رؤية علمية وإيمانية
مَن منّا لم يندم يوماً على كلمة قالها أو تصرف قام به؟ ومن منّا لم يفكر يوماً بضبط انفعالاته ومشاعره؟ ومن منا لا يتمنى أن يتحكم بعواطفه وتصرفاته تجاه الآخرين؟
هذه أسئلة أحببتُ أن أبدأ بها هذا البحث لأعطي من خلالها فكرة عن مضمون ما سنتعرف عليه اليوم. ولكن قبل ذلك أحب أن ألفت انتباه القارئ لشيء قد لفت انتباهي وهو أن الكتب التي تتناول الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تحقق المبيعات الأكثر على مستوى العالم!
ولذلك ما سنتناوله في السطور القادمة يمس كل شخص منا، بل ربما تكون هذه المقالة سبباً في إحداث تغيير مهم عند بعض القراء ممن لم يطلعوا على هذا العلم أو ما يسميه العلماء اليوم بالبرمجة اللغوية العصبية، ولكن ما هي قصة هذه البرمجة ومن أين جاءت؟
ما هي البرمجة اللغوية العصبية NLP
ببساطة شديدة قد يسمع الكثير بهذا المصطلح الجديد "البرمجة اللغوية العصبية" "Neuro-Linguistic Programming" ولكن قسماً كبيراً من القراء لا يدرك ما هو هذا العلم وهل هنالك إشارات قرآنية عنه؟
وقد يفاجأ القارئ بأن هذا العلم والذي لم يمض على اكتشافه ووضع أسسه العلمية أكثر من ثلاثين عاماً موجود بأكمله في كتاب أنزل قبل أربعة عشر قرناً! وسوف نثبت هذه الحقيقة من خلال سلسلة المقالات الإيمانية والعلمية وهذه الأولى بينها، وسوف نقرأ ما يخبرنا به القرآن الكريم ونقارن ونتدبر لنخرج من ذلك بأن القرآن هو أول كتاب تحدث عن البرمجة اللغوية العصبية وليس علماء أمريكا!
لقد بدأ هذا العلم في السبعينيات من القرن الماضي، وسبب اكتشافه هو الحاجة لتطوير مدارك الإنسان. فقد كان بعض الناس يحقق نجاحاً كبيراً في حياته، وهذا ما لفت انتباه بعض العلماء فقرروا دراسة أسباب هذا النجاح. ثم خرجوا بنتيجتين مهمتين:
1- إن كل إنسان يحقق نجاحاً ما فهو يستخدم طريقة ما في إدارته لشؤون حياته، وهذه الطريقة أو "الاستراتيجية" في العمل هي التي حققت له نجاحاته.
2- إن أي إنسان يحقق نجاحاً ما، فهذا يعني أننا نحن أيضاً قادرون على تحقيق نجاح مماثل فيما لو اتبعنا الطريق ذاتها.
ونقول إذن بكل بساطة: إن البرمجة اللغوية العصبية هي "كيف تتحكم بدماغك"!(1).
تعتمد هذه البرمجة على تزويد القارئ بمجموعة من الأساليب والأفكار والمهارات والتي تجعل منه إنساناً ناجحاً وقوياً. ولكن الشيء الذي يضمن لك النجاح في تحكمك بذاتك أو بدماغك أو السيطرة على انفعالاتك هو -وبكل بساطة- أن تتعلم كيف يعمل عقلك!
لقد اكتشف العلماء أن الانفعالات والعواطف والأحاسيس عند الإنسان لا تسير بشكل عشوائي كما كان يُظن في الماضي، بل هنالك برنامج دقيق يتحكم فيها، وهذا هو السر في إطلاق مصطلح "البرمجة" على هذا العلم.
- فكلمة "برمجة" تدل على أن هنالك برنامجاً خاصاً بالانفعالات والعواطف يمكن التحكم به تماماً كما نتحكم ببرنامج الكمبيوتر!
- وكلمة "لغوية" تدل على استخدام الكلمات في التواصل مع الآخرين والتواصل مع الذات. أي استخدام اللغة في توجيه الانفعالات.
- أما كلمة"عصبية" تعني أننا يجب أن ندرك كيف يعمل جهازنا العصبي والنفسي لنتمكن من التحكم به وتوجيهه بالاتجاه الذي نريده. تماماً مثل معرفتك بجهاز الكمبيوتر الذي تعمل عليه، فكلما كانت معرفتك بالجهاز الذي بين يديك أكبر، كان لديك قدرة أكبر على التحكم بهذا الجهاز والاستفادة من ميزاته(2).
