فن المحافظة على رباطة الجأش
كثيراً ما نهتم بالقضايا الكبرى في هذه الحياة متسائلين كيف السبيل الى مواجهة هذه الدقائق الرهيبة من الحقيقة. غير أن المشاكل الصغيرة والأزمات العادية في حياتنا اليومية هي التي ينبغي ان تقلقنا. فهي الأحداث التي تجعلنا نبدو اقل مستوى مما نحن في عيون اللآخرين من طريقة معالجتنا لها معالجة سيئة.
فعندما يتشكك احد في كلامنا ترانا نميل احيانا الى الغضب, نسارع الى التلفظ بجواب سرعان ما نندم عليه فيما بعد, بدلاً من أن نحاول توضيع انفسنا بطريقة اكثر اقناعنا. وعندما نخوض غمار الحديث مع احد يتفق لنا احياناً ان نعجز عن مجاراة محدثنا في اقواله وآرائه, فتفلت منا سخافات وترهات. كتب الروائي الأمريكي الساخر جيمس ثربر قصة قوامها الأقوال الذكية التي كان بأمكانه ان يرددها فيما لو فكر فيها في حينها. وذلك اختيار يمكننا جميعاً ان نفهمه... وغالباً ما نقول تحت ضغط الظروف, أشياء تختلف تماماً عما نقصد وننوي.
ان عجزنا عن مجابهة مشاكل الحياة الصغيرة, وفشلنا في ان نصل الى مستوى هذه الاحداث اليومية العادية يزدادان حدة بحيث يحطمان الشيء الذي نصبو اليه جميعاً ونسعى وراءه وهو تحقيق ذاتنا, وبلورة شخصيتنا. ولكن من حسن الحظ ان القدرة على المحافظة على هدوء الأعصاب ليست هبة ممنوحة للبعض, ومحظورة على البعض الآخر. انها على النقيض في متناول الجميع.
ولكي نتعلم كيف نسيطر على انفسنا في الحالات الدقيقة الحرجة, ينبغي قبل كل شيء دراسة البيئة التي يحيط بنا, وملائمة انفسنا معها. ولعل الأسلوب المضمون في هذا المجال هو دراسة اولئك الذين اصبحوا اسياداً من اسياد هذا الفن الصعب. انهم غالباً اناس يتحملون, بفضل اعبائهم ومناصبهم, المسؤوليات الجسام امثال رجال الأعمال, والساسة, والأبطال الرياضيين والجراحين. وتتيح اختبارات هؤلاء رجال ونساء, استخلاص بضع قواعد اساسية, أو بضعة مفاتيح لفن الأحتفاظ بالبرودة وهدوء الاعصاب في اللحظات الحرجة, او للتخفيف من خطورة حالة حرجة...
اليكم بعض هذه القواعد:
أولاً: اللجوء الى المرح.
انها الطريقة الأكثر فعالية لتحطيم التوتر. غير انه ليس من الممكن دائما ان نجد المرء في مثل هذه الحالات الحرجة ردوداً مرحة وذكية. ولذا كان من المستحسن ان يختزن المرء بعضها لكي يُكوّن جواً جديداً عندما يشحن الجو بالكهرباء والتوتر.
ثانياً: عليك بالتمهل.
نميل الى التسرع, في حين ان التمهل يجنبنا التهور و ارتكاب الحماقات. فضلاً عن ان التمهل يمكن ان يساعدنا على تذكر شيء ينقذ الموقف. فقد نسي احد اساتذة الأدب الإنكليزي مرة إسم مؤلف رواية كان يناقشها مع تلاميذه, وقد بدا أن التلاميذ لحظوا ذلك. ولكنه بدلاً من أن يدع نفسه فريسة للقلق, واصل الشرح والأخذ والرد تاركاً للوقت مهمة تذكيره بالأسم الذي غاب عنه, حتى لمع في فكره, فذكره, مردداً بكل ثقة.
ثالثاً: لا تفرض وجهة نظرك.
اننا ف يمحاولتنا إرضاء نفوسنا عبر إنتصار آرائنا أو إرادتنا نصنع مشاكل لا نهاية لها. ذلك بأنه ليس ثمة أنسان يرضى بأن تقطع عليه كل المنافذ. ومع ذلك فنحن بمطالبنا يتفق لنا احياناً ان نضع خصومنا, ومرؤوسينا أو رؤساءنا في مواقف حرجة ونسد عليهم كل منفذ.
رابعاً: حاول ان تفهم الاسباب.
أمام الانتقادات الحادة والإهانات كثيراً ما نفقد رباطة جأشنا بأسرع ما يمكن. وسئل يوماً احد علماء النفس كيف يستطيع ان يحتفظ بهدوئه أمام المرضى الذين غالباً ما يرهقونه بشتى انواع الحماقات فكان جوابه: قبل كل شيء لا نعتبر اننا حقا مستهدفين بهذه الحماقات والإهانات فغالباً ما يكون المريض حانقاً على احد آخر: على نسيب أو صديق أو شخص اخر. وما يفعله أن يبلور غضبه علينا.
خامساً: كن صريحاً.
من خلال اسلوب الصراحة يكون المرء اكثر راحة للبال, فهو يريح ضميره من جهة ويصادق الطرف الآخر من جهة ثانية.
سادساً: كن مستعداً.
لا تفقد اعصابك عندما تقع في مأزقٍ ولكن تأهب لهذه المأزق قبل ان تصل اليه. بعبارة اخرى قبل ان تشرع بعمل أو اي شيء آخر ضع أمام عينيك شيئين. النجاح والفشل بعدها ضع خطة ما بعد النجاح وما بعد الفشل. على سبيل المثال, اذا نجحت ماذا ستفعل في تلك اللحظة, واذا فشلت ماذا سيكون موقفك. هل ستفقد أعصابك؟؟؟!!!
وأخيراً أن الإحتفاظ برباطة الجأش يؤثر في صحتنا الجسدية أبلغ تأثير. وقد تبين للأطباء ان صحتنا ترتبط أرتباطاً وثيقاً, وبصورة لم يقدرها أحد من قبل, بقدرتنا على السيطرة على انفسنا في اللحظات الحرجة. ولقد فتحت هذه الإكتشافات آفاقاً جديدة في حقل الطب.
لعل أثمن الخصائص المرتبطة بالقدرة على حفظ رباطة الجأش هو الإنسجام في شخصيتنا. ذلك بأننا في تدربنا على الصراحة واللجوء الى المرح والتأهب واعتبار الأخرين وتفهم مواقفهم, نعرف كيف نجابه بفكر صاف مشاكل الحياة, ونبقى نسيطر على اقوالنا وافعالنا, وبمعنى آخر نكون قد اقتربنا من سكون البال, واذا كانت تلك الحالة ليست السعادة نفسهاو فهي بلا شك أقرب جارتها.....
المفضلات