ما هى قوة التأثير الشخصي ؟
إن التأثير الشخصي قوة؛ أي أنه قوة لإنجاز أي شيء تريده في حياتك وعملك. وسر امتلاك هذا التأثير يعتمد على ثلاث حقائق أساسية:


ولنلقي نظرة على كل واحدة من تلك الحقائق الفاصلة.
الحقيقة الأولى: الكتابة ليست كالكلام، والعكس صحيح
الكلمة المنطوقة والكلمة المكتوبة ليستا فقط طريقتين مختلفتين لاستخدام الكلمات، بل هما وسيلتان مختلفتان تماماً للتواصل.
فالتواصل المكتوب هو مدخل مباشر ومستقيم وأحادي أدوات التواصل، بمعني أننا نتلقاه من خلال العين وحدها. ونحن نستوعب التواصل المكتوب كلمة كلمة وسطراً سطراً. أما التواصل المنطوق على عكس ذلك، فهو مدخل متعدد القنوات. ففي التواصل المنطوق لا تكون الرسالة مرجد سطور من الكلمات، بل تكون كذلك مجموعة متنوعة من الإشارات غير اللفظية دائمة التبدل والتغير.
القناة المعلوماتية: إن كان كل هدفك من الخطاب هو توصيل معلومات معينة، فلا تزعج نفسك بقوله، بل اكتبه؛ فالتواصل المكتوب أكثر فاعلية من الكلام في تبادل الحقائق والبيانات والتفاصيل، والقراءة أسرع بخمس مرات من حديث الشخص. ويمكنك الرجوع إلى الكلمة المكتوبة وإعادة قراءتها للحصول على فهم أوضح. ويمكنك خلال القراءة التركيز على المحتوى وتجاهل الفوارق البسيطة. كذلك يمكنك تصفحها سريعاً أو حفظها لاستخدام لاحق. أو إرسالها بالفاكس أو البريد الإلكتروني. إن التواصل المكتوب هو " قناة المعلومات" ، وبالقطع له دوره المهم.
لكن إذا كان هدفك يتجاوز ذلك إلى إحداث التأثير، والإقناع، وإيصال أهدافك فعليك إذن أن تتحدث بما لديك – أن تتحدث به وتحدث أثراً. وعليك حينئذ أن تستخدم القناة الحركية وليس القناة المعلوماتية.
القناة الحركية: إن الكتابة مثل مسجل موصل بأذن واحدة: فالرسالة تأتينا خلال قناة واحدة فقط، أما الحديث فهو مثل نظام صوت ضخم متعدد القنوات، تقوم فيه عشرات القنوات بمد العقل بالمعلومات في آن واحد. وهذه القنوات المتعددة تنقل رسالة ثرية البناء متعددة الطبقات من المتحدث إلى المستمع. وهذه القنوات وهي:
• وضعية الجسم
• تعبير الوجه
• مستوى الطاقة
• التواصل البصري
• نبرة الصوت
• طبقة الصوت
• درجة الصوت
• الإيماءات والحركات البدنية الأخرى
• وغير ذلك الكثير
هذه القنوات التواصلية هي إشارات غير لفظية ترافق الكلام وتعدل من مراده. فالعقل البشري يعتمد بشكل كبير على القنوات غير اللفظية في فهم الرسالة المنطوقة. كما أن العقل البشري يولي هذه الإشارات أهمية أكبر بكثير مما يوليه للكلمات المنطوقة فعلاً.
إن التواصل المكتوب يتجه مباشرة إلى القشرة الدماغية، التي هي الجزء المسئول عن التفكير المنطقي المتطور والتحليل المنطقي. أما التواصل اللفظي فيتجه مع ما يصاحبه من مشاعر وطاقة وعاطفة إلى مركز العاطفة بالمخ – وهو ما أطلق عليه العقل الأول، وهو الجزء الذي يتوجب علينا الوصول إليه أثناء التواصل إذا أردنا تحريك أو إقناع الناس؛ لأن الناس كما علمنا يقتنعون بالعاطفة – وليس بالحقائق أو المنطق أو التحليل.
إنني أعتقد أن ما يقارب ٨۰٪ من عمليات التواصل للأشخاص العاديين تندرج تحت قائمة الحديث من أجل الإقناع؛ وهو تواصل حركيُّ التوجه، أي أنه لا يقع على منصات الخطابة فحسب، بل كذلك في تقديم العروض، والاجتماعات، والنقاشات، والدردشة العادية على مائدة الغداء، وفي ملعب الجولف. وتلك التي تجري في دار العبادة، وفي المنزل، ولدى تاجر السيارات، وفي الدعاوى القضائية الصغيرة، وحتى في باحة بيع الأغراض المستعملة.
