أثر البيئة على التواصل


لطالما أدرك مهندسو المعمار أن تصميم ولون ومكان الأشياء، مثل الأثاث والديكورات واللوحات الموجودة في أي مكان، قد تسهل عمليات التواصل وعمليات التفاعل الإنتاجية بين العاملين أويعوقها. وقد حدد الدكتور "أنطوني أثوس" العنيد من المشاعر المقبولة التي تتعلق باستخدام المكان في بيئات العمل. فالتنبه لكل ما تشير إليه عناصر البيئة المحيطة قد يساعد على فهم ما يحاول الآخرون التعبير عنه وسبب تصرفهم بشكل معين (وهو ما يعد من سبل التواصل غير اللفظية المهمة). فالوعي بهذه المتغيرات قد يسهل أيضاً من عمق ووضوح عمليات التواصل التي تقوم بها.

الكثير أفضل من القليل:
إن زيادة المساحات المخصصة للعاملين في بيئة العمل الكلية من طرق التعبير بأهميتهم الكبيرة في الشركة. فعادة ما يكون لرؤساء الشركات مكاتب كبيرة مقارنة بالمديرين ثم العاملين وهكذا. ويعد عنصر المكان من العناصر المحدودة، لذلك فإن زيادة الأماكن المخصصة للعاملين. تجعلهم يشعرون بأهميتهم وقيمتهم في الشركة.

ولا يرغب الأشخاص فقط في تملك مكاتب كبيرة وإنما أن تحتوي على نوافذ أو شرفات تطل على مناظر جيدة. وعلى الرغم من الأسباب العملية التي تكمن وراء الحالة النفسية للعاملين. فأنت إذا ما راجعت أماكن الموظفين في أي مؤسسة، فمن المؤكد أنك ستجد أن الموظفين الأحدث أو ذوي المناصب الأقل يجلسون في المكاتب الداخلية التي لا تحتوي على نوافذ أو أي مشاهد مرغوبة. أما ذوو المناصب الأعلى ممن يتمتعون بالسلطة والنفوذ فإنهم يجلسون في المكاتب الأكبر التي تطل على مناظر جميلة. عندما تلاحظ عدم سير الأمور بهذه الشاكلة، فقد يكون من المفيد تخصيص بعض الوقت للتأكد من الرسالة التي ترسلها للعاملين لديك.

الخاص أفضل من العام:
إن من طرق التعبير عن أهمية العاملين لديك تخصيص أماكن خصوصية لكل عامل للاحتفاظ بمقننياتهم الشخصية بعيداً عن مرأى ومسمع الآخرين وفي معظم المؤسسات، يمثل تخصيص مكاتب خاصة (بمثابة ملكية خاصة) لكل عامل من الأمور التي تدل على الأهمية وعلو المكانة. فكر في جميع المكاتب الإدارية التي زرتها. ستجد أن العاملين على الألة الكاتبة عادة ما يجلسون في مكان واحد مع بعضهم البعض، بل إنهم لا يجدون طاولة محددة للجلوس عليها كل يوم. أما المديرون التنفيذيون عادة ما تخصص لهم مكاتب خاصة بالشكل الذي يتيح لهم بعض الخصوصية، فالمدراء المسئولون عن موظفي الآلآت الكاتبة عادة ما تكون لهم مكاتب خاصة بهم تحتوي على باب وغيرها من المتعلقات الشخصية الخاصة.

إذا ما كان لكل منا مكان خاص به، فكيف نستخدمه في التواصل مع الآخرين؟ إذا ما دعوت بعض الأشخاص لمكتبك لحضور اجتماع مغلق ، فإن ذلك يشير لأهميتهم وإطلاعهم على معلومات مهمة لا يجب أن يعرفها الآخرون. فمن المؤكد أن من يسمح لهم بحضور مثل هذه الاجتماعات أفضل ممن لا يسمح لهم بحضورها. أما من لا يمتلكون أماكن خاصة بهم لا يعتبرون مهمين بالشكل الذي يقتضى غلق باب عليهم أو الحفاظ على خصوصيتهم. وهناك بعض الافتراضات المهمة التي تبنى على طريقة التواصل غير اللفظية تلك فيما يتعلق ببعض الحقائق مثل الثقة وأهمية الوظيفة.

إن اقتحام خصوصية الآخرين عادة ما يتم النظر إليه كانتهاك للسيادة المكانية. فإذا ما حدث ذلك سهواً، فقد لا يفهم الشخص الذي قام بذلك سبب توتر الطرف الآخر وتحدث مثل هذه الحالات عندها يتم نقل مجموعة من الموظفين لمكان عمل جديد يضم مجموعة أخرى من العاملين. فتشعر المجموعة الثانية بانتهاك خصوصيتهم مما يسبب انخفاض الروح المعنوية لهم وانخفاض الإنتاج وزيادة الأخطاء وترك العاملين للعمل. وقد تحدث بعض الانتهاكات المقصودة من قبل المشرفين "الواعين" كنوع من العقاب.

عندما بدأ العاملون عمل إضراب جماعي، بدأت مجموعة من العاماين في إبطاء سير العمل وأخذ استراحات أطول من المسموح بها. وععندما بدأ المشرفون في محاولة تعويض أوقات الاستراحة الطويلة ، بدأ العاملون قضاء أوقات طويلة في الحمامات. وقد كان رد فعل الإدارة لهذه الخدعة إزالة أبواب المراحيض. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة نجحت في الحد من الاستراحة في الغرف، فإن هذا الأمر كان له اثر كبير على العاملين. فالخصوصية من الأمور التي يجب مراعاتها. ومن الأمثلة الآخرى التي تبرز أهمية هذا المظهر من مظاهر الخصوصية تخصيص أماكن للاستراحات. فعادة ما يتم تخصيص غرف استراحات لكبار المديرين في مكاتبهم، أما المديرون العاديون تكون لهم غرف استراحات خاصة في المداخل التي يمكن إغلاقها وجعلها خاصة. فعادة ما يشترك العاملون في غرفة عمومية للاستراحة التي تخدم عدداً أكبر من العاملين.

