قد تكون جملة مبهمة المعالم وتسير بداخل كل منا علامات الإستفهام ولكنها تبدو ايضا سهلة التفسير والحدوث والتحقيق , فكثيرا ما نقابل في هذه الحياه بشر فقدوا أشياء غالية يصعب او يستحيل تعويضها , فنتعاطف تجاههم ونتحدث أو نتعامل معهم بحرص زائد , ونخشى من لساننا أن ينجرف وراء ما يدور بعقولنا من الإشفاق عليهم , وتمر الأيام ونقابلهم مرة اخرى , وفي قلب تعاملنا معهم نكتشف ان هذا الفقد لا يمثل شيئ بالنسبة لهم , وأنهم استطاعوا تعويضه , فنندهش , ولكنها حقيقة , فكثيرا ما نجد اشخاص نشئوا وتربوا بداخل اليتم , ورغم ذلك تجد بداخلهم حنانا لا يوصف , وتجد بسطاء فقراء وانت ميسور فإذا اقتربت منهم وجدتهم سعداء , لا مكان للحقد بداخلهم تجاهك , وكثيرا ما نجد أخرين لم يحالفهم القدر في الزواج أو في الإنجاب , ومع ذلك يقابلون أولادنا بالحلوي والإبتسامة ولا يكون هناك حقد او بغضاء بداخلهم , وهنا نتعجب ونسأل أنفسنا من أين لهم هذا التسامح والصفاء مع النفس ؟ كيف استطاعوا الإنتصار على النفس البشرية وترويضها بشكل يصعب التفرقة بينها وبين الاخرى التي تملك ما لم تملكه هي , من أين جائوا بكل هذا الحب والرضاء والسكينة واليقين رغم انهم لم يتلذذوا به كما تلذذ الآخرون ؟ وهنا نجد ان فاقد الشيئ يستطيع ان يُعلِم من تمتع بهذا الشيئ , يستطيع ان يجعله يشعر بحقيقة هذا الشيئ التي قد تكون غائبه عنه , ففاقد الشيئ يتشابه في تلك الحالة مع رحم الأم الذي يخرج لنا اطفالا الي الحياه بدون ان يعيش معنا في هذه الحياه , او كالقلب الذي يحب وهو لم يري هذا الحبيب , ففاقد الشيئيستطيع ان يعطيه اذا اوجد هذا الشيئ بداخله ولم ينساق وراء نفسه في الاحساس بالنقص تجاه من حوله ..~