حين ندرك أن الكتابة والحديث طريقتان مختلفتان تماماً في التواصل، يتضح أن مهمة تسويق أنفسنا، أو أفكارنا، أو منتجاتنا لا ينبغي أن تلتزم بنصوص مكتوبة. فإن أردت إقناع الآخرين وتحفيزهم فعليك بالحديث المؤثر.
إن أردت أن يمنحك رئيسك علاوة، فلا ترسل له مذكرة – اتجه إلى مكتبه مباشرة وانظر في عينيه وحدثه محاولاً إقناعه بأنك تستحق علاوة.
وإن أردت أن تبيع منتجات لذلك العميل، فلا ترسل إليه خطاباً – اذهب إليه في مكتبه وقم بإقناعه بأن عليه شراء منتجك.
وإن كنت ترغب في الحصول على وظيفة معينة، فلا ترسل سيرتك الذاتية مع غيرها من المراسلات، يل توجه إلى صاحب العمل في مكتبه وقم بإقناعه بأنك الشخص المناسب لتلك الوظيفة.
ومظمنا يشبه " توني" – محلل حاسوب مصرفي- الذي قمت بتدريبه في برنامجنا التدريبي ومدته يومان. كان " توني" فتى ألمعيّاً وذا عقل منطقي، وبارعاً في مهارات الحاسب، ويتمتع بقدرة بديعة على الكتابة. وقد تمت ترقيته ليكون مديراً، وطلبت منه الشركة الحصول على تدريب مناسب. وقد فعل – لكن على مضض.
لقد عارض " توني" كل تدريب طرحناه صباح يوم التدريب الأول؛ فهو لا يحب الحديث ارتجالاً، ولا يجب أن يصَّور بالفيديو حتى يتمكن من مراجعة أدائه. وفي أكثر من مناسبة كان يسألنا: " ما الهدف من ذلك؟" . نحن عادة ما ندمج عملائنا سريعاً في التدريب، لكن " توني" كان حالة مستعصية؛ فمن بين اثنى عشر مشاركاً، كان هو المعارض الوحيد.
في اليوم الأول قبل الغداء مباشرة حدثت المجموعة عن الكتابة في مقابل الحديث فبدا " توني" متشككاً. قال لي: " معذرة " بيرت" ، لست مقتنعاً بهذا الكلام؛ فالكتابة والحديث أداتان لفعل الشيء ذاته، والكلمات تنتقل على الورق أو عبر الأثير، فما القارق بينهما؟ بالنسبة لي، التواصل أمر بسيط – إما أن تقوم به تحدثاً أو كتابة، وبمجرد أن يقرأه الطرف الآخر أو يسمعه فإنه يصل إليه، وهذا هو كل ما في الأمر" . قلت له: " (توني)، أسدني معروفاً: ابق معنا، وقم بالتدريبات، واستمع لكل ما نقوله. فإن بقيت على حالك مع انتهاء الدورة سنعيد إليك ما دفعته" .

وبعد الغداء، أجرينا تدريبات الارتجال؛ حيث صورنا المشاركين وهم يحاولون تطبيق مهارات تواصل جديدة. بعد ذلك، وفي جلسات التدريبات الخاصة، عملت بشكل منفرد مع كل متدرب في مراجعة أدائه المسجل بالفيديو. وحين أتى دور " توني" ، توجهنا لغرفة التدريب، وشغلنا شريط الفيديو، قارنَّا أداءه الصباحي مع أدائه في فترة الظهيرة. فاندهش " توني" بشدة مما رآه. فمع كل التشكك والتردد، حقق تقدماً كبيراً.
في تسجيلات أداء فترة ما بعد الظهيرة، بدا أكثر استرخاءً، وثقة، وتلقائية. لقد رأي أن بإمكانه أن يقف أمام مجموعة ويقيم معها تواصلاً عاطفيّاً، ويكون مقنعاً، ومقبولاً، ومصدقاً، وطبيعيّاً للغاية. قال مندهشاً: " رائع، أنا مذهول حقّاً من الفارق بين الأداءين" .
بعد ذلك، نهض " توني" ووقف أمام المجموعة وقال: " كلكم تعلمون أنني كنت معارضاً لكل ما فعلناه هنا، ومازلت غير راغب في التصديق بأن ثمة فارقاً بين الحديث والكتابة، لكنني لا أستطيع إنكار وجوده. وقد رأيت الدليل على ذلك من خلال الفيديو. إن ما يجعل هذا صعباً عليَّ أنه سيدفعني لتغيير طريقة تفكيري بشكل كامل" .
لقد وضع " توني" يده على بيت القصيد: سيكون علينا تغيير طريقة تفكيرنا تماماً فيما يتعلق بالتواصل! سيكون علينا تغيير عادة راسخة مستعصية على التعديل. سيكون علينا حذف البرمجة الذهنية القديمة وإدراج برمجة جديدة. سيكون علينا التخلص من أنماط سلوكية مريحة، لكنها فاشلة.