهم تجاههم، ولكنني أقول لإخواني الشباب:

إن المنتظر منكم أكبر، والأمل فيكم أعظم، والظن بكم أحسن؛ ولهذا أوجِّه لكم هذه الكلمات أخاطبكم بها -دون غيركم- لتكتمل مسيرتكم الراشدة، ولتسدوا الثغرات على المتصيدين للأخطاء بغرض التشهير، والمتربصين بكم الدوائر بغرض القضاء والتدمير.

1- إن البلاء الواقع في الأمة والعداء الموجَّه لها لم يحدث في يوم أو يومين، ولن يزول كذلك في يوم أو يومين.. لن نستيقظ في الصباح وقد رفعت راية الجهاد، وصلحت أحوال البلاد والعباد، ولن يتغير الواقع بحماس مندفع، ولا نقد لاذع، بل بعمل دائب متئد، واجتهاد مستمر غير منقطع.

2- لا بد من ضبط العاطفة بالعقل، ولا يحسن العقل الضبط إلا بالشرع، وقد أحسن ابن القيم حين قال: "إذا خرج عقلك من سلطان هواك، عادت الدولة له".

3- التدرج سنة إلهية، تظهر في كثير من الأمور، أما الطفرات فهي أمور عارضة، غالبًا ما تفتقر إلى الأسباب المنطقية، ولا تنتهي إلى نتائج مرضية.

4- سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم مليئة بالعبر، وقد طاف بالكعبة وحولها الأصنام، حتى إذا آن استكمال العمل حطمها مرددًا: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: 81]. وبين الفترتين صبر طويل، وحكمة بالغة، وجهاد دائم.

5- في التاريخ الإسلامي الطويل، وفي تجارب الواقع المعاصر أدلة ظاهرة، وأحداث ناطقة تبين نتائج الاندفاع العاطفي، والحماس غير المنضبط، والعمل الذي لا يعطي للزمن دوره، ولا يحب المعطيات والعواقب، ولا يخطط لنتائج، ولا يستعد لردود الأفعال.

ونحن جميعًا محكومون بشرع الله، ودائرون معه، وقد قال الله لرسوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} [المزمل: 10]. وقال له: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [الروم: 60]. ونحن كذلك بالرسول الكريم مقتدون، وهو الذي قال صلى الله عليةه و سلم للأشجِّ: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ". وهو الذي علّمكم أنه "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". وعلماؤنا قالوا: "يجب ترك إنكار المنكر إذا كان الإنكار يؤدي إلى وقوع منكر أكبر".

لا أقول لكم: أطفئوا جذوة الحماسة بل وجّهوها، ولا أقول: توقفوا عن العمل بل أتقنوه، وفوِّتوا على الأعداء الفرصة من خلال البصيرة الراشدة والحكمة الواعية والعمل المتزن، بعيدًا عن ردود الأفعال، وسرعة الانفعال.