هذه البرمجة تهم الإنسان الصحيح مثلما تهم الإنسان المريض، فليس من الضروري أنك تعاني من مشكلة ما حتى تأتي وتتعلم قواعد البرمجة، على العكس يجب أن تستفيد من هذه القواعد وتتمرن على تطبيقها وأنت في حالة الصحة الجيدة، وذلك سوف يجعلك أكثر قوة في حالة المآزق والمواقف الصعبة.
ويمكنني أن أخبرك أيها القارئ الكريم بأن أي واحد منا لديه الكثير من الميزات في قدراته وإمكانياته ولكنه لا يستعملها بسبب عدم علمه بها! كما أنه يمكنك أن تحل أكثر من نصف المشكلة بمجرد إدراكك للحجم الحقيقي لهذه المشكلة!!
يجب عليك أن تتخيل دماغك على أنه مجموعة من الأجهزة الهندسية الدقيقة والتي تعمل وفق برنامج محدد، أنت من سيدير هذا البرنامج وهذا هو مفتاح النجاح! أما إذا لم تدرك هذه الحقيقة فسوف يُدار دماغك من قبل الأصدقاء والأهل والمجتمع المحيط والمؤثرات المحيطة بك، وستصبح إنسانا انفعالياً وغير قادر على التحكم بذاته أو عواطفه.
كيف تتحكم بعواطفك؟
إنها عملية بغاية البساطة وتحتاج فقط لمعرفة قانون بسيط وممارسة هذا القانون. يخبرنا العلماء اليوم بأن هنالك عقل باطن هو الذي يتحكم بعواطف الإنسان وانفعالاته ومشاعره بل وتصرفاته! ولكننا لا ندرك هذا العقل مباشرة لأنه عقل باطن أي خفي.
ولكن التجارب أثبتت حقيقة علمية وهي أن العقل الواعي والذي نفكر فيه ونتعامل معه يتصل مع العقل الباطن بقنوات ضيقة. فأنت مثلاً تستطيع أن تعطي إيحاءً لعقلك الباطن بأنك يجب أن تفعل شيئاً ما. ومع تكرار هذا الإيحاء فإن العقل الباطن يستجيب ويبدأ فعلاً بالتغيير.
لقد وجد العلماء بأن الفترة التي ينشط فيها الاتصال بين العقل الواعي والعقل الباطن هي فترة ما قبل النوم بدقائق، وفترة ما بعد الاستيقاظ من النوم بدقائق أيضاً. فهذا هو الدكتور جوزيف ميرفي يخرج بنتيجة بعد آلاف التجارب في كتابه "قوة عقلك الباطن" (3)، والذي بيع منه أكثر من مليون نسخة! هذه النتيجة هي أن أفضل طريقة للتحكم في الانفعالات والغضب هي أن تردد كل يوم قبل النوم وبعد الاستيقاظ عبارات مثل: "سوف أصبح من هذه اللحظة إنساناً هادئاً ومتزناً وبعيداً عن الانفعالات وسوف تظهر هذه النتيجة في سلوكي غداً..".
لقد عالج الدكتور ميرفي العديد الحالات بهذه الطريقة وكانت النتائج ممتازة والجميع حصل على تحسن في انفعالاته بل منهم من أصبح أكثر هدوءاً من الإنسان العادي!!!
والآن نتمنى أن يعلم الجميع وخصوصاً أولئك الذين لم تقنعهم تعاليم الإسلام أن النبي الكريم قد تحدث عن هذه الظاهرة بوضوح، أي تحدث عن أهمية الاتصال بالعقل الباطن في فترات ما قبل النوم وما بعد الاستيقاظ، وأمرنا باستغلال هاتين الفترتين بالدعاء. ولكن ما هو هذا الدعاء؟
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نردد كلمات قبل النوم وهي: (اللهم إني أسلمتُ وجهي إليك وفوضّتّ أمري إليك وألجأتُ ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنتُ بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تأمل معي كم تحوي هذه الكلمات من تفريغ لهموم وشحنات ومشاكل اجتماعية تراكمت طيلة اليوم! وكم تحوي من اطمئنان واستقرار نفسي لمن يقولها قبل أن ينام.
إن علماء أمريكا يعالجون مرضاهم ويعلمونهم كيف يخاطبون أنفسهم: "سوف أصبح من هذه اللحظة إنساناً هادئاً ومتزناً وبعيداً عن الانفعالات وسوف تظهر هذه النتيجة في سلوكي غداً..".
