الجانب النفسي والاجتماعي من حياة الإنسان له أهمية كبيرة، بل ان بعض الأمراض العضوية سببها في البداية أو تزداد سوءا عندما نمر بأزمة عاطفية أو نفسية. وعليه فالحاجة إلى الاستشارة النفسية أمر لا غنى عنه، فمثلما يوفر الطبيب الدواء ويرشدك إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع المرض، فاستشارة الاختصاصيين في الجوانب النفسية والاجتماعية قد تكون ما تحتاجه لتعيش في هناء وراحة وتتعلم الطريقة المثلى للتعامل مع الحياة والمحيط. فمن جانبها لاحظت الاستشارية الطاف العيسى، من خلال ممارستها لهذه المهنة لأكثر من 16 سنة، ان سبب ارتياد نسبة كبيرة لعيادتها يتعلق في التعامل مع ثلاثة محاور رئيسية، هي:
1 - الاكتئاب.
2 - مشاكل في العلاقة الزوجية.
3 - مشاكل المراهقين مع الوالدين.
فيما توجد أسباب أخرى لارتياد العيادة النفسية والاجتماعية ومنها التعامل مع نوبات الهلع أو أزمة منتصف العمر، أو ضغوطات الحياة أو التعامل مع وضع معين.

أسباب الاكتئاب
أرجعت الاستشارية الطاف العيسى الإصابة الاكتئاب الشائع في جميع المجتمعات ومنها مجتمعاتنا العربية، إلى 3 عوامل قد تتداخل أو تظهر منفردة في المكتئب، وهي:
1 - سبب مرضي، لإصابة الشخص بمرض يسبب خللا في الهرمونات أو مرضا عضويا له مضاعفات نفسية.
2 - الأفكار السلبية وانخفاض الثقة بالنفس.
3 - الظروف السيئة أو حدوث أزمات وعوائق في حياة الإنسان، سواء في عمله أو أسرته أو في نفسه، بحيث يدخل في دوامة الضغط النفسي والتوتر والحزن.

العلاج
وتابعت الاستشارية الحديث مبينة: «بالرغم من كثرة الحديث حول الاكتئاب فان طريقة علاجه بسيطة، وتعتمد أيضا على أمور رئيسية:
1 - التركيز على التفكير الايجابي وتحسين طريقة التعامل مع ضغوط الحياة والظروف المحزنة.
2 - رفع الثقة بالذات وحب النفس والتوقف عن لومها وممارسة جلد الذات.
3 - التركيز على المواظبة على ممارسة الرياضة والنشاط البدني، مهما كان نوعه.
4 - قد يستدعي الأمر في بعض الحالات المرضية تناول العقاقير لعلاج السبب العضوي أو عقاقير مضادة للاكتئاب إلى حين مرور فترة نوبة الاكتئاب الكبيرة. ولكن عادة ما يستغنى عن الأدوية بعد مرور الفترة الحادة ويكتفى بالتقيد بالأمور السابقة لحفظ المريض من الانتكاسة.

الرياضة أكثر أهمية
من المهم التشديد على أهمية ممارسة الرياضة، فإذا كان الشخص الطبيعي ينصح بممارسة الرياضة 3 مرات أسبوعيا للحفاظ على صحته وتحسينها، فالمكتئب ينصح بممارستها بشكل اكبر لدورها المهم في علاجه. فيشدد المعالج على مواظبة المكتئب على ممارسة الرياضة يوميا لمدة نصف ساعة أو أكثر ان استطاع وذلك لفائدتها. وليس المقصود هنا ان يلتحق بناد رياضي، فمن الممكن ان تكون عبارة عن المشي أو الرقص أو استخدام إي جهاز في المنزل، فالغرض هو النشاط والمجهود البدني. والاهم هنا هو الاستمرارية اليومية التي تسبب تنشيطا للدورة الدموية واعتدال مستويات سكر الدم وإفراز الهرمونات وبخاصة هرمون السعادة والطاقة الايجابية. كما تعد الرياضة طريقة للراحة والاسترخاء النفسي.

