لحديثة التي أجريت في السنوات الأخيرة حول أهم عامل في نجاح رجل الأعمال، وجد أن قضية التوازن، تمثل العامل الأهم. وتشير الدراسات إلى أنّ هذا العامل هو القاسم المشترك بين جميع الذين يعتقدون أنهم ناجحون وسعداء في حياتهم. إنّ هؤلاء الناجحين أتقنوا كما تفيد الدراسات فن التوازن في الحياة، وتحديد متى يُنهون ارتباطاً أو مسؤولية والانتقال إلى مسؤولية أخرى. لقد أتقنوا فن "هذا يكفي". فإذا كان الواحد منهم منخرطاً في عمله في المكتب فله حدود يقف عندها "نهاية الدوام" بحيث يعرف أن لديه مسؤوليات وأدوار خارج المكتب، تحتاج منه اهتمامه وتركيزه في منزله وفي حياته الخاصة ولابدّ من إنهاء وقت العمل والذهاب إلى المنزل. وهكذا في المنزل عندما يكون بين أهله وأطفاله يعرف الوقت الذي يكفي له بينهم بحيث يلتفت إلى مسؤولية أخرى. وإذا كان في اجتماع يعرف متى ينهي الاجتماع لعمل شيء آخر. إنّ هؤلاء الناجحين ببساطة أتقنوا فن "هذا يكفي" تعبيراً عن الموازنة بين الأدوار والمسؤوليات الوظيفية والشخصية والأسرية والاجتماعية. إنهم بهذا يقدرون لكل عمل قدره، ولا يضيعون أوقاتهم في أعمال وفي أدوار على أهميتها القصوى، تزاحم الأدوار الأخرى في الحياة. إنهم يلعبون لعبة التوازن، وهي أهم لعبة لتحقيق السعادة والنجاح. "مجلة جامعة هارفرد الأمريكية 2004".

عندما استعرضت هذه الدراسات تذكرت المعنى الخالد من القيم والمثل المتعلق بمفهوم التوازن في الإسلام وتذكرت التركيز العظيم في الآيات القرآنية وفي الأحاديث النبوية على موضوع التوازن وأهميته لنجاح الإنسان وسعادته. تأمل هذه الآيات الكريمة:
(وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...) (القصص. 77).
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (الإسراء/ 29).
وكذلك تأمل هذه الأحاديث العظيمة:
- "ولكن أصوم وأفطر وأصلِّي وأنام وأتزوَّج النساء".
- "ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
- "اعقلها وتوكّل".
ومعادلة التوازن هذه تعني بالضرورة أن نتوازن بين الدوائر الخمس الرئيسة في حياتنا: دائرة العبادة، والدائرة الشخصية، دائرة الوظيفة أو العمل، دائرة الأسرة، دائرة المجتمع، ونعطي كل واحدة من هذه الدوائر حقها كاملاً. طبعاً هناك أولويات في داخل كل واحدة من هذه الدوائر، فدائرة العبادة تمثل أهم الدوائر ثمّ يأتي بعدها الدائرة الشخصية، ثمّ دائرة الأسرة ثمّ الدوائر الأخرى. ولابدّ أن تكون حياتنا انعكاساً لهذه الدوائر من ناحية الأولويات ثمّ من ناحية أن يكون هناك توازن بين أدوارنا ومسؤولياتنا في كل دائرة.
ليس هذا فحسب بل لابدّ أن تكون معادلة التوازن هذه مطبقة بطريقة صحيحة في كل دائرة على حدة من الدوائر الخمس. ففي كل دائرة هناك توازن خاص وهناك أولويات مطلوبة.
كم مرة في حياتنا سمعنا وقرأنا عن قصص عدم التوازن، وكيف ارتبطت بشقاء وبؤس الإنسان وكم كان لها من نتائج كارثية على حياة الأفراد. فهذا يدمر صحته في اللهث وراء كسب المال، وهذا يضحي بأسرته من أجل عمله، وهذا يضحي بدينه وأمانته من أجل حفنة من النقود، وهذا يتعرض للأمراض بسبب عاداته في الأكل وفي الحياة. وهذا يهدر ماله وصحته من أجل متعه محرمة، أو مخدر أو مسكر... إلخ.
إنّ مشكلات الإنسان في أصلها ناتجة من عدم التوازن في حياته وعدم قدرته أو معرفته لتحقيق هذا التوازن. لذلك ليس غريباً أن يكون التوازن في الحياة أُم الفضائل وقاعدة النجاح وجوهر السعادة.
لقد تأملت التوازن وأثره في الحياة وجعلته العادة الأخيرة من عادات السعادة والنجاح في كتابي العادات العشر للشخصية الناجحة. اسأل نفسك: أين أنا في معادلة التوازن؟ هل حياتي متوازنة؟ هل أحقق التوازن في عبادتي؟ عملي؟ صحتي؟ غذائي؟ نومي؟ علاقاتي؟ وقتي؟ مصروفاتي؟►