ولكن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نخاطب الله تعالى ونلقي بهمومنا وانفعالاتنا بين يدي الله ونسلّم له الأمر كله وهو سيفعل ما يشاء، والسؤال: هل هنالك أجمل من أن يكون طبيبك هو الله سبحانه وتعالى؟!!
ونتذكر هنا قول سيدنا إبراهيم عليه السلام: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء: 78-82].
إذن هذه هي البرمجة القرآنية تعلمك أهم قاعدة في الشفاء وهي أن الله تعالى هو من سيشفيك وليس عقلك الباطن أو طبيبك، وما هذه إلا وسائل هيّأها الله لك لتستخدمها كطريق للشفاء. وهذا يعني أن قوة العلاج بالقرآن أكبر بكثير من العلاج بخطاب النفس، ولكن إذا تم اللجوء إلى القرآن وإلى علم النفس معاً فستكون النتيجة عظيمة.
والآن سوف نعيش مع خطة عملية لعلاج الانفعالات من العلم الحديث ومن القرآن الكريم.
خطوات علمية وعملية لعلاج الانفعال المزمن
1- يؤكد علماء النفس وعلى مدى أكثر من نصف قرن أن هنالك خطوة أساسية يجب القيام بها لمعالجة الانفعالات، وهي الاعتراف بالخلل أو المرض. فالانفعال النفسي عندما يتطور فإنه يتحول إلى مرض يلازم المريض طيلة حياته، ولا يبدأ هذا المريض بالشفاء حتى يعترف المريض بأن هذا المرض موجود وأنه يجب عليه أن يسارع إلى علاجه.
وهذه حقيقة علمية وليست رأياً لعالم نفس أو نظرية تخطئ وتصيب، وذلك لأن جميع العلماء يؤكدون هذه الحقيقة، أي حقيقة أن يخاطب الإنسان نفسه بعد الانفعال مباشرة ويحاول أن يعترف أمام نفسه بأنه قد تسرّع وأخطأ بهذا الانفعال. وهذه هي الخطوة الأهم في علاج الانفعال.
2- الخطوة الثانية وهي مهمة ومكملة للأولى وهي أن يحاول أن يعطي لعقله الباطن رسائل تقول له: "يجب عليّ أن أتوقف عن هذه الانفعالات لأنها خاطئة وتؤدي إلى نتائج غير مرغوبة وتسبب لي كثيراً من الاحراج".
وهذه الرسالة يجب عليه أن يكررها ويقتنع بها، بكلمة أخرى يجب أن ينوي على عدم العودة لمثل هذه الانفعالات التي يظلم بها نفسه.
3- هنالك إجراء عملي يجب على "الانفعالي" أن يبدأ بتطبيقه على الفور وهو التسامح مع الآخرين. فقد أظهرت الدراسات أن أطول الناس أعماراً هم أكثرهم تسامحاً!!! إذن يجب عليك أن تمتلك القدرة على التسامح والعفو عمن أساء إليك أو أزعجك. إذ أنك بدون هذه الخطوة لن تتحسن وستبقى الانفعالات مسيطرة عليك. كما يؤكد الباحثون اليوم بأن إنفاق بعض الأموال على الفقراء ومساعدتهم تكسب الإنسان شيئاً من الاستقرار والاطمئنان، وتعالج لدية حدة الانفعالات(4).
إن العفو أو التسامح أمر ضروري ومهم لأنه يعالج الخلل من جذوره، فالسبب الكامن وراء أي انفعال هو إحساس هذا المنفعل بأن الآخرين قد أساؤوا له وبالتالي يحاول الانفعال كرد فعل انتقامي منهم. فإذا قرر أن يرسل أيضاً إلى ذاته رسائل يؤكد من خلالها أنه سوف يتسامح مع الآخرين وكرر هذه الرسائل فإنه سيجد نفسه متسامحاً بالفعل!
4- هنالك إجراء داخلي يجب أن ينفذه أيضاً وهو مقاومة هذه الانفعالات ومحاولة إخمادها وذلك بتكرار رسالة أخرى مفادها: "يجب عليّ أن أقاوم أي انفعال أتعرض له مهما كان صغيراً" (5).
هذه الرسالة سوف تجد طريقها للعقل الباطن والذي يعتبر المتحكم الرئيسي بالانفعالات.
5- كإجراء آخر وهو أنك تسلك طريقاً ما وتعتقد بقوة أنه سيؤدي بك إلى النجاح المطلوب، ولكن عند فشل هذا الطريق فإن الواجب تغييره وسلوك طريق آخر حتى يتحقق النجاح المطلوب. إن الاعتقاد بالنجاح هو نصف النجاح، أي أنك إذا اعتقدت بقوة بأنك ستنجح في عمل ما فإن هذه العقيدة ستكون الوسيلة الفعالة لنجاحك في هذا العمل.