الفترة العمرية الأكثر عرضة للكآبة:
بحسب الأبحاث، فإن الفترة العمرية التي ترتفع فيها نسبة الإصابة بالاكتئاب هي فترة المراهقة التي ما بين 14 و 19 ولكنه ايضا يصيب الأقل سنا، نظرا لمرور الطفل حاليا في مرحلة المراهقة مبكرا، إذ تبدأ من سن 10 سنوات. ويعزى ذلك لعدة عوامل مثل توفر مصادر المعلومات وزخمها وسرعة الحياة وغيرها من عوامل أدت إلى سرعة نضج الأطفال ومراهقتهم المبكرة. ومن المهم ان اشدد هنا على أهمية احترام حقوق الأطفال والمراهقين، وان لا نعنفهم بل نعاملهم بحب وحنان، ولا ننسى بأنهم معرضون للاكتئاب بشكل اكثر من الآخرين.

الاكتئاب والوراثة
وأشار العديد من الباحثين إلى دور الوراثة المهم في زيادة قابلية الإصابة بالاكتئاب، إذ أكدت الدراسات على وجود زيادة في نسبة حدوث الاكتئاب في أقارب الدرجة الأولى لأشخاص يعانون من اضطرابات وجدانية أو اكتئاب بمقدار 3 - 6 أضعاف. كما وجد أن انخفاض معدل السيروتونين والابنيفرين عند المكتئبين يعد في كثير من الأحيان صفة جينية مهمة. بيد أن بعض النظريات الطبية في الاكتئاب تشير إلى كونه شيئا يتعلمه الطفل أو المراهق في غياب العوامل المشجعة، وزيادة الإحباط والبؤس والكآبة عنده. فيما يفترض علماء آخرون انه نتاج لعيوب في المهارات الاجتماعية والتعود على الأفكار السلبية والبؤس مع صعوبة التحكم بالذات والمشاعر، وهو ما له دور رئيسي في تطور الاكتئاب واستمراره.

منتشر بين الأطباء المتخصصين
الجدير بالذكر أن الدراسات أثبتت أن الاكتئاب ينتشر في تخصصات معينة من الأطباء. فقد وجد انه ينتشر بالدرجة الأولى عند أطباء الأسنان، ويعزى ذلك لكون هذه المهنة تتميز بالشخصية الوسواسية وتتطلب النظام والترتيب والجري وراء الامتياز والمثالية، فيما من المعروف ان الحياة البشرية تتميز بعدم الاستقرار وبالاختلاف. ويأتي من بعدهم في المرتبة الثانية أطباء التخدير ومن ثم الأطباء النفسيون.

10% من مراهقي أميركا يعانون
أظهرت إحصائيات حكومية أميركية من إدارة خدمات الصحة العقلية ان واحدا بين كل عشرة مراهقين تقريبا يتعرض لاكتئاب خطير سنويا، ولنحو 15 إلى 20 عاما وأن أقل من نصفهم يتلقى علاجا. واقترنت أواخر مرحلة المراهقة بأكثر نسبة مقارنة بأقرانهم الأصغر، حيث عانى 12% ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما من اكتئاب حاد مقارنة مع حوالي 5% ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و13 عاما. وقال أطباء ان النتائج تظهر الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لمساعدة المراهقين في مراحل مبكرة. وأوضح ديفيد فاسلر أستاذ الطب النفسي بجامعة فيرمونت لرويترز بأن المأساة هي ان الكثير من الشباب لا يتلقون العلاج المناسب والفعال الذي يحتاجونه ويستحقونه.
وقال تشارلز كيوري مدير الإدارة: «هذه البيانات الجديدة تدق ناقوس الخطر للآباء كي ينتبهوا. فالصحة العقلية جزء حيوي من الصحة العامة وسعادة أطفالهم».
وأوضح بينيت ليفينثال أستاذ علم نفس الأطفال والمراهقين بجامعة الينوي في شيكاغو انه على الرغم من حقيقة شيوع الاكتئاب وأثره المهم في حياة الأطفال فلم يوجه الاهتمام المناسب لهذا المرض الخطير جدا للآن. فعلاج الاكتئاب بين المراهقين هو قضية جدلية، فقد خلصت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية في أوائل عام 2004 إلى أن مضادات الاكتئاب قد تدفع المراهقين إلى الانتحار. وعليه فقد طالبت شركات تصنيع الأدوية بكشف المخاطر المحتملة في النشرات الخاصة بمضادات الاكتئاب. لكن هذا التحذير سبب انخفاضا في عدد من يتقبل العلاج عند الشباب.

