كثيراً ما نطرح هذا السؤال على أنفسنا



(كيف نتخلص من التفكير السلبي)؟



إلا أننا لم نحاول مرة أن نحول هذا السؤال إلى استفهام آخر هو



(كيف نقي أنفسنا من التفكير السلبي)؟



وهذا بالضبط ما أشار إليه توني هامفريز في كتابه الشهير (قوة التفكير السلبي)



حيث طالب توني بضرورة السعي الجاد لوضع استراتيجيات دقيقة فيها نقي أنفسنا من الوضعيات والحالات التي تقودنا إلى أن نكون مرتعاً خصباً للأفكار السلبية، وعلى كل حال فنحن أمام مهمتين :



الأولى تتمثل في :



(ماهي الأشياء التي تسهم في منع وصول الأفكار السلبية إلينا)؟



الثانية تتمثل في



(كيف نتخلص من الأفكار السلبية التي تجتاحنا وتسيطر علينا)؟



حديث الذات:



في دراسة أجرتها جامعة أمريكية عام 1983م عن "التحدث مع الذات" توصلت إلى أن الأحاديث السلبية تتسبب في أكثر من 75% من الأمراض التي تصيبنا بما فيها أمراض الضغط والسكر والنوبات القلبية وغيرها.



ويذكر الدكتور شيد ستتر في كتابه :



(ماذا تقول حينما تتحدث مع نفسك؟)



أن حديثنا مع أنفسنا في السنوات الثماني عشرة الأولى من أعمارنا يقول لنا في أكثر من 148ألف مرة (لاتفعل..) بينما يستقبل من الرسائل الإيجابية في المدة الزمنية ذاتها مالا يتجاوز 400رسالة إيجابية فقط..!! مفترضاً أن الفرد نشأ في بيئة إيجابية إلى حد معقول..



وفي دراسة أخرى :



تبين أن الإنسان حينما يتحدث مع ذاته في الساعة الواحدة فإنه يتحدث ما لايقل عن ثمانية آلاف كلمة.. 80% منها سلبي..!



علاقة قوية..



قبل الحديث عن الأفكار السلبية ومسبباتها وعن طرق التخلص منها وعن كيفية وضع الحواجز دونها يحسن بنا أن نتحدث عن العلاقة القوية بين الثقة بالنفس وبين الأفكار الإيجابية، وفي المقابل بين الافكار السلبية وبين الضعف والخور في الشخصية



فكلما قويت ثقة الإنسان بنفسه وزادت في قدراته وما يتحلى به من سمات وصفات ومواهب كانت شخصيته إيجابية وكانت كذلك أفكاره عن نفسه إيجابية وكان إيجابي النظرة إلى الآخرين وكانت ثقة الإنسان بنفسه ضعيفة مهزوزة كلما كانت أفكاره السلبية تفوق عدد دقات القلب في الدقيقة الواحدة



ولذا توقف قليلاً عزيزي القارئ واسأل نفسك :



(هل أنت واثق من نفسك)؟



من قدراتك؟



من مواهبك؟



هل أنت راض عن نفسك؟



هل تتقبل نفسك كما هي؟



هل تمتلك رؤية معتدلة في تقييم الأمور العامة في واقعك ومجتمعك أم أنك متخبط متردد غير ثابت على حال؟



ثم هل أنت متأكد من جميع إجاباتك؟



أتح لنفسك فرصة للتأمل!



إن كانت الإجابة نعم أي إنك واثق من نفسك وقدراتك ومواهبك ومتقبل لنفسك كما هي وعالم بمواطن العيب فيها فأنت تسعى إلى التقويم، وعالم بمواطن القوة وتسعى إلى المزيد, فإنني أبشرك بأنك قد قطعت 80% من رحلتك نحو تفكير إيجابي بناء وأنت في طريقك إلى التخلص من أفكار سلبية قليلة منزسبة في ذهنك وعقلك لن تجد صعوبة في إقصائها أو إبعادها



أما إن كانت الإجابة نفياً!! فهنا يجب أن تعلم أن أمامك مشوار طويل يتطلب تركيزاً وهمة عاليه حتى تصل إلى هدف سام هو التفكير الإيجابي الخلاق



مهمة ضرورية..



