الحقيقة الأولى:

أنه ليس ثمة في الوجود فكرة لا تخضع للنقاش، ولا توجد حقيقة مسلّم بها بشكل مطلق بحيث لا تقبل إعادة التفكير، وليس ثمة ما يمنع من البحث في مدى صِدقيِّةِ أي فكرة، حتى لو كانت تقول إن : (واحداً زائد واحدٍ يساوي اثنين) ومحاولة التأكد منها وإثباتها بالعقل والتجربة.
الحقيقة الثانية :

أنه لا يمكن الوصول للتفكير الصحيح إذا لم ننتبه للمؤثرات النفسية، التي تجعل التفكير يحيد عن منهج المنطق والعلم والحقيقة، ومن تلك المؤثرات ميلنا الدائم إلى تصديق ما نرغب في أن يكون صحيحاً، وميلنا لتصديق ما يواتي مصالحنا وقناعاتنا السابقة، ورفض ما قد يخالفها أو يناقضها، إضافة إلى ميلنا لرفض كل ما قد يناقض فكرة كنا ضحينا لأجلها، وإلى رفض ما ينافي كل ما هو شائع وراسخ ومتعارف عليه.
والحقيقة الثالثة :

أن من أكثر العوامل التي تؤدي لتدني مستوى صحة التفكير هو الاعتماد على أفكار جاهزة تأخذ شكل قوالب لفظية، وعبارات متداولة ومحفوظة بشكل مقولات، أو أمثال شعبية، أو عبارات متوارثة عبر الأجيال، يتناقلها الناس دون أن يعيدوا التفكير فيها.
والحقيقة الرابعة :
هي ضرورة الانتباه لمحاولات الإيحاء النفسية، ومحاولات مخاطبة الرغبات والعواطف، التي ترافق عادة الترويج لبعض الأفكار، ولاسيما في مجال الإعلام والتسويق والسياسة، وفي مجال ترويج بعض الأفكار العَقَديَّة أو الحزبية أو القومية أو الإقليمية، حيث يجب أن نتعلم التفريق بين الفكرة التي تقوم على أساس من المنطق والواقع والحقيقة، والفكرة التي تقوم على مخاطبة الرغبات الدفينة ومكنونات اللاشعور والحاجات والرغبات النفسية، وتؤثر فيها وتصوّر لها الباطل حقاً.
والحقيقة الخامسة :
هي جدوى المعرفة ولو معرفةً عامّةً ومبدئيةً بأصول المنطق، في الاستدلال ومحاكمة صحة أي مقولة، وفي القياس والاستنتاج والبرهان والتعريف والتصنيف والتقسيم. وكذلك في معرفة مغالطات التفكير، ولاسيما المغالطات التي يكثر الوقوع فيها، كالمغالطات الناتجة عن التضليل الذي قد تحدثه الأرقام والنِّسَبُ عند سوء التعامل معها أو سوء فهمها، ومغالطة اعتبار واقعة ما سبباً في حدث أو شيء لمجرد التتالي بين الحدثين، والمغالطات القائمة على الاستنتاج بالقياس إلى عينات قليلة لا تكفي للحكم، وهي مغالطات نقع فيها عادة أكثر مما نظن.

والحقيقة السادسة :

هي أن أخطاء التفكير، وسوء محاكمة الأفكار، وفساد الاستدلال، قادت البشرية عبر التاريخ لكثير من المآسي والموت والدمار والشقاء، ربما على نحو يفوق ما نتصور، فأخطاء التفكير سبب رئيس في التعصّب والتزمّت والانغلاق الذي يقود للإرهاب والحروب، وهي سبب رئيس في الخرافة والجهل الذي يؤدي للمرض وقلة الإنتاج وسوء الإدارة والتخلف الاجتماعي والاقتصادي.
والحقيقة السابعة:

هي أن للتفكير الصحيح منهجاً يمكن تعلُّمه وتعليمه، وأن تدريسه في المدارس والجامعات والدورات التدريبية ضرورة، كما أن الجانب الأهم في أي دراسة أو محاضرة أو كتاب أو مقالة هو ما قد يُعلِّمنا إياه من أساليب التفكير السليم.

والحقيقة الثامنة :

هي أن ثورة المعلومات وانفجارها وطوفانها وفيضانها، لا يجدي كثيراً بدون تفكير صحيح، فالتفكير السليم يبقى الأهم دائماً، لأنه هو من يخلق من هذه المعلومات معرفة مفيدة، بينما قد يحوّل التفكير المغلوط المعلومات الكثيرة إلى وبالٍ وسوء مآل.

أما الحقيقة التاسعة:
فهي أن الإبداع والتقدم العلمي والاختراع، والتقدم في الأفكار والدراسات الإنسانية، إنما قامت جميعاً على أساس من التفكير السليم، فالتقدم في منهج التفكير سبق التقدم في العلوم وكافة مجالات الحياة.