الاكتئاب والمخدرات والسجائر
وبحسب نتائج التقرير، فقد وجد ارتباط كبير بين تعاطي المخدرات والتدخين عند المكتئبين، فبحسب نتائج المسح القومي عن استخدام المخدرات والصحة تبين ان المراهقين الذين عانوا من الاكتئاب الخطير في المرحلة العمرية بين 12 و 17 عاما هم أكثر عرضة بحوالي الضعفين للتعاطي مقارنة مع غير المكتئبين. حيث تعاطي 28% من المكتئبين الخمر بينما دخن قرابة 23% وتعاطى المخدرات 21% منهم.
أما من لم يعانوا من اضطرابات نفسية خطيرة فقد تعاطى حوالي 17% منهم الخمر فيما كان 11% منهم مدخنا، وتعاطى 10% منهم المخدرات.

المراهقة والاكتئاب المفاجئ
المراهقة هي تلك السن التي يخرج منه الإنسان من مرحلة الطفولة فيتهيأ لدخول مرحله الشباب، وتبدأ خلالها التغيرات في الشخص سواء من الناحية الجسمانية والفكرية وغيرها من النواحي. ومن الغريب ان بعض المراهقين يتعرضون من دون سابق إنذار لمرض نفسي شديد وهو مرض الاكتئاب، فيصبح فجأة في حاله ارتباك وكآبة وتشتت عقلي، وقد يتعرض شاب في عمر المراهقة إلى نوع من التشتت الذهني، والقلق، والأفكار الغريبه، فيشعر بأنه تائه وضائع ومشوش بأفكار، وقد يدخل في حالة من البكاء دون معرفة السبب، بل ان البعض قد ينتحر بسبب الكابة التي تعرضوا لها دون سابق إنذار.

الاكتئاب الخطير
يشير الاكتئاب الخطير إلى فترة تستمر أسبوعين على الأقل تظهر فيها عدة أعراض أهمها: فقدان الاهتمام، وحدة الحالة المزاجية وتغير في عادات النوم والأكل وفقدان التركيز وأي عرض غير طبيعي على شخصية المراهق. وبين النفسية ماء النفس، ان حالة الكآبة هذه لا تستمر طوال حياة الشخص، وإنما لفترة تمتد ما بين شهرين إلى 8 أشهر لتخف بعدها تدريجيا وتختفي، وقد تعود مرة أخرى ولكن مصيرها دائما هو الانتهاء، مثل سحابة صيف.

إرشادات
1 - التمسك بالصلاة، وقراءة القرآن وان استصعب ذلك عليك مع الإكثار من ذكر الرحمن والدعاء والتوجه لله عز وجل لأهمية ذلك في توليد الأمان والاطمئنان ويخفف الحالة.
2 - سبب الاكتئاب هو الوحدة، فيجب عليك محاربتها بكافة الوسائل وعدم الاستسلام للانعزال، بل أكثر من الجلوس مع الاسرة ومشاركتها وغير ذلك.
3 - إذا طرأ على ذهنك سؤال يزعجك أو يشتت عقلك ولم تلق له حل، فخير حل هو ان تتجاهله وتنساه، وتجاهل مشاهدة أو تذكر أي شيء يخيفك أو يزعجك.
4 - عليك بحسن التغذية والنوم لمده كافية لا تقل عن 8 ساعات ولا تزيد على ذلك.
5 - امتنع تماما عن تناول أي شيء يحتوي على ماده الكافيين لأنها مواد منبهة وتزيد من القلق والاكتئاب.. ومن المواد الغنية بالكافيين: القهوة، الشاي، الشوكولاتة، والمشروبات الغازية.
6 - تناول الأغذية الغنية بالأحماض الامينية، السمك، اللوز، الجوز والفستق. كما وجد ان الموز والبطاطا والزبيب جميعها أطعمة باعثة على السعادة والمخففة لأعراض الاكتئاب.
7 - نظم وقتك لتخصص وقتا للرياضة والدراسة وإذا شعرت بالملل فاجلس مع الأصدقاء أو الأهل، فان ذلك يجدد نشاطك ويعيد قواك.
8 - لا تذهب إلى أماكن مزدحمة فيها أصوات عالية مثل الأسواق التجارية الكبيرة أو السينما أو غيرها.
9 - إذا كانت هنالك فرصة للسفر مع الأقارب، فلا ترفضها. كما يفيدك الخروج بنزهة مع الأسرة، فذلك يقربك أكثر ويضفي جوا من السعادة والراحة والنشاط.

بدائل العلاج
في الكثير من الأبحاث، تم التطرق والتأكيد على فائدة العلاج بالأعشاب وبالمواد الغذائية التي تحتوي على مادة السيروتونين والأدرينالين في تعديل المزاج والرفع من المعنويات. وثبت أيضا عن طريق الدراسات دور مغطس الحمام الدافئ المعطر بالأعشاب المهدئه مثل اللفندر في المساعدة على اتزان المزاج. ومن الأغذية التي لاقت رواجا أيضا لتسببها في تحسن المزاج: الموز والشوكولاتة والأغذية الغنية بالأحماض الأمينيه. وللعلم، فان هذه الأغذية ليس لها قدرة علاجية لعلاج الاكتئاب المتوسط أو الشديد التي تستجيب للعقاقير الطبية فقط.

الوقاية
‏من المهم جدا أن يعتمد الإنسان على طريقة التفكير الايجابي كأسلوب من أساليب الحياة وأن يهون الأمور على نفسه ولا يحملها أكثر من طاقتها، فلا يبدي موافقته على أشياء يشعر في قرارة نفسه أنه يرفضها. ويجب أن يكون لديه موقف حازم ومحدد حتى لا يتوه في دوامات الحياة المتعددة والمعقدة، .وعليه أن يتعلم طريقة حل مشاكله بنفسه حتى يزيد من شعوره بالثقة بالنفس. يتعلم مهارات التعامل الاجتماعي ليبتعد عن الوحدة. إذ وجدت دراسة أن 65% من المصابات بالاكتئاب اللاتي يتقابلن لمدة ساعة إسبوعيا مع بعض المتطوعين، الذين قاموا بدور الأصدقاء، قل اكتئابهن، بالمقارنة بنسبة 39% من أولئك اللاتي لم يحصلن على هذا الدعم النفسي. ومن المهم التشديد على ان يستمتع المكتئب ويأخذ بين حين وآخر استراحة أو إجازة يريح فيها أعصابه ويصفي ذهنه من كافة المشاكل التي يعانيها فلنفسنا علينا حق. فلدى الكل في حياتنا كلمة «يجب» ولكن ليس لدينا القدر الكافي من الأشياء الممتعة، وهذا بدوره يؤدي إلى الاكتئاب.

كيف نتفادى معظم الجرائم البشعة؟
عادة ما يرافق حالات اكتئاب الخدم أعراض لانفصام الشخصية. مما يجعلهم يفكرون أو يحسون بالخطر من كل من حولهم ويجعلهم يقدمون على أذية العاملين لديهم. لذا شدد الدكتور من وجوب الانتباه إلى ظهور أي أعراض للاكتئاب على الخدم. وتذكر في الصحف جرائم شديدة البشاعة وغريبة الطبع ويكون السبب في الواقع راجع لحالة نفسية متأخرة ومصحوبة بالانفصام، يكون المجرم فيها غير مدرك لفعله.وفى معظم الحالات يكون المقربون هم الضحايا، لذا وجب على المقربين لأي شخص يظهر سلوكيات غريبة أو عنف أو انعزال أن يبادروا بعرضه على طبيب نفسي للتقييم والعلاج قبل استفحال الحالة ووقوع مالا تحمد عقباه. وللعلم، فمن دلالات رقي المجتمع، هو ان يكون الاهتمام بالإنسان من الناحية النفسية شأنه شأن الاهتمام به من الناحية البدنية.

علاقة الديوانيات والعش الفارغ
اختلف الدور الذي تلعبه الديوانية في حياة الزوج، بحيث أصبحت ملاذا للهرب من المسؤولية تجاه البيت والأسرة ليترك الجمل بما حمل على عاتق المرأة. الأمر الذي زاد من حجم ضغوطها النفسية. كما يسبب غياب الزوج بصورة يومية عن المرأة، إحساسها بالفراغ العاطفي، الذي يتراكم مع مرور الوقت لتظهربعدها أعراض على هيئة اكتئاب أو أعراض جسمانية تشعرها بأنها مريضة فتكثر شكواها الصحية وترددها على الأطباء. وقد لا ترضى أو تصدق المريضة بأنها سليمة، مما يجعلها تكرر الاستشارات الطبية دونما جدوى. ويرجع ذلك كون مرضها في حقيقة الأمر نفسيا وليس بدنيا. وتسمى هذه الحالة لدى أطباء النفس بحالة «العش الخالي، أو الفارغ».