أشار د.مصطفي محمود في كتابه "رأيت الله " إلى قصة الأسد "سلطان" الذي اغتال مدربه "محمد الحلو" وقتله غدراً في أحد عروض السيرك بالقاهرة ، وما نشرته الجرائد بعد ذلك من انتحار الأسد في قفصه بحديقة الحيوان ، ليضع بذلك نهاية عجيبة لفاجعة مثيرة من فواجع هذا الزمن.


القصة بدأت أمام جمهور غفير من المشاهدين في السيرك حينما استدار محمد الحلو ليتلقى التصفيق بعد نمرة ناجحة مع الأسد "سلطان" ، وفي لحظة خاطفة ، قفز الأسد على كتفه من الخلف ، و أنشب مخالبه وأسنانه في ظهره!


وسقط المدرّب على الأرض ينزف دماً ومن فوقه الأسد الهائج ، واندفع الجمهور والحرّاس يحملون الكراسي ، وهجم ابن الحلو على الأسد بقضيب من حديد وتمكن أن يخلص أباه بعد فوات الأوان ، ومات الأب في المستشفى بعد ذلك بأيام ، أما الأسد سلطان فقد انطوى على نفسه في حالة ، اكتئاب ورفض الطعام ، وقرر مدير السيرك نقله إلى حديقة الحيوان باعتباره ، أسداً شرساً لا يصلح للتدريب.


و في حديقة الحيوان استمر "سلطان" على إضرابه عن الطعام فقدموا له أنثى لتسري عنه فضربها في قسوة
وطردها وعاود انطواءه وعزلته واكتئابه .. وأخيراً انتابته حالة جنون، فراح يعضّ جسده وهوى على ذيله بأسنانه فقصمه نصفين!



ثم راح يعضّ ذراعه، الذراع نفسها التي اغتال بها مدرّبه ، وراح يأكل منها في وحشية ، وظل يأكل من لحمها حتى نزف ومات واضعاً بذلك خاتمة لقصة ندم من نوع فريد، ندم حيوان أعجم وملك نبيل من ملوك الغاب عرف معنى "الــوفـــــاء" وأصاب منه حظاً لا يصيبه الآدميون .. أسدٌ قاتل أكل يديه الآثمتين.

وهنا يري د.مصطفي محمود القصة برؤية عميقة ومختلفة حلل الموقف ووصفه بأنه درسٌ بليغ يعطيه حيوان للمسوخ البشرية التي تأكل شعوباً وتقتل ملايين في برود على الموائد الدبلوماسية وهي تقرع الكؤوس وتتبادل الأنخاب ثم تتخاصر في ضوء الأباجورات الحالمة وترقص على همس الموسيقى وترشف القبلات في سعادة وكأنه لا شيء حدث.


ويقول د. مصطفي محمود : إنّي أنحني احتراماً لهذا الأسد الإنسان .. بل إني لأظلمه وأسبّه حين أصفه بالإنسانية.

كانت آخر كلمة قالها "الحلو" وهو يموت : "أوصيكو ماحدش يقتل سلطان .. وصية أمانة ما حدش يقتله"

هل سمع الأسد كلمة مدربه .. وهل فهمها؟ .. يبدو أننا لا نفهم الحيوان ولا نعلم عنه شيئاً

إنّ القطة العجماء تتبرز ثم لا تنصرف حتى تغطي برازها بالتراب .. هل تعرف تلك القطة معنى القبح والجمال..؟


وهي تسرق قطعة السمك من مائدة سيدها وعينها تبرق بإحساس الخطيئة فإذا لمحها تراجعت .. فإذا ضربها طأطأت رأسها في خجل واعتراف بالذنب ، هل تفهم القانون؟ هل علمها أحد الوصايا العشر؟ ..

لماذا لا نصدق حينما نقرأ في القرآن أنّ الله هو المعلم؟؟

وراح يعدد الحيوانات وقدراتها التى يعجز العقل البشري عن فهمها وتسائل د.محمود : من أين جاءت تلك المخلوقات العجماء بعلمها ودستورها إن لم يكن من خالقها؟ .. ولماذا ندهش حينما نقرأ أن الحيوانات أمم أمثالنا ستحشر يوم القيامة؟
(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون)



ألا يدلّ سلوك ذلك الأسد الذي انتحر على أننا أمام نفس راقية تفهم وتشعر وتحس وتؤمن بالجزاء والعقاب والمسؤولية! نفس لها ضمير يتألّم للظلم والجور والعدوان!