هنا يجب أن نشير إلى موضوع مهم هو ما ذكره "هاورلد شيرمان" وغيره من الباحثين المتعمقين في التفكير الايجابي الخلاق الإبداعي يتلخص هذا الأمر في أن مراقبة الأفكار والسيطرة عليها هي مهمة شاقة وليست سهلة أبداً وكمية الأفكار والخواطر التي ترد علينا لا شعورياً كمية هائلة لذا فنحن نملك مراقبتها وإقصاء السيئ منها وقبول الجيد أما قضية السلامة منها فهو أمر غير مقدور عليه! تذكر دائما وأبدا أن مراقبة الأفكار مهمة ضرورية وليست اختياريه وإن وصولك إلى انسجام داخلي وثبات وتماسك بناء لا يأتي نتيجة صدفة محضة



غاية صعبة المنال..



إن السلام الداخلي يجعلك أنت وحدك من يتحكم في الموقف.. إنها غاية صعبة المنال وتتطلب منا الجهد حتى نصل إليها.



ليس من السهولة أن نتحكم في مشاعرنا ونوجهها حيث نشاء لأننا أحياناً نفقد السيطرة لقوة الموقف وصعوبته



لكن الذين يتمتعون بالسلام الداخلي لديهم ما يمكن أن نسميه استعادة التحكم فهم يتميزون عن غيرهم من الناس بأنهم لا يسترسلون خلف بعض المواقف التي تدفع بهم إلى المجهول الذي لا يعلمونه بل سرعان ما يعيدون للمركب توازنه وللسفينة ثباتها حتى لا تغرق في لجج بحر التيارات الفكرية التي ربما كانت مليئة بالسلبية وما يشل الحركة.



صفات الشخصية الإيجابية



لو قلنا إن من أهم صفات الشخصية الإيجابية بعد الثقة هي الثبات والتماسك لأصبنا عين الحقيقة



وفي المقابل إن التردد والانسياق خلف الانفعالات والأفكار والعواطف التي تبعدنا عن التماسك بسهولة هو الخطر الحقيقي الذي يسبب الأفكار السلبية



ولو قلنا :



(ما التفكير السلبي؟)



إنه التشاؤم في رؤية الأشياء، إنه المبالغة في تقييم الظروف والمواقف، إنه الوهم الذي يحول اللاشيء إلى حقيقة ماثلة لا شك فيها، وهذا بخلاف التفكير الإيجابي الذي هو التفاؤل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى إنه النظر إلى الجميل في كل شيء إنه منهج حياة قائم بذاته وهناك معاهد متخصصة مهمتها التدريب على التفكير الايجابي فقط والتي تسمى Positive Thinking أو علم التفاؤل Learned Uptimism ولذا كانت الإيجابية في التفكير أول أسباب التفوق والنجاح.



لماذا السلبية؟؟



الأفكار السلبية تجتاحنا إثر مواقف تحدث لنا في البيت أو الأسرة أو المدرسة والعمل....



وهناك أسباب تؤدي إلى التفكير السلبي أو إلى أن يكون الإنسان ذا تفكير سلبي منها:



أ- الانتقادات والتهكم التي ربما يتعرض لها الفرد من محيط أسرته أو عمله أو أقاربه.......



ب- كما أسلفنا ضعف الثقة بالنفس والانسياق السريع خلف المؤثرات والانفعالات الوجدانية والعاطفية والاسترسال دونما روية تبعد أي شخص تماماً عن الثبات والهدوء اللذين يمهدان لشخصية إيجابية الفكر والسلوك



ت- تركيز الإنسان على مناطق الضعف فيه ومن ثم تضخيمها حتى تصبح شغله الشاغل.


ث-الانطواء على النفس والبعد عن المشاركات الاجتماعية الإيجابية والتدريب على التفاعل الاجتماعي



ج- عقد المقارنات بين الفرد وبين غيره من الذين يتفوقون عليه مع تجاهله مواطن القوة والتميز فيه



ح- المواقف السلبية المترسبة في الفرد منذ صغره.



خ- الحساسية الزائدة في البعض من النقد أو من التوبيخ.



د- الفراغ وكفى به داء وسبيلاً يسيراً للأفكار السلبية, فعدم وجود أهداف عظيمة وطموح لافت في الفرد يشغل عليه تفكيره ويحدده في نقاط معينة يسعى إلى صنعها ورؤيتها في واقعه من شأنه أن يوجد فراغاً فكرياً كبيراً.



