عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
الطريق إلى الثقة بالنفس
النفس ما هيتها وما يتعلق بها
النفس هي عالم العجائب والغرائب، النفس البشرية من معجزات الخالق سبحانه وتعالى، فلا أحد يعرف ذاتها كما قال جل وعلا : { ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .
ولا أحد يعرف - مع كل الإمكانيات - طبيعة تأثرها وتأثيرها، فهي مجمع لكثير من الأمور المتعارضة المتناقضة، النفس تحب وتكره وتسعد وتترح وتفرح وتحزن، النفس تُقبل وتُدبر النفس يكون فيها انطلاق واندفاع، كما يكون فيها إحجام وتردد .. النفس مجتمع لكثير من الأمور والمشاعر التي لا نستطيع ضبطها ، ولا معرفة كثير من أسرارها، وقطعاً إذا جهلنا ذلك لا نعرف كيف نسوسها ولا كيف نقودها ؟ ومن لم يرجع إلى تعريف الله - عز وجل - لها وتبصيره بحقائق هذه النفس، وتعليمه بكيفية تغليب خيرها على شرها، وبرها على فجورها، فإنه يستسلم لهذه النفس بما قد يكون فيها من الأدواء والأمراض، وما يكون فيها من الحيرة والاضطراب .
من عجائب النفس كلام نفيس ذكره ابن القيم - رحمه الله - يذكر هنا تنوع هذه النفس وتنوع صفاتها فيقول في ذلك : " في النفس كِبر إبليس ، وحسد قابيل ، وعتو عاد ، وطغيان ثمود ، وجرأة النمرود، واستطالة فرعون ، وغرور قارون ، ووقاحة هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السبت وتمرد الوليد وجهل أبي جهل" .
ثم ينتقل إلى صفات النفس التي تشابه فيها أنواع وألوان من الحيوانات منها : "وفيها من أخلاق البهائم : حرص الغراب ، وشره الكلب، ورعونة الطاووس ، ودناءة الجعل ، وعقوق الضب ، وحقد الجمل ، ووثوب الفهد ، وصولة الأسد ، وفسق الفأرة ، وخبث الحية ، وعبث القرد ، وجمع النملة ، ومكر الثعلب ، وخفة الفراش، ولؤم الضبع " كل هذا في نفوسنا!
ذلك ما يتمه لنا ابن القيم فيقول : "غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك، فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند، ولا تصلح سلعته لعقد { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } ، فما اشترى الله إلا سلعة هذبها الإيمان فخرج من طبعها إلى بلد سكانها التائبون العابدون" .
هذه النفس فيها الكثير والكثير من العلل حقد وعجب وحسد وبغي وهوى .. كلها أمراض وعلل فتاكة، تقعد بصاحبها وتسلمه إلى ما تؤدي إليه هذه الأمراض من الأضرار والمخاطر، إلا أن يتداركها بمعرفة الله - عز وجل - أولاً ، واستقامته على أمره ثانياً ، واستعانة به ثالثاً، وهذه النفس سياستها صعبة، وقيادتها شاقة، وأمر تهذيبها لا ينتهي إلى حدّ ، ولا يتوقف عند زمان بعينه، ولا يمكن أن يصل فيها المرء إلى مرتبة ثم يتمكن منها ويستمر عليها، بل كما قال الله جل وعلا : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .
جهاد مستمر ، وتهذيب متواصل ، وقيادة دائمة ، وعسى أن ننجو من هذه المخاطر العظيمة، شبه ابن القيم رحمه الله هذه النفس ووصف صعوبتها ولزوم الصبر والجهاد في سياستها ، فقال :
"النفس جبل عظيم شاق، في طريق السير إلى الله، وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل، لا يمكن أن تمضي إلى مرضات الله إلا من خلال قدرتك على الرقي والقيادة الصحيحة، بنفسك فلا بد أن ينتهي إليه أي إلى هذا الجبل، ولكن منهم من هو شاق عليه، ومنهم من هو يسير عليه، وإنه يسيرٌ على من يسّره الله له ، والشيطان فوق ذلك الجبل يحذر الناس من صعودها، دع نفسك وهواها لا يمكن أن تغالبها استسلم لمرادها لا يمكن أن تقاومها، والشيطان يقول لك ذلك.. امض معها ، اعطها شهواتها ، اطلق لها اللعب والأخذ والنهل من رغباتها ، الشيطان فوق ذلك الجبل يحذر الناس صعوده وارتفاعه ويخوفهم منها، فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك ا لمخوف على قُلته، وضعف عزيمة السائر ونيته، فيتولد من ذلك الإنقطاع والرجوع والمعصوم من عصمه الله، فإذا قطع السائر هذا الجبل ، واستطاع أن يقاوم ويجاهد نفسه وبلغ قُلته انقلبت تلك المخاوف كلهن أمان، وحينئذ يسهل السير عليه، وتزول عنه عوارض الطريق ، فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة وعزيمة وصبر ساعة، وثبات قلب والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " .
المفضلات