كتب سيوران يقول:
في داخل كل رجل يضطجع نبي، وعندما يستيقظ يزداد الشر قليلاً في العالم...
حتى وصل الانسان لهذه المرحلة من العلوم الاجتماعية والفلسفيّة المتوارثة , كان قد أستغل منهج تام
تتعارك داخله الأفكار .. و لكن بطرق [سلميّة] أي بطرق فكرية نموزجيّة , لكي يصل الى الحقـيـقـة أو ,
لكي يقترب منها . فالـ[نقاش] كان هذه المنهجيّة الصلبة التي من خلالها تتبادل العقول أفكاراًو قنـاعات
يعي الأول رأي الآخر , و يعي الآخر رأي الأول . يقوم العقل بتحليل هذه الأفكار و بتصفيتهـا مـن خــلال
تمريها في ثقوب القناعات الشخصية أيّا كان شكلها ( سياسية اجتماعية .. ) .
فمنها من يمرّ مـن خلال هذه الثقوب ومنها ومن يبقى ورائها ليتمّ تحليلها ومقارنتها بالرأي الأوّل . و
تبقى هذه المنهجية حـتـــى الوصول الى الحقيقة .و لكن ما تمت هذه المنهجية الا مع وجود ما يسمّى
الموضوعية و الابتعـاد عــن الأنانية الفكرية .
و لكن قد ظهر العائق الأول و الأعظم في طريق الحقيقة .. [ انّه التعصّب ]
فما هي الأسباب، و ما هي النتائج ؟
أولاً: الأسباب
لا بد لنا من معرفة الأسباب و الدوافع للـ[التعصّب] , علّنا نستطيع تغيرها و حظرها تماماً فمعرفتنا بهـا
سيظهر لنا مدى خطورتها .
أسباب هذا العائق لن تجتمع في موضوع واحد ,فكل مجال وله أسباب خاصة سيؤدي الى صيغ و أشكال
مختلفة . و لكن سنجمع هنا ما هو صميم أمان [ التعصّب ] . .
1- كبرياء شامخ
قد يكون كبرياء الانسان سبباً رئيسيّا من أسباب التعصّب . لا سيما و ان هذا الأخير يرفض أن يكون في
موضع المخطئ في رأيه و بالتالي فانّه سيسعى للتشبث به مهما كانت النتائج حتى ولو اقـتـنـع و لــكــن
[ كرامته ] لا تسمح له ! ..و بالتالي سيقوده ذلك الى التعصّب لرأيه في حال كان الموضـوع نقاشي .
2- عدوانية مطلقة
النظرة المعادية للرأي الآخر .. فقد يكون الرأي الآخر مرتبط بمذهب أو باعتقاد او بشكل عام [ قناعات]
تخالف قناعات مجتمعي و بالتالي بنظري .. رأيه دائما على خطأ , و [ أنا ] دائمـا على صــواب . و هــذا
السبب يتبلور دائما في النقاشات المذهبيّة والعقائديّة .
3 - نفي التسامح
انعدام التسامح .. بحيث أن الانسان قد اعتزل هذا المبدأ و لم يستظل بظلّه , فحينها يتغذى التعصّــب فـي
تربة صالحة و غذاء كافي يسمح له بانتاج [التعصّب ] و الذي سيكبر بدوره ليتحوّل الى وحش عــنــيــق
يعرقل الحقيقة ثم يقتلها .
4 - نفي الانسانية
و ايضاً يترعرع التعصّب حين تفقد مظلّة الانسانية .. و الاحساس بالآخر و تفهم رأيه و تيقّـنـه .. فــهــو
دائماً على خطأ , فيعمد المتعصب الى عدم سماعه و عدم التفكير فيه .. فكيفما تكون النتيجة " أنا دائماً
على حق " . و [دائما] هنا ستنفي الحقيقة .
5 - الجهل
و لا بــد أن مفاهيم التشبــث بالرأي و الحيازية و اليقينية المطلقة ستولّد مفهوما جديداً و هو "الجهل".
فهذه المفاهيم ليست الا نتيجة مساحة ضيّقة جـــدا في عـقـل الانـسـان يصعب على الرأي الآخر زحزحة
الخيارات الموجودة داخل هذا العقل .
6 - امتلاك مطلق
يصعب على البعض لفظ الحقيقة فهم يمتلوكنها [ كلّها ] و هذا الامتلاك المطلق سيصّعب على الآخرين
مهمة اسدال ستار أبيض أمام اعينهم و وضع جسر وهمي تنتقل عليه الأفكار الموضوعيّــة مـــن دون
التقيّد بأحكام عاطفية أو ما شابه .
ثانياً . النتائج
ان معرفتنا للنتائج أيضا سيضع دائرة سوداء حول واقعة التعصّب .
و النتائج ستتنوّع أيضاً من موضوع لآخر على حسب المنطلقات و المبادئ و ماهيّتها .
1 - التعصّب يقتل الحقيقة .
مهما كانت الحقيقة و أينما كانت . لن نستطيع الوصول اليها فقد أبرحها التعصّب ضربا بسيوف الجهل و
التشبث بالرأي حتى أنها الآن تلتقط أنفاسها الأخيرة من خلالها ما يزخّه الرأي الموضوعي عليها مـــن
حيادية و موضوعية و قناعات مبينية على اسس منهجية .
2 - التعصب يولد التطرّف
بما انّ المتعصّب قد سدّ جميع منافذ الحوار و قطّع سبل الوصول الى الحقيقة , فلا بد حينها أن يظهر
طيف التطرف و الذي بدوره سيقف على منصة المحكمة و يقرّ قانون الاعدام للرأي الآخر ثم يتابـــع
بالقول " رفعت الجلسة " .. أي الحقيقة تحتضر !.. و الانسان ينعزل .
3 - التعصّب سبب العنف
صحيح أن الحقيقة ستحتضر ولكن لا بد لها من الظهور .. فالحق سيظهر والباطل سيزهق و هذا ما لن
يُرضي المتطرف مما سيودي به الى الالتجاء لطرق همجيّة في سبيل اظهار رأيه الصامت . و هــذا ما
سيزيد التشنّج و التوتر بكافة صعده بعدها ارتباك عنيف .. و من ثم سيظهر العنف .
4 - التعصب يخنق العلم ويُنمي الجهل
انت متعصّب .. اذاً انت جاهل . فالمتعصّب عادة يحمل بين كفّيه رايةً وحيدة يبقى يلوح بها أعلى المجــرّة
من دون أن يترك فرصة لغيره أو أن يسمع غيره .فهو عندما يقول "نعم" .. فاذاً . لا يعلم أسس ال"لا"
و لكن فقط يعلم أن هذا المبدأ نعم و فقط نعم .. فيخنق العلم ليمنعه من الظهور و ينمي الجهل ليـغــذيــه
بأفكار سطحيّة ساذجة .. و من ثم يقول مرة أخرى " أنا دائما على حق "
المفضلات