ذ- تضخيم الأشياء حتى تغدو أكبر من حجمها وعدم تفهم المواقف بعقلانية وهدوء



ر- اتخاذ أصدقاء سلبيين في أفكارهم ونظراتهم, فلا أحد يشك في تأثير الصديق



ز- ابتعد عن كل ما من شأنه أن يصنع أفكاراً سلبية لا حقيقة لها في الواقع ومن ثم يصدها الفرد بل يرى أنها حقيقة وهذا ناتج بدون شك عن شخصية تعيش فراغاً وانعداماً في الثقة



س- الخوف والقلق والتردد يصنعان شخصيةً ممتلئةً بالأفكار السلبية



ش- مشاهدة البرامج أو الأفلام أو قراءة مقالات تحمل طابعاً سلبياً فإن لذلك أكبر الأثر



ص- الاكتئاب والسوداوية في رؤية الأمور والمواقف



أساليب النجاة..



أما طرق التخلص من الافكار السلبية فنجملها فيما يأتي:



1- تحصيل الثقة بالنفس أولى خطوات الخلوص من التفكير السلبي، تأمل ذاتك جيدا ستجد الكثير من المواهب والقدرات التي حباك الله بها لكنك تصر على رؤية عيوبك وتضخيمها وتركز على مثالبك وتتأملها وهنا يكمن الخطر



2- الهدوء والاسترخاء أمران ضروريان ومهمان لاستعادة التوازن النفسي والذهني والعاطفي



3- تذكر أن مراقبة أفكارك منهج حياة كامل يجب أن تتمثله وتسير عليه قم بإقصاء كل فكرة سلبية ترد إليك لأن الفكرة التي ترد إلى الإنسان مع الوقت تصبح إرادة ومن ثم تصير فعلاً حتى تستحكم عادة فانتبه من أول الطريق



4- تذكر أن الثبات والانسجام الداخلي ضرورة لكل من أراد بناء شخصية إيجابية لا تنس أن الوصول إلى هذه الأهداف لا يأتي في يوم وليلة فأمامنا الكثير حتى نصل



5- لابد من وجود أهداف علمية وعملية تسعى وتجد للوصول إليها فالفراغ خير صديق لكل ما هو سلبي



6- خالط الأشخاص الإيجابيين وتعلم منهم



7- شارك في دورات علميه ومهارية تكتسب منها مزيداً من الثقافة والعلم في مجال فن النجاح أو فن التفكير الإيجابي



8- إياك والانطواء على الذات فالعزلة أحيانا مرتع خصب للأفكار السلبية



9- احذر من الوهم حاول أن تميز دائماً بين ما هو حقيقة وبين ما هو خيال



10- إياك والاسترسال مع الانفعالات واحذر الغضب وتماسك قبل أن تقدم على أي تصرف حتى لا تعيش رهين أفكار نشأت من ردات فعل متسرعة



11- راجع نفسك دائماً وقومها واعرف ما لها وما عليها وما هو من طاقتها وما هو فوق ذلك



12- ابدأ صباحك بعد ذكر الله بابتسامة ملؤها الرضا والغبطة فلهذا عظيم الأثر



13- احرص على نفع الآخرين ومساعدتهم ومد يد العون إليهم فإن صدى هذا الخير يرجع إليك وأثره ينالك لا محالة



14- لاتركز على مثالبك وعيوبك، أمسك ورقة وقلماً واكتب نقاط القوة فيك حتماً ستتغير نظرتك



15- ابتعد عن كل فكرة أو خاطرة علمت فيما سبق أنها تقودك إلى حالة سلبية



16- إذا اجتاحتك الأفكار السلبية أو خاطرة تشاؤمية ابق هادئاً واسترخ وتأملها بعين الموضوعية, حتماً ستجد أنك كنت تبالغ وتعطي الموضوع أكبر من حجمه



17- تذكر أن التفاؤل سبيل عظيم نحو السعادة الداخلية فلا تحرم نفسك إياه انظر إلى الجانب المشرق والجميل في الأشياء



18- تعلم فن تجاهل الأفكار السلبية قل دائماً (وماذا إذاً)؟؟ وامض في طريقك ثابتاً هادئاً.



الأمر ليس سهلاً لكن الوقت بإذن الله كفيل أن يوصلك إلى هذا الانسجام الداخلي الرائع.



المصدر : مجلة الأفكار الذكية