السعادة "فن " تذوق الحياة



نبيل حاجي نائف: يرى البعض أنه من الصعب تعريف السعادة بشكل دقيق، فهي تشمل أمور ‏وأوضاع كثيرة ومتنوعة ومتشابكة، ومتناقضة أحياناً.

فالألم والمعاناة تصنف ‏غالباً بأنها من الأوضاع غير السعيدة، ولكنها في بعض الحالات تكون ‏مترافقة مع سعادة، فالأم تعاني وتتعب في تربية أولادها والعناية بهم ولكنها ‏غالباً تحصل على السعادة ولا تهتم بما عانت وتعبت.

والمنتصر في الملاكمة ‏يكون في أشد حالات الألم ولكن يشعر بسعادة الفوز التي تتغلب على آلامه. ‏وفي الكثير من الأوضاع التي تستدعي التدريب والتعلم الطويل والمجهد كما ‏في التدريبات الرياضية والتعلم في المدارس، نجد أنه عندما يتحقق النجاح أو ‏الفوز تتحقق السعادة وتطغى على كل الآلام والمعاناة التي حصلت، وهناك ‏لذة الإيثار والعطاء والتضحية، فالمهم هو الإنجاز الذي يتحقق ويحقق الرضا.

‏وكيفية أو طرق تحقيق السعادة كان هدف غالبية العقائد والأديان والفلسفات، ‏فالفلسفة الأبيقورية تعتمد البحث عن السعادة الذاتية وتحقيقها، ومذهب ‏‏"النفعية"أو "الذرائعية" يعتمد البحث عن السعادة لأكبر عدد من الناس.

والآن ‏هو محط اهتمام متزايد من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس والقادة ‏والسياسيين، ويرى بعضهم أن أهم عناصر السعادة هي: ‏
الحصول على لذّات ومتع الحياة بالاستمتاع باللذات الجسمية الطعام ‏والشراب والجنس.. يحقق السعادة وهو يؤمن لنا الصحة والحياة.

الانشغال ‏بأمر باستخدام القدرات وتحقق الإنجازات، مثال على ذلك عندما تستغرق في ‏عمل أو هواية يمكن أن لا تشعر بالسعادة، ولكن فيما بعد سيتملكك إحساس ‏عميق بالرضى لما أنجزته من نجاح، ولزمن طويل.

الإحساس بمعنى أن ‏تكون جزء من شيء أعظم منك مثال على ذلك كافة أشكال الانتماءات الدينية ‏والعقائدية والاجتماعية. الوقوع في الحب أو ولادة طفل يحقق السعادة . ربح ‏المال أو اليانصيب. البقاء في أحضان الطبيعة.

في الولايات المتحدة وحسب المسح الاجتماعي مصادر السعادة الرئيسية ‏هي: العلاقات الأسرية، المال، العمل، العلاقات الاجتماعية، الصحة، القيم ‏الشخصية والحرية.‏

إن السعادة الآن موضع دراسة موسعة من قبل قاعدة البيانات العالمية ‏للسعادة. أسعد الشعوب حسب قاعدة البيانات العالمية هم الدنماركيون ‏فالمالطيون فالسويسريون فالإيرلنديون فالكنديون، وأشقى الشعوب العراقيون ‏والصوماليون. ‏

تعريف السعادة ‏
شكل ونوع وطبيعة السعادة ، مقدارها وشدتها ، حسية أو جسمية ، نفسية ، ‏فكرية أو روحية.‏

إن السعادة في أساسها شعور وأحاسيس ، فهي تابعة لوعينا وأحاسيسنا ‏وبغياب وعينا ينتهي كل شيء. فالسعادة في أساسها تعتمد على تحقيق ‏أحاسيس اللذات والمتع الجسمية والفكرية، وتحاشي الألم والمعاناة أو تخفيفهم ‏أو التكيف معهم وتحملهم ريثما ينتهوا. ‏

في الأساس لم تكن للكائنات الحية أحاسيس، فقد كانت لديها أجهزة إعلام ‏وإنذار توجه الكائن الحي وتساعده في تأمين مستلزمات حياته واستمرارها، ‏فكانت توجهه لما يفيده وتحاشي ما يضره ، وبعد ذلك نشأت الأحاسيس ‏المقيمة باللذة والألم ، وصار توجيه تصرفات الكائن الحي تابع أيضاً لشعور ‏بهذه الأحاسيس اللذيذة أو المؤلمة .

وصارت أهمية ومدى تأثيرها على ‏تصرفات الكائن الحي تابع لمجال وقوة شعور الكائن الحي بهذه الأحاسيس، ‏وبالنسبة لنا نحن البشر فإننا نملك شعور ووعي متطور وواسع جداً وهذا ‏جعل تأثير أحاسيس اللذة والألم هو المقرر الأقوى لتصرفاتنا الواعية. ‏

فالسعادة هي بمثابة مكافأة على استجابة أو تلبية دافع أو تصرف مفيد "أو ‏يعتبر مفيد" تم القيام به وإنجازه، والألم هو بمثابة عقوبة لتصرف أو استجابة ‏أو فعل ضار "أو يعتبر ضار" تم القيام به.

