ميلاني وارنر
الذعر في زمن الركود و التراجع أمر طبيعي. و عندما يشدّ الزبائن أحزمتهم، و تتراجع العوائد و ينتشر اللون الأحمر كالحريق في التقارير المالية الجافة يصبح معقولاً جداً الانشغال بالبحث عن كل حيلة ممكنة لإيقاف النزف و إعادة سفينة الشركة إلى توازنها.
المحافظة على الوجود مطلبٌ جوهري لا خلاف عليه، و لكن كثيراً من وسائل المحافظة على بقاء الشركة في الحاضر إنما هي عوامل في تغييب الصورة الكبرى و إخفاء الفرص القادمة و تحتيم دمار الشركة بعد حين يطول أو يقصر.
فيما يلي نستعرض أربعةً من أشد الأخطاء تدميراً لدى المديرين في كلّ وقت و في أوقات الضيق المالي و الركود خصوصاً، حيث يجتمع الظرف الضاغط نحو وقوع المديرين بهذه الأخطاء مع الظروف المُضاعفة لآثار هذه الأخطاء.
1- تقليص العمالة: تحميل المشكلات على من لا ذنب لهم سوى الاضطرار إلى التحمّل:
مكمن الخطر: إلى جانب مشكلاتٍ مستقبلية عديدة يزعزع تقليص العمالة معنويات الطاقم.
إن قصقصة جداول الأجور و التكاليف فكرةٌ حسنةٌ و لكن ليس عندما يطال الساطور الأعشى أقساماً بحالها. ترى من يريد العمل باختياره في شركةٍ تبدو و كأنّها تسلّم مبضع تخفيضات العمالة إلى سفّاح شرّير و ليس إلى جرّاح قدير؟!
مثال: خلال العشرين عاماً الماضية نفّذت شركة " إيستمان كوداك" موجاتٍ متتالية من تقليص العمالة إلى درجة أن الاستشاري الإداريّ بوب ليغ نبّه الشركة إلى أن الموظّفين يذعنون لفكرة انعدام الأمان الوظيفي فلا يرجون من الشركة غير ذلك، و أثناء حديثه مع أحد المهندسين المخضرمين وجد بوب أن ذلك المهندس يذعن لفكرة فقدانه وظيفته إذعانه لوقوع الأمراض و الكوارث المحتملة في أيَ لحظة. و لك أن تتصوّر معنويات من يصل إلى هذه المرحلة، و إن ظننتَ أن تحصيل أفضل ما لديهم في هذه الأجواء باتَ مستحيلاً فإنك لم تجانب الصواب أبداً.
2- تخفيض الأسعار: التخلّي عن مبدأ البيع بالقيمة
مكمن الخطر: تخفيض القيمة المتصوّرة لمنتجاتك في السوق
إن تخفيض الأسعار لا تقتصر أعراضه الجانبية على الإضرار بالعوائد، بل هو يؤذي أيضاً صورة منتجاتك و علامتك لدى الزبائن، و لا بد من أن يؤثر هذا في المدى الطويل على قيمة منتجاتك و قيمة شركتك كلّها.
بدلاً من صرف اهتمامك إلى البحث عن سبل تخفيض الأسعار حاول القيام بكل ما يعزّز القيمة المتصوّرة لمنتجاتك perceived value . أوصل منتجاتك بسرعة أكبر، عزّز نشاطات التسويق، دع الزبائن يرون و يفهمون المزيد عن استخدام منتجاتك لجعل حياتهم أفضل.
3- ضعف التواصل مع قوة العمل:
مكمن الخطر: أية أخبار ستبهر و تقلق من ليس لديه أخبار. و هكذا ستزدهر صناعة الإشاعات و المخاوف و المشكلات.