ولذلك عليك أن تعتقد وبقوة بأنه لديك القدرة على علاج انفعالاتك وأن هذه الانفعالات سوف تذهب بيسر وسهولة ولكن يجب أن تخاطب نفسك وتوجهها باستمرار إلى ضرورة التخلي عن هذه الانفعالات وعدم الإصرار عليها.
دماغك عزيزي القارئ هو الآلة التي تستقبل الأوامر والتوجيهات، فإذا وجهتَ لهذه الآلة رسائل باستمرار مفادها أنك ستعالج الانفعالات وأنك واثق من ذلك، فإن هذه الآلة ستستجيب تدريجياً، وسوف تصبح لديك القدرة على التحكم بهذه الانفعالات. إياك أن تترك الرسائل السلبية والمظلمة تدخل إلى دماغك، بل اسمح فقط للرسائل المضيئة والإيجابية بالدخول.
والآن وبعدما رأينا خطوات العلاج العلمية بالبرمجة البشرية، ماذا عن البرمجة القرآنية؟؟!
خطوات علاجية من القرآن
لقد حدثنا كتاب الله تعالى عن صفات الجنة التي وعدها الله المتقين: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133]. ولكن ما هي صفات هؤلاء المتقين؟
يقول تعالى في الآية التالية: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].
لقد تضمنت هذه الآية ثلاثة إجراءات عملية:
1- إنفاق شيء من المال على الفقراء: وهذا ما أكده العلماء أنه يكسب الإنسان نوعاً من الاستقرار النفسي الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).
2- أن يحاول الإنسان إخماد انفعالاته بأية طريقة ولا يسمح لها أن تنطلق باتجاه الآخرين: وهذه القاعدة أيضاً تعلم الإنسان شيئاً من الانضباط الذاتي (6) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ).
3- لقد تضمنت الآية إجراءً عملياً يتمثل في التسامح مع الآخرين، وهذا ما يؤكده جميع العلماء اليوم من أن التسامح هو أفضل وسيلة لضبط الانفعالات. (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).
نأتي الآن إلى الآية التالية حيث يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
لقد تضمنت هذه الآية أيضاً ثلاثة إجراءات عملية لعلاج ظلم النفس، وجميعنا يعلم أن الانفعال والتسرع والتهور هي أنواع من ظلم الإنسان لنفسه. وهذه الإجراءات هي:
1- الاعتراف بالذنب: فعندما يرتكب المؤمن فاحشة أو ظلماً لنفسه أو ينفعل أو يتسرع في تصرف ما يجب عليه مباشرة أن يدرك خطأه بل ويعترف به: (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)، إن هذه الآية تؤكد على الاعتراف بالذنب، لأن الاستغفار وطلب المغفرة من الله تعالى لا يكون إلا بعد أن يحس المؤمن بخطئه وذنبه فيستغفر الله. وقد أكد جميع الباحثين أن الاعتراف بالذنب أمام النفس هو طريق للشفاء. ولكن القرآن يأمرنا أن نعترف بذنوبنا أمام الله تعالى!! فهو الأقدر على شفائنا.
2- اليقين بأن هذا الانفعال وهذا الخطأ يمكن معالجته: ويؤكد العلماء أن ثقة المريض بالشفاء ويقينه بذلك تمثل نصف الشفاء إن لم يكن أكثر، وهنا يتجلى معنى قوله تعالى: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) فهذه الكلمات تنح المؤمن ثقة كبيرة بإمكانية مغفرة الذنب وأن هذا الانفعال يمكن ألا يتكرر.
3- يؤكد جميع علماء البرمجة اللغوية العصبية أن الطريق المثالي لعلاج الكثير من الاضطرابات النفسية والانفعالات هو أن يكون لديه الإرادة الكافية والقوية لعدم تكرار الانفعال وعدم الإصرار عليه، والسؤال: أليس هذا ما تحدثت عنه الآية الكريمة
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)؟؟
لنتأمل الآن النص القرآني: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133-136].
اسأل مجرّباً!!
سوف أخبرك بشيء مهم كان يحدث معي قبل عشرين عاماً عندما كنت أحفظ كتاب الله تعالى، وهو أنني كنتُ أقف أمام بعض الآيات التي كانت تؤثر بي، وأكررها عشرات المرات ثم أكتبها على ورقة وأضعها أمامي متأملاً كلماتها ومعانيها وكنتُ أشعر في ذلك الوقت بأن هذه الآيات تُحدث تأثيراً كبيراً في قناعاتي وعقيدتي ومبادئي.
فلا أنسى أبداً آية من الآيات الرائعة والتي كتبتها وعلّقتها على جدار غرفتي وهي قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107].
وأقول لك أخي القارئ إن هذه الآية قد عالجَت عندي أكثر من 90 بالمئة من الحزن والكآبة والقلق والخوف والتردد!!! ولكن كيف ذلك؟
لقد كانت أشياء كثيرة تسبب حزناً وكآبة بسبب الإحباطات التي يتعرض لها الإنسان أحياناً نتيجة فشله في عمل ما، أو خطئه في تصرف ما أو تسرعه في كلمة يقولها ثم يكتشف أنه مخطئ، أو نتيجة رسوبه في امتحان أو فشله في علاقة عاطفية.
وعندما علمتُ أن أي ضرّ يصيبني إنما هو من الله تعالى، وهو أمر مقدر من قبل أن أُخلق، وهذا الضُرّ لا يمكن لأحد أن يُذهبه ويكشفه إلا الله تعالى. فكنتُ أقول: إذن لماذا أنا حزين وقلق ومحبط؟ إذا كان الله تعالى وهو أرحم الراحمين هو من مَسّني بهذا الضرّ وهو من سيكشف هذا الضرر، فهل هنالك أجمل من هذا الأمر؟
لقد غيّرت هذه القناعة الجديدة أشياء كثيرة في حياتي فتحول الوقت الذي كنتُ أمضيه في التفكير فيما سبق من أخطاء ومشاكل، تحول هذا الوقت إلى وقت فعال أقرأ فيه القرآن أو أتعلم فيه شيئاً جديداً من أمور العلم!
إذن انظر معي إلى هذه الكلمات (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) كيف غيّرت حياة إنسان بأكملها، وكيف غيرت الوقت من وقت ضائع إلى وقت مثمر وفعّال!
ولكن ماذا عن المقطع الثاني من الآية؟ (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) هذه الكلمات المليئة بالرحمة والتفاؤل والحيوية كانت تغير فيّ الكثير أيضاً.
فقد كنتُ في كثير من الأوقات أعاني من قلق وخوف حول أشياء سوف تحدث أو أتخيلها أنها ستحدث، مثل توقع الفشل في عمل ما أو توقع الخطأ في تصرف ما. بل كنتُ أتردد كثيراً في عمل شيء ما: هل أفعله أم لا؟
وعندما قرأتُ هذه الكلمات الإلهية أدركتُ بأن أي خير سيصيبني لا يمكن أن يأتي خارج إرادة الله عز وجل! وأدركتُ أيضاً بأن أي خير سيأتي، لن يستطيع أن يردّه أو يبعده عني أحد إلا الله تعالى!
وقلتُ إذا كان الخير كله من عند الله فلماذا أنا قلق وخائف؟ إذا كان الشيء الذي سأقوم بفعله وأنا قلق حول نتائجه، إذا كانت هذه النتائج بيد الله وهو الذي سيعطيني الخير ولن يمنعه أحد من ذلك، إذن لماذا التردد في فعل هذا الأمر مادام الأمر فيه الخير ورضا الله ؟
وبالنتيجة ساهَمت هذه الآية في القضاء على التردد والخوف والقلق، لقد أحدثَت هذه الكلمات الربانية تغييراً في سلوكي أيضاً. فلم يعد لدي حسابات كثيرة أجريها قبل القيام بعمل ما، ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني التوفير في الوقت أيضاً، لقد أصبح لدي وقت كبير أستطيع الاستفادة منه في تطوير معرفتي وعلمي.
(يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)هذا هو المقطع الثالث من الآية الكريمة، وهذا يعني أن الله تعالى هو من يختار من البشر من يشاء ليصيبه بالخير، إذن كيف أضمن أن الله تعالى سيصيبني بهذا الخير؟ يجب قبل كل شيء أن أصلح علاقتي مع الله تبارك وتعالى.
إن أول خطوة في إصلاح علاقتك مع الله هي أن تتوجه بإخلاص كامل إلى الله ليس هنالك أي مصلحة إلا رضا الله تعالى، وعندها خرجتُ بنتيجة وهي أن هذه الآية وعلى الرغم من قصر كلماتها إلا أنها ممتلئة بالتوجيهات التي تغير سلوك إنسان بالكامل، هذه الآية هي إعادة لبرمجة الدماغ وتغيير المعلومات المختزنة فيه من معلومات يسيطر عليها التردد والخوف والقلق إلى معلومات مليئة بالقوة والتفاؤل والاطمئنان.
المفضلات