وليس كل إحساس لذيذ يمكن أن ‏يولد السعادة فالمخدرات والمسكرات هما مصدرا لذة وسعادة ولكنهما ضارين ‏بالجسم والشخص ، لذلك يتم تحاشيهما ولا يعتبرا مصدرا للسعادة. ‏

إننا مدفوعون لتحقيق الكثير من الدوافع ، كما أنه تنشأ لدينا وبشكل مستمر ‏دوافع جديدة، ونحن نشعر بالسعادة عند تحقيق دوافعنا ونشعر بالألم والإحباط ‏عند عدم تحقيقها.

والقضية الأساسية التي تسبب الفشل والإحباط وبالتالي الألم ‏والمعاناة هي محاولة تحقيق مجموعة دوافع أو أهداف في نفس الوقت مع أن ‏هذا شبه مستحيل، لأن بعض هذه الدوافع متضارب ومتناقض مع بعضها ولا ‏يمكن تحقيقها جميعاً في نفس الوقت، ونحن لا نتبين أو ندرك ذلك لأنه غير ‏واضح لدينا.

وكذلك اختيار أهداف يصعب تحقيقها أو أن احتمال تحقيقها ‏منخفض نظراً لإمكانياتنا أو ظروفنا يمكن أن يسبب لنا الألم والمعاناة ، لذلك ‏يكون من المهم تنظيم الدوافع والأهداف ، وتوقيت تحقيقها، لكي نتمكن من ‏خفض نسبة الفشل والإحباط إلى أقل حد ممكن، وبالإضافة إلى ذلك الاهتمام ‏بتحقيق أكبر قدر من دوافعنا الأساسية والهامة.

ولكن كيف نحدد هذه الدوافع ‏الأساسية الهامة؟
إن هذا ليس بالأمر السهل أبداً . فأغلب الناس في الوقت الحاضر لا ينتبهون ‏لذلك، فهم يضعون أو يخلقون كثيراً من الأهداف غير المناسبة لهم ، أوهم ‏يدفعون لتحقيق أهداف لا يستطيعون تحقيقها. وأهم الأمور كيف نتعامل مع ‏الخسارة الحقيقية وما تسببه من معاناة واستيعابها والسعي لتخفيف تأثيراتها ‏الضارة والسلبية.‏

تأثير السعادة الإيجابي نتيجة التغذية العكسية الموجبة التي تقويها وتضاعفها، ‏وكذلك الأمر مع أحاسيس الشقاء والتعاسة.

لقد لوحظ أن الأشخاص السعداء يصبح لديهم جهاز مناعة أقوى ويتعافون من ‏الأمراض أو من الجراحة أسرع من غيرهم، وكذلك يكونون أطول عمراً في ‏الغالب. ويتميز الأفراد السعداء عن بقية الأفراد بأن أسلوبهم في الحياة ‏والتعامل مع الأمور مرن ويمكن أن يتطور ويتعدل إذا لم تنجح خططهم، ‏فيطورون طرق أخرى أكثر جدوى.

بعض الناس محظوظين فيولدون ‏ومفاتيح السعادة في يدهم "أو كما يقولون: يولدون وفي فمهم ملعقة من ‏ذهب"، ولكن السعادة يمكن تحقيقها بواسطة طرق كثيرة متاحة.

وفيما يتعلق بعلم الدماغ فقد أظهر الدكتور "ريتشارد دافيدسون" أن للمشاعر ‏السعيدة صلة بنشاط كهربائي أكبر في الفص الأمامي الأيسر من الدماغ، ‏والمشاعر السلبية صلة بالفص الأيمن، فيظهر الناس السعداء نشاطاً أكبر في ‏الفص الأمامي الأيسر ، ويستهلكون غلوكلوز أكثر.

وتظهر دارسة صور ‏الدماغ أن الرهبان البوزيين "وكذلك الراهبات المسيحيات وكافة المتدينين ‏الحقيقيين" أنهم أكثر الناس سعادة.

وبالنسبة لنا نحن البشر هناك مصادر وعوامل متعددة لها دورها في تحقيق ‏سعادتنا أو شقائنا وهي: دور طبيعة الجسم وخصائصه وقدراته الموروثة ، ‏وبشكل خاص دور الأحاسيس. دور البيئة الطبيعية والمادية. دور المجتمع. ‏دور الدين والعقائد والعادات والتقاليد.

المعرفة والأفكار والإدارة. دور ‏القدرات المتاحة، المال والجاه والسلطة. وللحصول على سعادة أكثر ومعاناة ‏أقل. حاول تقبل الخسارة بروح رياضية ، واتخاذ الإجراءات المناسبة ‏لاستيعابها. حاول تخفيف لوم نفسك أو الندم قدر الإمكان....
العرب اون لاين
14/06/2009 10:54:10 ص
اسرة