د . عائض القرني

لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذب في الآخرين . إن هذا هو العذاب الدائم ،

وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ومواهبهم

وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الآخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، ولإعدام للكيان وللذات .

من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق.

أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ، ولن يأتي في الدنيا مثلك شبيه .

أنت مختلف تماماً عن زيد وعمرو ، فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان.

انطلق على هيئتك وسجيتك ( قد علم كل أناس مشربهم ) ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات )

عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لا تبدل نبرتك ، لا تخالف مشيتك ،

هذّب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغ وجودك وتقتل استقلالك.

أنت لك طعم خاص ، ولون خاص ، ونريدك أنت بلونك هذا

وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا ، وعرفناك هكذا (( لا يكن أحدكم إمعة )) .

إن الناس في طباعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ،

وهكذا فليكونوا ، فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ؛ لأن جمالك

وقيمتك أن تكون موزاً ، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته .

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :

اشتر نفسك ؛ اليوم فإن السوق ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير ( ذلك يوم التغابن ) ( يوم يعض الظالم على يديه ) .
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا