الحياة .. كم هي مليئة بالآلام والآمال، بالأحزان والأفراح، فهي متجدِّدة المظهر، متغيِّرة المذاق، نسعد بها يوماً ونحزن في آخر، نُرزق من الرازق الكريم، فنفرح ونسعد فنشكر، نُبتلى من الحكيم العليم، فنحزن ونتألَّم فنصبر، إنَّها عجلة الحياة، الدائمة الدوران، المستمرة الحركة، الماضية إلى الأمام تحمل الجديد كل يوم.

قد يسيطرعلينا الحزن والألم أحياناً فيخرجنا من واقعنا الذي نعيش، ونتعامل مع الأحداث كأنَّها عارض يصادم وجودنا الصغير، ولكن حين نستقر في التصوُّر والشعور، فإنَّنا والأحداث التي تمر بنا وبالآخرين والأرض، كلُّها ذرات في جسم كبير، هذا هو الوجود، فإنَّنا نحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها، فلا يأس على فائت أسىً يضعف ويزلزل، ولا نفرح بحاصل فرحاً يستخفّ ويذهل، ولكنَّا نمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى، إنَّ ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون.

قد نعبِّر عن الضيق بالبكاء والحزن والتحسر، ولكن إذا ما استسلمنا له فلا شك أنَّنا سنصاب بالإحباط والاكتئاب، فنتوقف عن ممارسة أعمالنا وتتعطل حياتنا! عندها نشعر بالعجز وعدم الإنتاج،فيتضاعف لدينا الألم الذي قد يصل بنا إلى الإحساس باحتقار الذات وعدم جدوى الحياة، ويصدق قول الشاعر:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً *** وحسب المنايا أن يكن أمانيا

ونجد الغمّ والحزن يضخمان المشكلة في نظر المصاب، فيتصوّرها أكبر من حجمها، وهنا يقول "بيك" (واضع نظرية المعرفة): "إنَّ هناك بعض النَّاس يكتئبون لأنَّهم يفكرون خطأ". فالتفكير بأسلوب خاطئ يوصل إلى الاكتئاب، وكما قال علماؤنا "الحكم على الشيء فرع من تصوُّره". فكلَّما كانت النظرة واقعية في التفكير كلَّما كانت الحياة مطمئنة ومستقرة.

وهناك بعض الحيل النفسية التي تعيق طريقة التفكير الصائب نذكر منها:

النظرة الجزئية للأمور: حيث نرى الواقع من زاوية واحدة هي الزاوية التي لنا ولا ننظر إلى زاوية المقابل، وهي تنم عن ضيق أفق وأنانية، فيكون حديثنا مع الآخر هو "منولوج" حوار ذاتي وليس "ديالوج" حوار مع الآخر.

التوقعات الكبيرة: وهي أن تكون الفجوة بين التوقُّع والواقع كبيرة، بحيث إنَّ ما نحققه يكون أقل من توقعاتنا المرسومة في أذهاننا.. ممَّا يؤدِّي إلى الإحباط المتصاعد.
التعميم: هو إطلاق الأحكام المطلقة على الأشياء أو الأشخاص بدون تخصيص أواستثناء، خاصة التجارب الشخصية السلبية يجري تعميمها، ممَّا يفوِّت على أحدنا إمكانية إعادة الكرَّة والمحاولة .. فلربما يأتي النجاح.

التشاؤم: وهو عدم توقُّع الخير من النفس والآخرين، ممَّا يؤدِّي بأحدنا إلى أن يكون بعيداً عن أي إقدام أو مبادرة، وحتى فى حالة الإقدام و المبادرة ومع الإصطدام بأي عقبة في طريقه يبادر بالانسحاب والتراجع.

اليأس وفقدان الأمل: وهما من أخطر المعوقات عن التفكير الصائب، فالبعض عند اشتداد الأمور لا يرىفرجاً ومخرجاً يتعلَّق به، ولكن مع الأمل يتوقع الإنسان الخير والفرج في أي وقت "ولولا الأمل لبطل العمل".

لم تغب عن السلف الصالح هذه الموضوعات الحيوية، وقد طرح أبو الفرج بن الجوزي رأياً إيجابياً في التعامل مع المصائب، حيث يقول في كتابه صيد الخاطر: "من نزلت به بلية، فأراد تمحيقها (زوالها) فليتصوَّرها أكثر ممَّا هي تهن عليه، وليتخيل ثوابها (بعد المصيبة) وليتوهم نزول أعظم منها، يرى الربح في الاقتصار عليه وليتلمح سرعة زوالها (الأمل) فإنَّها لولا كرب الشدِّة ما رجوت ساعات الراحة، وليعلم أنَّ مقامها عنده كحمد مقام الضيف يفتقد حوائجه في كلّ لحظة فيا سرعة انقضاء مقامه".