كثيراً ما ينسى المديرون الأهمية الكبرى و الآثار الممتدة لقيامهم بالقليل من مشاركة المعلومات. دع الناس يعلمون بما ينبغي أن يعلموا في أقرب وقتٍ ممكن، سواء أكان ذلك تقليصاً للعمالة، أو إعادة هيكلة، أو أساليب عمل، أو مشاريع جديدة.
إن لم تبادر إلى تحسين التواصل و نشر المعلومات فلا تستغرب استحكام ثقافة القلق الدائم و التحزير في منظّمتك، و لا تنسَ أن الموظفين المتوتّرين الضائعين في تفسير كل كلمة و إشارة عابرة لا يمكن أن يكونوا متفوقين في أدائهم.
و إن كانت بعض الأخبار السوداء في طريقها إليكم فلا تنس استباقها حتّى يتهيّأ الموظفون لها.
مثلاً: أعدّت شركةُ خدمات مالية لتقليص العمالة، و لم تهتم بإبلاغ موظفيها في الوقت الملائم إلى أن وجد هؤلاء المستغنى عن خدماتهم أنفسهم يُفاجؤون ويسمعون أخبار صرفهم من العمل مثلما يسمعها جيرانهم و زملاؤهم. أيُ تعبير عن التقدير و الاحترام يودّع به هؤلاء البشر؟ أيُّ احترام و ثقة حقيقيّين بقيت لديهم كي يقدّموها لرب عملهم الجديد؟
4- الذعر من الخسائر المالية الآنيّة: المخاطرة بالمستقبل ضماناً للّحظة
مكمن الخطر: لا عسل دون إبر النحل. أن لم نثبت على المسارات الإستراتيجية بتأثير الصدمات العابرة فإلى أين سنصل؟
في فترات الضيق و المبيعات المتعثّرة يمكن للهجوم بتقليص التكاليف على الأبحاث و التطوير و إنفاقات التسويق (حتى لو كان ذلك بنسبةٍ واحدة معمّمة على كل القطاعات و النشاطات "across the board") أن يؤدّي إلى مزيد من الخسائر و تراجع العوائد.
تحمّل الألم المؤقّت ما استطعت، و إن كنت تستثمر للمستقبل فإن تقارير أرباحك لا بدّ أن تتحسّن في النهاية و تسترجع شركتك قيمتها. نعم قد يصعب إقناع المستثمرين و مجالس الإدارات بالحفاظ على مستويات الإنفاق أو حتى زيادتها في قطاعاتٍ معينة بالرغم من تقليصها في قطاعاتٍ أخرى و لكن إظهارك لروحٍ قيادية رفيعة مستندةٍ على حججٍ قوية مقنعة سوف يجعل هؤلاء يحمدون لك تركيزك على المدى البعيد.
في تقليص الإنفاقات تخيّل شركتك كائناً حيّاً. إذا أردت ترشيق الجسم المترهّل أو إذا حلّ القحط و المجاعة بالجسم الصحيح فهل يمكن القبول بتقليص العضلات والدم والخلايا العصبية شأنها شأن الدهون والسوائل والسكاكر المتراكمة؟ أليس هذا تدميراً لنشاط الجسم أو موتاً بطيئاً؟ الأبحاث و التطوير و التسويق دم الشركات و أعصابها.
مثلاً: في ركود (2001 - 2002) كانت " هوم ديبو" شركة مخازن التجزئة الكبرى تراقب بقلق مبيعات متاجرها تتراجع بعد نمو متواصل لسنوات عديدة.
وبسبب الخوف من أن الأرباح لن تواصل نموّها لجأت الشركة إلى تقليص التكاليف من خلال تخفيض العمالة في المتاجر و تقليص الإنفاق على خدمة الزبائن عموماً. لم تكن تلك الخطوة متوقعةً أبداً لدى الزبائن، و استطاعت إحدى الشركات المنافسة اكتساب حصة سوقية كبيرة من خلال الاستثمار في خدمة الزبائن ووضع نفسها في مركز المتاجر الأكثر يسراً و تعاوناً في معاملة الزبون.
المفضلات