العالي أفضل من الداني:
إن الأثرياء يدعون بالطبقة "العليا" في حين أن الفقراء هم الطبقة "الدنيا". ومع تقدم الشخص في عمله، فإنه يرتقي في "السلم الوظيفي". فعادة ما تتواجد أماكن المديرين التنفيذيين في الأدوار العليا وأماكن العمل في الادوار السفلي. إذا كنت أعلى من الاخرين، فإنك تنظر إليهم من أعلى. وعلى الرغم من وجود بعض الاستثناءات، فإنها علامة على علو المكانة لشغل أماكن أعلى من الآخرين.

إن المعرفة بهذا النوع من سبل التواصل غير اللفظية قد تكون مفيدة في تخصيص أماكن العاملين بالمؤسسات بالشكل الذي يتناسب مع توقعاتهم، وقد يكون ذلك مفيداً أيضاً في المواقف التي تحكم علاقات العاملين فيما بينهم. فمثلاً، عندما تتحدث مع أحد العاملين وأنت واقف وهو جالس على كرسيه (تبدو وكأنك في منزلة اقل). وهناك العديد من الآمر التي يمكن تطبيق هذا الأمر عليها.

القريب أفضل من البعيد:
إن القرب من مكاتب كبار المديرين من علامات علو المكانة. فالقرب من رئيسك يساعد على معرفته لك وظهورك تحت الأضواء. كما أنه يزيد من فرص التعامل معه وكونك في بؤرة اتخاذ القرارات. كما أن المهام التي يفرضها القرب من المدير علامة على الأهمية والتميز.

قد يعمل هذا المبدأ بشكل عكسي. على سبيل المثال، إذا لم تكن تحب رئيسك في العمل أو كنت تحاول القيام ببعض المهام التي لم تنجزها في وقتها ، فإنك تفضل البعد عن مكتبه في مثل هذه الحالات. وحتى إذا كنت تحب المكانة التي تحظى بها من قربك من رئيسك ، يبقى الأمر ذا وجهين، فهو فرصة جيدة لك حتى يتعرف ويقترب منك ، إلا أنها مسئولية أن تبقى على علم بجميع الأمور والتأقلم مع الضغوط التي يفرضها المكان.

استخدام المساحة للتعبير عن المكانة والمرتبة يعد تخصيص مساحات لركن السيارت إحدى طرقه، فقد لا يتم تخصيص مساحة لركن سيارات المراتب الدنيا، ويصبح عليهم استخدام الشوارع العامة أو دفع أموال لركن سياراتهم. أما بالنسبة للمراتب التي تعلو المرتبة الدنيا، فعادة ما يتم السماح لهم باستخدام الأماكن التي تخصصها الشركة لركن السيارات. كما أن سياراتهم تكون صغيرة الحجم مما يسمح بسهولة إيجاد مكان لركنها. أما بالنسبة لكبار المديرين، فعادة ما يتم تخصيص أماكن خاصة لهم باسم كل منهم.


وفي إحدى الجامعات الحضرية الكبرى التي تدعمها الولاية (والتى عمل فيها مؤلف هنا الكتاب فيما مضى) كان التركيز ينصب على أهمية الطلبة في المجتمع التعليمي إلا أن الرسائل غير اللفظية عكست واقعاً مختلفاً فعلى الرغم من إتاحة مساحات عامة أو خاصة لركن السيارات لأعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعة وفقاً للمكانة، لم يكن هناك مساحات مخصصة لركن سيارات الطلبة داخل الحرم الجامعي وكان عليهم التنافس على أماكن ركن السيارات في الشوارع العامة أو استقلال أتوبيسات الجامعة من المساحات التي كانت مخصصة فيالأساس لركن سياراتهم والتي تبعد خمسة أميال عن الحرم الجامعي. ويعمل الكاتب حالياً في جامعة خاصة تؤكد أهمية الطلبة في مجتمعها التعليمي وفي هذه الحالة، ولأسباب فلسفية ومادية، يتم احترام الطلبة والاعتراف بأهميتهم بشكل فعلي، ويؤكد تخصيص أماكن لركن سياراتهم على هذا الأمربطريقة عملية حيث تخصص الجامعة مساحة واحدة لركن السيارات لأعضاء هيئة التدريس والطلبة على حد سواء. ‎ ‏‎

الداخل أفضل من الخارج:
إن هذا المبدأ يرتبط بشدة بمفهوم القرب أفضل من البعد. الفارق هو أحد الحدود الثابتة التي تتعلق بالمكانة. فعادة ما تقع مكاتب ذوى المناصب العليا في المبنى الرئيسي ولكن هذا المبنى يضم العديد من المراتب التي يحكمها القرب من المدير والطابق ومساحة المكتب.

عادة ما يزيد إحساس الأفراد بالرضا وترتفع إنتاجيتهم إذا ما عملوا في المكان المخصص لهم عما إذا كلف كل منهم بالعمل في أماكن لم يعتادوا عليها، وهذه الظاهرة أشبه بالفرق الرياضية التي عادة ما تفضل اللعب في الملاعب الخاصة بها على اللعب في ملاعب الفرق المنافسة.