ان الشخص السعيد يتخذ لنفسه فلسفة يسير على نهجها في حياته ولا يحيد عنها ولعل أن تلك الفلسفة تتلخص فيما يلي: اولا : أن أتقبل الواقع كما هو لا كما أريده أن يكون: والواقع أن الشخص السعيد يعتاد على الرضاء بالواقع, فالحياة لها قوانين خاصة بها علي أن احترمها, وأن أكيف نفسي تبعا لتلك القوانين, ومن قوانين الحياة اشتمالها على الحلو والمر, فمن يحمل الحياة أكثر مما تحتمل, ومن يريدها على أن تكون حلوة حلاوة مطلقة, انما يكون قد إجتزأ بجانب واحد من جانبيها الأساسيين, ويكون قد سار وفق فلسفة خائبة لا تمت لواقع الحياة التي يتعامل معها والتي عليه أن يتوافق معها ويسير وفق قوانينها.



ثانيا : أن أجتهد في الأستزادة من جوانب الحياة التي تشيع فيّ السعادة : فالاجتهاد في الحياة يؤدي بلا شك الى إحراز اكبر قدر من ممكن مما يداعب خيال المرء من طموحات مادية أو معنوية, ولكن يجب علي أن أبذر البذور بغير أن أؤكد لنفسي أني حاصل بلا أدنى شك على الثمار , فبينما أجد أن البذور في مكنتي, فان جني الثمار ليس من الأمور المؤكدة, فلقد تحدث ظروف متباينة تمنع تلك البذور من النمو, ومن ثم فأنها تحول بيني وبين جني الثمار .



ثالثا : أن أقوم بإستثمار مواهبي الى أقصى درجة ممكنة : فأنا كائن حي أنساني اولا وقبل كل شئ, وهذا الكائن الحي قد أفعم بمواهب مطمورة أو بقدرات كثيرة لم تبزغ بعد على سطح حياتي, واحرى بي أن اعمل على تنمية نفسي بحيث يكون ذلك النماء هذفا في حد ذاته , فكلما كانت عنايتي بنفسي أحسن و كنت حائزا على نقطة إرتكاز أساسية تفوق في قيمتها أي شئ آخر يمكن أن أحوزه في الحياة, فأنا أريد أن أكون متفتحا ومكتملا وناميا بمواهبي الى أقصى درجة أستطيعها بغير ما قيد يققيدني حتى ولو كان ذلك القيد طموحي في الحياة وما يمكن أن أحصل عليه من ثروة أو جاه أو سلطان , وبتعبيرآخر فاني لا أريد أن يكون وقوفي للأهداف الخارجية عائق بيني وبين الحصول على ثمار قدراتي أو إستعداداتي الشخصية, فكم من شخصية ظلت مقوماتها الداخلية مطمورة بسبب تركيزها على جانب أو هدف واحد من جوانب أو اهداف الحياة, وكم من شخصية كانت تتمتع بمواهب فنية أو أدبية, ولكن مشاغلها في الحياة قد عملت على ضياع تلك المواهب وذبولها الى الأبد.


رابعا : ألا تنسيني مشاغل الحياة تقدير ما في حوزتي من مزايا وما حصلت عليه من مكاسب : فثمة الكثير من الناس يندفعون في الحياة بغير توقف, وبغير أن يتريثوا قليلا لتقدير وضعهم والتمتع بما في حوزتهم من مكتسبات ومنجزات ومواهب خرجت من حيز الكمون الى حيز الواقع الحياتي, فيجب ألا أنشغل عن نفسي فأواجه الحياة مندفعا نحو تحقيق الأهداف بغير تقدير لما حظيت به في الحياة, إن الكثير من الناس ينهمكون في أعمالهم فيجعلون من أنفسهم مجرد آلات تتحرك, أو يصير الواحد منهم بمثابة ترس في آلة كبيرة معقدة هي الشركة أو المؤسسة أو العمل الذي يضطلع به, وبعض الناس يجعلون من شئ واحدا فقط هدفا واحدا ووحيدا في الحياة, فأذا ما ضمر ذلك الهدف, فأنهم يبتئسون أيما إبتئاس, وتضيع سعادتهم في الحياة .



خامسا: أن أخصص بعض الوقت لأستمتع بالحياة وأن انتهز الفرص والمناسبات للأستمتاع بالحياة : فالحياة ليست عملا مستمرا, ولا هي إجهاد وارهاق للنفس على طول الخط , إنها تعب وراحة وكسب واستمتاع بالكسب وعلاقات أجتماعية وخلوة الى النفس, فمن الخطأ الفادح ألا يتمتع المرء بما في حوزته,فيأتي يوم يندم على أنه لم يتمتع بما كان يمكن أن يكون مصدرا لمتعته وسعادته. توقف إذا قليلا وتامل حياتك, لسوف تجد أن لديك الكثير جدا يمكن أن تسعد به في حياتك, والواقع أن الانسان يستطيع ان يتمتع أيضا بما سوف يكون في حوزته في القريب العاجل , أو في البعيد الاجل, فأنت تستطيع أن تتوقع ما سوف تحصل عليه كنتائج متوقعة بحيث يكون الأمل بمثابة تمهيد للحوزة والأمتلاك, ولكن لا تجعل من توقعاتك قيودا لسعادتك, ذلك أنك اذا ما ارتميت في أحلام اليقظة , فأنك قد تسهو عن واقعك الآن من جهة و كما أنك قد تصدم اذا لم تحقق توقعاتك من جهة اخرى, فاستبشر خيرا بما سوف يحمله لك المستقبل, ولكن لا تجعل آمالك المقبلة شرطا وحيدا لسعادتك.



وعلى أية حال اجعل لما في حوزتك الآن وهنا الأولوية على ما يمكن أن يكون في حوزتك بعدئذ وهناك, وكن شخصا واقعيا في حياتك و فلا تجعل من الخيلة محورا ترتكز عليه حياتك, بل ميّز بين أمل ممكن ومتاح, وبين امل صعب أو مستحيل وغير متاح, ولا تعلق آمالك على المستحيلات لأنه مستحيل لا يمكن تحقيقه أو إحالته الى واقع, وعلينا أن نعترف بأن الأمكانيات التي لم تستحل بعد الى واقع خارجي, هي في نفس الوقت واقع داخلي, وبذا فأنك تستطيع أن تعتبر الواقع الداخلي من صميم كيانك وفي حوزتك, فما تستشعره من مواهب وقدرات هي واقع نفسي طالما أن إحساسك به هو إحساس صادق, إذن تمتع بتلك الأشياء التي تحوزها بداخلك بوجودها, فنفس استمتاعك بوجودها يحفزك على إستثمارها وإخراجها من حيز الكمون الى حيز الواقع في حياتك.